الفَرعُ السَّابعُ: الحَقُّ لا يَسقُطُ بتَقادُمِ الزَّمانِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: الحَقُّ لا يَسقُطُ بتَقادُمِ الزَّمانِ
[3577] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 188)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/420)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (77/115). ، وصيغةِ: الأعواضُ لا تَسقُطُ بمُضيِّ الزَّمانِ
[3578] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (15/256)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/279). ، وصيغةِ: حَقُّ العَبدِ لا يَسقُطُ بالتَّقادُمِ
[3579] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/243)، ((شرح الوقاية)) لصدر الشريعة (3/205)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 311)، ((الفتاوى الهندية)) (1/516). ، وصيغةِ: حُقوقُ العِبادِ يَجري فيها العَفوُ والإبراءُ ولا تَسقُطُ بالتَّقادُمِ
[3580] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (3/210). ، وصيغةِ: تَقادُمُ الزَّمانِ لا يوجِبُ بُطلانَ الحَقِّ
[3581] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/124). ، وصيغةِ: حُقوقُ الآدَميِّينَ المُتَعَلِّقةُ بزَمانٍ لا تَسقُطُ بفَواتِ الزَّمانِ
[3582] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (1/298). ، وصيغةِ: الواجِباتُ في الأموالِ على جِهةِ الضَّمانِ لا تَسقُطُ بالمَوتِ، ولا بمُضيِّ المُدَدِ، إذا كانت مُستَقِرَّةً
[3583] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (5/272). ، وصيغةِ: التَّأجيلُ لا يُسقِطُ الحَقَّ وإنَّما يُؤَخِّرُه
[3584] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/483)، ((التهذيب)) للبغوي (4/247). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ تَقادُمَ الزَّمانِ لا يوجِبُ بُطلانَ الحَقِّ، فلا تَسقُطُ الحُقوقُ بالتَّقادُمِ ولَو تَقادَمَ الزَّمَنُ أحقابًا كَثيرةً، وحَتَّى لَو لَم يُطالِبْ صاحِبُ الحَقِّ بحَقِّه لعُذرٍ أو خَوفٍ أو مِن غَيرِ سَبَبٍ موجِبٍ، وسَواءٌ تَعَلَّقَ الحَقُّ بالذِّمَّةِ أم بعَينٍ مِنَ الأعيانِ، فالحُقوقُ الواجِبةُ في الأموالِ على جِهةِ الضَّمانِ لا تَسقُطُ بمُضيِّ المُدَدِ إذا كانت مُستَقِرَّةً، كالدُّيونِ، والإجاراتِ، والدِّياتِ
[3585] يُنظر: ((عيون الأدلة)) لابن القصار (5/272)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/124)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (4/319)، ((مدونة أحكام الوقف)) لمجموعة من المؤلفين (3/215). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الحُقوقَ الثَّابِتةَ لأصحابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها، وليس تَقادُمُ الزَّمانِ مِمَّا يَصِحُّ به إسقاطُ الحُقوقِ بَعدَ تَقَرُّرِها لأصحابِها.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا يَحِلُّ مالُ امرِئٍ مُسلِمٍ إلَّا بطيبِ نَفسٍ منهـ)) [3586] أخرجه أحمد (20695) باختلاف يسير، والبزار كما في ((كشف الأستار)) للهيثمي (1524)، والبيهقي (11654) واللفظ لهما من حديثِ حنيفةَ عَمِّ أبي حرَّةَ الرَّقاشيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7662)، وذكر ثبوته ابن المنذر في ((الأوسط)) (12/325). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المُدَّعيَ قد يَكونُ صاحِبَ حَقٍّ في الواقِعِ، فإذا لَم تُسمَعْ دَعواه ولَو طالَ الزَّمانُ، لَكان المُدَّعى عليه آكِلًا لمالِ امرِئٍ مُسلِمٍ بغَيرِ طيبٍ مِن نَفسِه، فدَلَّ هذا بعُمومِه على عَدَمِ سُقوطِ الحَقِّ بتَقادُمِ الزَّمانِ
[3587] يُنظر: ((النظام القضائي)) لمحمد رأفت عثمان (ص: 246). .
2- مِنَ القواعِدِ:فيُستَدَلُّ لَها بالقَواعِدِ الآتيةِ:
- القاعِدةُ الأُمُّ: (الحُقوقُ إذا تَقَرَّرَت لأربابِها لا تَسقُطُ إلَّا بما يَصِحُّ به إسقاطُها).
- وقاعِدةُ: (الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا أقَرَّ واعتَرَفَ المُدَّعى عليه صَراحةً في حُضورِ القاضي بأنَّ للمُدَّعي عِندَه حَقًّا في الحالِ في دَعوى وُجِدَ فيها مُرورُ الزَّمَنِ بالوَجهِ الذي ادَّعاه المُدَّعي فلا يُعتَبَرُ مُرورُ الزَّمَنِ ويُحكَمُ بموجِبِ إقرارِ المُدَّعى عليه؛ لأنَّ الحَقَّ لا يَسقُطُ بتَقادُمِ الزَّمانِ
[3588] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 337). .
2- مَن كان مُقِرًّا بكَونِه مُستَأجِرًا أو مُستَعيرًا أو مُستَودَعًا أو مُرتَهنًا أو غاصِبًا في عَقارٍ، فلَيسَ له أن يَملِكَه لمُرورِ الزَّمَنِ؛ لأنَّه لا يَسقُطُ الحَقُّ بتَقادُمِ الزَّمانِ، ومُرورُ الزَّمَنِ ووضعُ اليَدِ على مالٍ مُدَّةً طَويلةً لَيسَت مَعدودةً مِن أسبابِ المِلكِ
[3589] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (4/317). .
3- لا اعتِبارَ لمُرورِ الزَّمَنِ في دَعاوى المَواضِعِ التي يَعودُ نَفعُها لعُمومِ النَّاسِ كالطَّريقِ العامِّ والنَّهرِ والمَرعى، فمَثَلًا: لَو ضَبَطَ أحَدٌ المَرعى المَخصوصَ بقَريةٍ وتَصَرَّفَ فيه خَمسينَ سَنةً بلا نِزاعٍ، ثُمَّ ادَّعاه أهلُ القَريةِ تُسمَعُ دعواهم
[3590] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 337)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (4/320). .
4- نَفَقةُ الزَّوجةِ تَتَقَرَّرُ في الذِّمَّةِ، ولا تَسقُطُ بمُرورِ الزَّمانِ؛ لأنَّها مالٌ وجَبَ في الذِّمَّةِ، فلا يَسقُطُ بمُضيِّ الزَّمانِ، كالمَهرِ والدُّيونِ
[3591] يُنظر: ((تقويم النظر)) لابن الدهان (4/348)، ((الكافي)) لابن قدامة (3/237). .