موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ السَّادِسُ: ذَهابُ المَنفعةِ المَقصودةِ مِنَ العَينِ كَذَهابِ العَينِ جُملةً


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "ذَهابُ المَنفَعةِ المَقصودةِ مِنَ العَينِ التي اقتُنِيَت مِن أجلِها كَذَهابِ العَينِ جُملةً" [4104] يُنظر: ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (3/875). ، وصيغةِ: "إتلافُ المَنفَعةِ المَقصودةِ مِنَ العَينِ كَإتلافِ جُملَتِها" [4105] يُنظر: ((جواهر الدرر)) للتتائي (6/281). ، وصيغةِ: "إذا أتلَف عليه المَنفَعةَ المَقصودةَ مِنَ العَينِ، فكان له أن يُضَمِّنَه قَدرَ جَميعِ قيمَتِه" [4106] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3306). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الأعيانُ إنَّما تُقصَدُ وتُقتَنى لمَنافِعِها؛ فمَنفعةُ الدَّارِ السُّكنى، ومَنفعةُ الدَّابَّةِ الرُّكوبُ أوِ الحَملُ، ومَنفعةُ العَينِ الباصِرةِ الرُّؤيةُ ونَحوُ ذلك، فإذا تَعَدَّى شَخصٌ على شَيءٍ فأتلَفَه على مالكِه بحَيثُ ذَهَبَتِ المَنفعةُ المَقصودةُ مِنه فقد صارَ وكَأنَّه أتلَفَ عَينَ الشَّيءِ بالكُلِّيَّةِ، فذَهابُ المَنفعةِ المَقصودةِ مِنَ العَينِ التي اقتُنِيَت مِن أجلِها كَذَهابِ العَينِ جُملةً؛ لأنَّ بَقاءَ العَينِ دونَ مَنفعَتِها لا قيمةَ لَها في الحَقيقةِ، وتُعتَبرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (الضَّمانُ بقَدرِ التَّلَفِ) [4107] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3306)، ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (3/875)، ((جواهر الدرر)) للتتائي (6/281). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والمَعقولِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
وهيَ إجماعاتٌ مُتَنَوِّعةٌ تُفيدُ أنَّ تَفويتَ المَنفَعةِ كَفواتِ العَينِ جُملةً، ومِن ذلك:
- نقل بَدرُ الدِّينِ العَينيُّ الإجماعَ على أنَّ الدِّيةَ في تَفويتِ المَنفعةِ، فقال: (وما فَوَّت جِنسَ المَنفَعةِ ففيه الدِّيةُ؛ لأنَّ بفواتِه يَفوتُ الآدَميُّ، مِن وجهٍ ذَكَرَه في "المَبسوط"، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا) [4108] ((البناية)) (13/ 174). .
- وحَكى ابنُ المُنذِرِ وابنُ هُبَيرةَ الإجماعَ على الدِّيةِ في ذَهابِ مَنفعةِ السَّمعِ، قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ عَوامُّ أهلِ العِلمِ على أنَّ في السَّمعِ الدِّيةَ) [4109] ((الأوسط)) (13/ 204). . وقال: (في السَّمعِ الدِّيةُ؛ إذ لا اختِلافَ فيه أعلَمُه أنَّ في السَّمعِ الدِّيةَ) [4110] ((الأوسط)) (13/ 205). ، وقال ابنُ هُبَيرةَ: (وأجمَعوا على أنَّ في ذَهابِ السَّمعِ الدِّيةَ) [4111] ((اختلاف الأئمة العلماء)) (2/ 242). .
- ونُقِل الإجماعُ أيضًا على أنَّ ذَهابَ حاسَّةِ الشَّمِّ مَعَ بَقاءِ الآلةِ فيه الدِّيةُ، قال ابنُ قُدامةَ: (الشَّمُّ في إتلافِه الدِّيةُ؛ لأنَّه حاسَّةٌ تَختَصُّ بمَنفعَتِه، فكان فيها الدِّيةُ كَسائِرِ الحَواسِّ، ولا نَعلَمُ في هذا خِلافًا) [4112] ((المغني)) (12/ 119). .
2- مِنَ المَعقولِ:
وهو أنَّ المَنفَعةَ جُزءٌ مِنَ العَينِ، فهيَ في حُكمِ التَّابعِ، والتَّابعُ تابعٌ، ولأنَّ المَنفعةَ إذا كانت مَقصودةً فلا مَعنى للعَينِ إلَّا بها، وهذا مِن بابِ ما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلَّا به فهو واجِبٌ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إنِ انخَسَفتِ العَينُ أو ذَهَبَ بَصَرُها وهيَ قائِمةٌ، أوِ ابيَضَّت حَتَّى ذَهَبَ البَصَرُ؛ ففيها نِصفُ الدِّيةِ، وفي العَينَينِ الدِّيةُ؛ لأنَّ المَنفَعةَ المَقصودةَ مِنَ العَينِ تَفوتُ في هذا كُلِّه، فذَهابُ البَصَرِ بمَنزِلةِ فواتِ العَينِ، فلا مُعتَبَرَ ببَقائِها بَعدَما ذَهَبَ البَصَرُ [4113] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/73). .
2- إذا اعتَدى شَخصٌ على يَدِ إنسانٍ فشَلَّت حَتَّى لا يَنتَفِعَ بها، ففيها أَرْشُها كامِلًا؛ إمَّا لأنَّ الشَّلَلَ دَليلُ مَوتِها، أو لأنَّ ما هو المَقصودُ -وهو مَنفَعةُ البَطشِ- تحَقَّق فَواتُه بصِفةِ الكَمالِ، فهو وما لَو قُطِعَتِ اليَدُ سَواءٌ في إيجابِ الأَرْشِ [4114] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/73). .
3- مَن خَرَق ثَوبًا حَتَّى أفسَدَه فسادًا كَبيرًا خُيِّرَ رَبُّ الثَّوبِ في أخذِ قيمةِ جَميعِه، أو أخذِه بعَينِه وأخذِ ما نَقَصَه مِنَ المُتَعَدِّي [4115] يُنظر: ((التهذيب في اختصار المدونة)) لابن البراذعي (4/79)، ((التجريد)) للقدوري (7/3303). .

انظر أيضا: