موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّامِنُ: الغَيبةُ لا تَمنَعُ حَقَّ الوِلايةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: الغَيبةُ لا تَمنَعُ حَقَّ الوِلايةِ [3592] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (3/69)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/90)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (4/120)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/106)، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (4/73). ، وصيغةِ: لا تَأثيرَ للغَيبةِ في قَطعِ الوِلايةِ [3593] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/220)، ((البناية)) للعيني (5/103). ، وصيغةِ: غَيبةُ الوليِّ لا تَسلُبُ الوِلايةَ [3594] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (5/74). ، وصيغةِ: لا تَأثيرَ للغَيبةِ في إبطالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُه [3595] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (14/91)، ((العناية)) للبابرتي (9/371). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَر استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ حَقَّ الوِلايةِ الثَّابِتَ لا يَسقُطُ بغَيبةِ الوليِّ، ولا تَأثيرَ للغَيبةِ في قَطعِ الوِلايةِ، فإنَّ الغَيبةَ لا تَمنَعُ حَقَّ الوِلايةِ، ويُمكِنُ للحاكِمِ أن يَنوبَ عنه، فيَكونُ حَقُّ الغائِبِ قائِمًا والسُّلطانُ وكيلُه؛ لأنَّ السَّبَبَ المُثبِتَ لحَقِّه قائِمٌ مَعَ غَيبَتِه، ولا تَأثيرَ للغَيبةِ في إبطالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُه [3596] يُنظر: ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/693)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (11/521)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/220) و(14/91)، ((الذخيرة)) للقرافي (4/245)، ((الوسيط)) للغزالي (5/74)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/90). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ مَن تَقَرَّرَ له حَقُّ الوِلايةِ فإنَّه لا يَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُه، وليستِ الغَيبةُ مِمَّا يَصِحُّ به إسقاطُ حَقِّ الوِلايةِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- ولايةُ النِّكاحِ حَقٌّ للوليِّ فلا تَبطُلُ بغَيبَتِه. فإن زَوَّجَ المَرأةَ الوليُّ الأبعَدُ، والأقرَبُ حاضِرٌ، تَوقَّفَت صِحَّةُ ذلك على موافَقةِ الأقرَبِ؛ لأنَّ الأبعَدَ كالأجنَبيِّ عِندَ حَضرةِ الأقرَبِ، فيَتَوقَّفُ عَقدُه على إجازةِ الوليِّ. وإن كان الأقرَبُ غائِبًا غَيبةً مُنقَطِعةً فلِلوليِّ الأبعَدِ أن يُزَوِّجَها عِندَ الحَنَفيَّةِ. وقال الشَّافِعيُّ: يُزَوِّجُها السُّلطانُ؛ لأنَّ الأبعَدَ مَحجوبٌ بوِلايةِ الأقرَبِ، ووِلايَتُه باقيةٌ بَعدَ الغَيبةِ؛ إذ لا تَأثيرَ للغَيبةِ في قَطعِ الوِلايةِ [3597] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (9/4334)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (11/521)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/220)، ((بحر المذهب)) للروياني (11/525)، ((البناية)) للعيني (5/103). .
2- إذا زَوَّجَ الإمامُ لغَيبةِ الوليِّ، وزَوَّجَها الوليُّ الغائِبُ بآخَرَ في وقتٍ واحِدٍ، وثَبَتَ ذلك بالبَيِّنةِ، قُدِّمَ الوليُّ؛ لأنَّ الأصَحَّ في هذه الحالةِ أنَّ تَزويجَ الحاكِمِ كان بالنِّيابةِ عنِ الوليِّ الغائِبِ، بدَليلِ عَدَمِ الانتِقالِ إلى الأبعَدِ [3598] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/489). .
3- يَجوزُ للأبِ الوصيَّةُ إلى غَيرِ الجَدِّ في حَياتِه وهو بصِفةِ الوِلايةِ، ويَكونُ أولى مِنَ الجَدِّ، إلَّا في أمرِ الأطفالِ أو نَحوِهم فلا يَجوزُ للأبِ نَصبُ وصيٍّ على الأولادِ والجَدُّ حَيٌّ بصِفةِ الوِلايةِ عليهم حالَ المَوتِ، أي لا يُعتَدُّ بمَنصوبِه إذا وُجِدَت وِلايةُ الجَدِّ حينَئِذٍ؛ لأنَّ وِلايَتَه ثابِتةٌ بالشَّرعِ كَوِلايةِ التَّزويجِ، فلَيسَ له نَقلُ الوِلايةِ عنه كَوِلايةِ التَّزويجِ [3599] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (3/69)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/90). .

انظر أيضا: