موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ العاشِرُ: الحَقُّ المُتَعَلِّقُ بالعَينِ يَسقُطُ بتَلَفِها مِن غَيرِ تَفريطٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: الحَقُّ المُتَعَلِّقُ بالعَينِ يَسقُطُ بتَلَفِها مِن غَيرِ تَفريطٍ [3610] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/382)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/81). ، وصيغةِ: الحَقُّ المُتَعَلِّقُ بمُعَيَّنٍ يَسقُطُ بسُقوطِه [3611] يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (7/562). ، وصيغةِ: حُقوقُ الآدَميِّينَ المُتَعَلِّقةُ بزَمانٍ لا تَسقُطُ بفَواتِ الزَّمانِ، ولَو تَعَلَّقَ بعَينٍ ففاتَتِ العَينُ سَقَطَت [3612] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/298). ، وصيغةِ: كُلُّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بالعَينِ يَبطُلُ بتَلَفِ المالِ [3613] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/128). ، وصيغةِ: إذا تَزاحَمَ حَقَّانِ في مَحَلٍّ، أحَدُهما مُتَعَلِّقٌ بذِمَّةِ مَن هو عليه، والآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بعَينٍ مَن هيَ له، قُدِّمَ الحَقُّ المُتَعَلِّقُ بالعَينِ على الآخَرِ؛ لأنَّه يَفوتُ بفَواتِها، بخِلافِ الحَقِّ الآخَرِ [3614] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/1339). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الحَقَّ إذا تَعَلَّقَ بعَينٍ مُحَدَّدةٍ فإنَّه يَسقُطُ بتَلَفِها إذا لَم يَكُنْ هناكَ تَفريطٌ أدَّى إلى هذا التَّلَفِ؛ فإنَّ الشَّيءَ إذا تَلِفَ فقد فاتَ، بخِلافِ الحَقِّ المُتَعَلِّقِ بالذِّمَّةِ فإنَّه لا يَسقُطُ بتَلَفِ العَينِ؛ والفَرقُ بَينَهما: أنَّ المُعَيَّنَ إذا تَلِفَ أوِ استُحِقَّ فقد فاتَ، وأمَّا ما تَعَلَّقَ في الذِّمَّةِ فيَبقى، فلَو تَلِفَ مالُ الإنسانِ كُلُّه أوِ استُحِقَّ لَم يَفُتْ؛ لأنَّ تَعَلُّقَه بالذِّمَّةِ، وليس بعَينِ المالِ، فتُشغَلُ ذِمَّتُه بدَفعِ مِثلِه. فما في الذِّمَّةِ يَكونُ وفاؤُه بدَفعِ أيَّةِ عَينٍ ماليَّةٍ مِثليَّةٍ مِن جِنسِ المُلتَزَمِ به، بخِلافِ المُعَيَّنِ، فإنَّ الحَقَّ يَتَعَلَّقُ بذاتِه [3615] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/298)، ((الكافي)) (1/382)، ((المغني)) (4/145) كلاهما لابن قدامة، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (6/380)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/1339)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (7/309). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ تَلَفَ العَينِ مِن غَيرِ تَفريطٍ يَصلُحُ سَبَبًا لسُقوطِ الحَقِّ المُتَعَلِّقِ بالعَينِ؛ لأنَّ الحُقوقَ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها فإنَّها تَسقُطُ بما يَصِحُّ به إسقاطُها.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لَها بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- تَسقُطُ الزَّكاةُ بتَلَفِ المالِ، إذا لَم يُفَرِّطْ في الأداءِ؛ لأنَّها تَجِبُ على سَبيلِ المواساةِ، فلا تَجِبُ على وجهٍ يَجِبُ أداؤُها مَعَ عَدَمِ المالِ وفَقرِ مَن تَجِبُ عليه، ومَعنى التَّفريطِ: أن يَتَمَكَّنَ مِن إخراجِها فلا يُخرِجَها. وإن لَم يَتَمَكَّنْ مِن إخراجِها فلَيسَ بمُفَرِّطٍ، سَواءٌ كان ذلك لعَدَمِ المُستَحِقِّ، أو لبُعدِ المالِ عنه، أو لكَونِ الفَرضِ لا يوجَدُ في المالِ، ويَحتاجُ إلى شِرائِه، فلَم يَجِدْ ما يَشتَريه، أو لغَيرِ ذلك [3616] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/145)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (6/380). .
2- إذا حَصَلَتِ الاستِطاعةُ للحَجِّ، فتَلِفَ المالُ قَبلَ التَّمَكُّنِ، سَقَطَ عنه الحَجُّ؛ لأنَّه عِبادةٌ تَتَعَلَّقُ بالمالِ، فتَسقُطُ بتَلَفِه قَبلَ إمكانِ الأداءِ، ولِأنَّه حَقٌّ تَعَلَّقَ بالعَينِ فسَقَطَ بتَلَفِها مِن غَيرِ تَفريطٍ [3617] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/382). .
3- إذا كان المَبيعُ مَحبوسًا عِندَ البائِعِ حَتَّى يَدفَعَ المُشتَري ثَمَنَه، فهو مِن ضَمانِ البائِعِ، ويَسقُطُ الثَّمَنُ بتَلَفِ المَبيعِ [3618] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (6/231)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/60). .
4- إذا نَذَرَ أُضحيَّةً أو هَديًا مُعَيَّنًا، فحَدَثَ به عَيبٌ أو هَلَكَ في الطَّريقِ، فقد بَرِئَت ذِمَّتُه؛ لأنَّه تَعَلَّقَ بالعَينِ فسَقَطَ بتَلَفِ العَينِ، ولا شَيءَ عليه؛ لأنَّه أمانةٌ في يَدِه للفُقَراءِ، والأمانةُ إذا تَلِفَت بغَيرِ تَفريطٍ فلا ضَمانَ كالوديعةِ [3619] يُنظر: ((الهداية)) للكلوذاني (ص: 204). .
5- إذا تَلِفَ الرَّهنُ سَقَطَ حَقُّ المُرتَهنِ؛ لأنَّ حُقوقَ الآدَميِّينَ إذا تَعَلَّقَ بعَينٍ ففاتَتِ العَينُ سَقَطَت [3620] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/298). .

انظر أيضا: