موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الحادي عَشَرَ: الصِّلاتُ تَبطُلُ بالمَوتِ قَبلَ القَبضِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: الصِّلاتُ تَبطُلُ بالمَوتِ قَبلَ القَبضِ [3621] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (3/524)، ((العناية)) للبابرتي (4/396)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (4/396). ، وصيغةِ: الصِّلةُ تَبطُلُ بالمَوتِ قَبلَ القَبضِ [3622] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/29)، ((الجوهرة النيرة)) للحداد (2/87). ، وصيغةِ: الصِّلاتُ تَسقُطُ بالمَوتِ قَبلَ التَّسليمِ [3623] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/312). ، وصيغةِ: الصِّلاتُ إذا لَم تَكُنْ مَقبوضةً تَسقُطُ بالمَوتِ [3624] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/93). ، وصيغةِ: الصِّلاتُ لا تَتِمُّ إلَّا بالتَّسليمِ، وإذا ماتَ قَبلَ التَّسليمِ تَسقُطُ [3625] يُنظر: ((غمز عيون البصائر)) للحموي (3/90). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَر استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ الصِّلاتِ -كالهبةِ والصَّدَقةِ- لا تَتِمُّ إلَّا بالتَّسليمِ، وتَسقُطُ بالمَوتِ قَبلَ قَبضِها؛ فما وجَبَ في ذِمَّةِ الإنسانِ بطَريقِ الصِّلةِ لا يُقابِلُه عِوضٌ ماليٌّ، فتَسقُطُ بالمَوتِ قَبلَ التَّسليمِ إلَّا إذا فرَضَها القاضي وأمَرَ باستِدانَتِها عليه، فعِندَئِذٍ لَم تَسقُطْ بالمَوتِ [3626] يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (1/312)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/53)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (3/524)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/56)، ((العناية)) للبابرتي (4/394)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/415)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (3/90). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الصِّلاتِ على وَجهِ التَّبَرُّعِ لا يُقابِلُها عِوضٌ، فيَصِحُّ إسقاطُها بالمَوتِ؛ إذِ الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها فإنَّما تَسقُطُ بما يَصِحُّ به إسقاطُها.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- الهِبةُ تَبطُلُ بمَوتِ الواهبِ أو بمَوتِ المَوهوبِ له قَبلَ القَبضِ؛ لأنَّها صِلةٌ، والصِّلاتُ تَسقُطُ بالمَوتِ [3627] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (4/394)، ((البناية)) للعيني (5/676)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/415). .
2- نَفَقةُ الصَّغيرِ المُستَحِقِّ للنَّفَقةِ لا تَكونُ دَينًا على مَن تَجِبُ عليه إلَّا مِن وقتِ القَضاءِ بها فقَط؛ ولِهذا لا يُطلَبُ الحُكمُ بها عن مُدَّةٍ سابِقةٍ على وقتِ التَّقاضي، ولا يُقضى بها مُسنَدةً إلى وقتٍ سابِقٍ على تاريخِ القَضاءِ، وإذا حُكِمَ بها صارَت دَينًا مِن تاريخِ الحُكمِ ولَكِنَّها لا تَكونُ دَينًا صَحيحًا مِن كُلِّ وجهٍ؛ لأنَّ المُتَجَمِّدَ مِنها كما يَسقُطُ بالأداءِ أوِ الإبراءِ يَسقُطُ بمَوتِ الصَّغيرِ أيضًا؛ لأنَّها واجِبٌ مِن بابِ الصِّلاتِ، والصِّلاتُ تَسقُطُ بالمَوتِ [3628] يُنظر: ((أحكام الأحوال الشخصية)) لعبدالوهَّاب خلاف (ص: 232). .
3- نَفَقةُ الأقارِبِ تَسقُطُ بمَوتِ مَن وجَبَت عليه قَبلَ أدائِها لمُستَحِقِّها؛ لأنَّها صِلةٌ، والصِّلاتُ تَبطُلُ بالمَوتِ قَبلَ التَّسليمِ، إلَّا إذا فرَضَها القاضي وأمَرَ باستِدانَتِها عليه، ففَعَلَ المُستَحِقُّ، فعِندَئِذٍ تَصيرُ دَينًا في ذِمَّةِ مَن لَزِمَته، ولا تَسقُطُ بمَوتِه قَبلَ الأداءِ، بَل تُؤخَذُ مِن تَرِكَتِه كَسائِرِ دُيونِ العِبادِ؛ حَيثُ إنَّها تَأكَّدَت بفَرضِ الحاكِمِ وأمرِه بالاستِدانةِ [3629] يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (39/287). .

انظر أيضا: