موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الأصلُ في المتقوِّماتِ القيمةُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأصلُ في المُتَقَوِّماتِ القيمةُ" [4126] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/518)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/305)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/351). ، وصيغةِ: "الأصلُ أنَّ مَن أتلَف مُقَوَّمًا فعليه قيمَتُه" [4127] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/324)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/499). ، وصيغةِ: "الواجِبُ في غَيرِ المِثليِّ قيمَتُه" [4128] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (8/284)، ((شرح دليل الطالب)) لعبد الله المقدسي (2/343). ، وصيغةِ: "مَن أتلَفَ مُتَقَوِّمًا فإنَّه يَلزَمُه ضَمانُه بقيمَتِه" [4129] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/142). ، وصيغةِ: "لَو أتلَف مُتَقَوِّمًا مِن غَيرِ غَصبٍ لَزِمَه قيمَتُه يَومَ الإتلافِ" [4130] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (5/430)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/26). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
القِيميُّ: هو الشَّيءُ الذي لا يوجَدُ له مَثيلٌ في السُّوقِ، أو يوجَدُ لَكِن مَعَ التَّفاوُتِ المُعتَدِّ به في القيمةِ، كالمِثليِّ المَخلوطِ بغَيرِه، وهو مِثلُ الحِنطةِ المَخلوطةِ بشَعيرٍ أو ذُرةٍ، والخَيلِ والحَميرِ والغَنَمِ والبَقَرِ والبِطِّيخِ، وما أشبَهَ ذلك مِنَ الأشياءِ التي يوجَدُ تَفاوُتٌ بَينَ أفرادِها مِن حَيثُ الحَجمُ أوِ الجَودةُ وغَيرُ ذلك، بحَيثُ تَتَفاوتُ في الأثمانِ تَفاوُتًا بَعيدًا، ففرَسٌ مِنَ الخَيلِ قد يُساوي مِائةَ ألفٍ، وآخَرُ قد لا يُساوي مِعشارَ ذلك، وبناءً على ذلك كان الأصلُ في ما لا يوجَدُ له مِثلٌ، أو يوجَدُ لَكِن مَعَ تَفاوُتٍ مُعتَبَرٍ: أن يُضمَنَ بقيمَتِه؛ لكَونِه أقرَبَ إلى العَدلِ [4131] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/121). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والمَعقولِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن أعتَقَ شِركًا له في عَبدٍ، فكان له مالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العَبدِ، قُوِّمَ العَبدُ قيمةَ عَدلٍ، فأعطى شُرَكاءَه حِصَصَهم، وعَتَقَ عليه، وإلَّا فقدَ عَتَقَ مِنه ما عَتَقَ)) [4132] أخرجه البخاري (2522) واللفظ له، ومسلم (1501). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أوجَبَ القِيمةَ على المُعتِقِ الموسِرِ فيما لا مِثلَ له [4133] يُنظر: ((مصابيح السنة)) للبغوي (2/430)، ((المفاتيح شرح المصابيح)) للمظهري (4/156)، ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (2/671). ، قال الكاسانيُّ: (النَّصُّ الوارِدُ في العَبدِ يَكونُ وارِدًا في إتلافِ كُلِّ ما لا مِثلَ له دَلالةً) [4134] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/151). .
2- مِنَ المَعقولِ:
- أنَّه تَعَذَّرَ إيجابُ المِثلِ صُورةً ومَعنًى فيما لا مِثلَ له، فيَجِبُ المِثلُ مَعنًى، وهو القيمةُ؛ لأنَّها المِثلُ المُمكِنُ [4135] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/151،150). .
- كما أنَّ غَيرَ المِثليِّ لا تَتَساوى أجزاؤُه وتَختَلفُ صِفاتُه، فالقيمةُ فيه أعدَلُ مِنَ المِثلِ [4136] يُنظر: ((دقائق أولي النهى)) للبهوتي (2/318). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- مَن أتلَف على غَيرِه طَعامًا فلَم يَأتِ بمِثلِه حَتَّى تَعَذَّرَ المِثلُ، وجَبَ عليه قيمَتُه [4137] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/302). .
2- إذا تَخالَف المُتَعاقِدانِ ووقَعَ الفسخُ، وكانتِ السِّلعةُ تالفةً ولا مِثلَ لَها، وجَبَ رَدُّ قيمَتِها، وفي اعتِبارِ أزمانِ القيمةِ وجهانِ: أحَدُهما: وقتُ التَّلَفِ، والثَّاني: أكثَرُ مِمَّا كانت قيمَتُه مِن وقتِ القَبضِ إلى وقتِ التَّلَفِ [4138] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/304). .
3- إذا اشتَرى أُضحيَّةً وأوجَبَها ثُمَّ أتلَفها، وجَبَ عليه قيمَتُها، وعِندَ الشَّافِعيِّ: يَلزَمُه أكثَرُ الأمرَينِ مِن قيمَتِها وقتَ التَّلَفِ أو قيمةِ مِثلِها وقتَ الذَّبحِ فيَشتَري به مِثلَها، وإن زاد على مِثلِها شارَكَ في الأُخرى، وعِندَ أحمَدَ: يَجِبُ عليه قيمَتُها يَومَ التَّلَفِ، ولا يَجِبُ عليه أكثَرُ مِن ذلك، فإن كانت قيمَتُها تَفي بأُضحيَّةٍ صَرَفه فيها، وإن لَم تَفِ بأُضحيَّةٍ تصَدَّق بها [4139] يُنظر: ((اختلاف العلماء)) لابن هبيرة (1/336). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءٌ:
الأصلُ أنَّ مَن أتلَفَ مُقَوَّمًا فعليه قيمَتُه، لَكِنْ هناكَ مَسائِلُ وقَعَ فيها خِلافٌ هَل يُقضى فيها بالمِثلِ أو بالقيمةِ، ومِن ذلك الذَّهَبُ المَصنوعُ على هَيئةِ الحُليِّ، فهَل يُعامَلُ بأصلِ مادَّتِه، ويُجعَلُ كَغَيرِ المُصنوعِ على صِفةِ الحُليِّ، والغَزلِ المَنسوجِ، والجِدارِ المُتَعَدِّي في مِلكِ الغَيرِ، ودَفنِ المَيِّتِ تَعَدِّيًا في مِلكِ الغَيرِ.
قال الوَنْشَريسيُّ: (الأصلُ أنَّ مَن أتلَفَ مُقَوَّمًا فعليه قيمَتُه إلَّا في مَسألةِ الحُليِّ المُتَقدِّمةِ على قَولِ مالكٍ وأشهَبَ، والغَزَلِ -على ما سَلَف مِنَ الخِلافِ، والجِدارِ، ومَن دَفَن في قَبرٍ مُتَعَدِّيًا- على رَأيِ سُحنون) [4140] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/324). .
تَنبيهٌ:
الحُكمُ على الشَّيءِ بكَونِه قيميًّا أو غَيرَ قِيميٍّ قد يَختَلفُ مِن زَمَنٍ لآخَرَ، فكَثيرٌ مِمَّا كان يُعَدُّ قيميًّا في السَّابقِ أصبَحَ الآنَ مِثليًّا؛ لانعِدامِ التَّفاوُتِ بَينَ أفرادِه، فأصبَحَتِ المَصانِعُ والآلاتُ تُنتِجُ آلافَ الأشياءِ التي تَتَماثَلُ أفرادُها بدِقَّةٍ مُتَناهيةٍ؛ نَتيجةً للتَّطَوُّرِ العِلميِّ والتِّقنيِّ، ووُجودِ الأجهزةِ الحَديثةِ التي تَقومُ بصُنعِ الأشياءِ بمواصَفاتٍ موحَّدةٍ، ومَقاييسَ دَقيقةٍ [4141] يُنظر: ((معلمة زايد)) (15/51- 52). .

انظر أيضا: