موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ التَّاسِعُ: الأخَصُّ مُقدَّمٌ على الأعَمِّ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأخَصُّ مُقدَّمٌ على الأعَمِّ" [2819] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/205)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/179). ، وصيغةِ: "الخاصُّ يُقدَّمُ على العامِّ ويُبَيِّنُه" [2820] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/ 606). ، وصيغةِ: "الأخَصُّ بالشَّيءِ مُقدَّمٌ على الأعَمِّ" [2821] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 394). ، وصيغةِ: "الأخَصُّ أبَدًا مُقدَّمٌ" [2822] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 394). ، وصيغةِ: "الأخَصُّ أبَدًا مُقدَّمٌ على الأعَمِّ" [2823] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (5/342). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
هذه القاعِدةُ هيَ إحدى قَواعِدِ التَّرجيحِ بَينَ النُّصوصِ عِندَ وُجودِ تَعارُضٍ ظاهريٍّ، ومُفادُها أنَّ النَّصَّ أوِ الأمرَ الخاصَّ الوارِدَ في حادِثةٍ مُعيَّنةٍ أو شَيءٍ مُحَدَّدٍ يُقدَّمُ على العامِّ الذي يَشمَلُ أُمورًا مُتَعَدِّدةً؛ لأنَّ الخاصَّ بأمرٍ مُعَيَّنٍ لا يَحتَمِلُ إلَّا النَّسخَ، بخِلافِ العامِّ فإنَّه يَرِدُ عليه مِنَ الاحتِمالاتِ ما لا يَرِدُ على الخاصِّ، فلِأجلِ ذلك يُقدَّمُ الخاصُّ على العامِّ لقوَّةِ الخاصِّ في دَلالَتِه؛ لقِلَّةِ الاحتِمالاتِ الوارِدةِ عليه، ولِكَونِه يُعالِجُ حالاتٍ مُحَدَّدةً، ويُنظَرُ إليه على أنَّه أكثَرُ دِقَّةً ومُلاءَمةً مِنَ النَّصِّ العامِّ الذي يَشمَلُ الجَميعَ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ) [2824] يُنظر: ((الفروق)) (1/205)، ((شرح تنقيح الفصول)) (ص: 394) كلاهما للقرافي، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (5/342)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/179). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، ومِن ذلك:
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن أدرَكَ مالَه بعَينِه عِندَ رَجُلٍ -أو إنسانٍ- قد أفلَسَ، فهو أحَقُّ به مِن غَيرِه )) [2825] أخرجه البخاري (2402)، ومسلم (1559). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أثبَتَ الحَقَّ لصاحِبِ المالِ في مالِه إن وجَدَه بعَينِه؛ لكَونِه خاصًّا به، فقدَّمَه على بَقيَّةِ الدُّيونِ التي في الذِّمَّةِ، فثَبَتَ به أنَّ الأخَصَّ مُقدَّمٌ [2826] يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/1196)، ((إكمال المعلم)) لعياض (5/225)، ((الإفصاح)) لابن هبيرة (6/231)، ((العدة)) لابن العطار (3/1188). .
2- عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (قَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالشُّفعةِ [2827] الشُّفعةُ هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظَرُ: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). في كُلِّ شَرِكةٍ لم تُقسَمْ -رَبعةٍ أو حائِطٍ- لا يَحِلُّ له أن يَبيعَ حتَّى يُؤذِنَ شَريكَه، فإن شاءَ أخَذ، وإن شاءَ تَرَكَ، فإذا باعَ ولَم يُؤذِنْه فهو أحَقُّ بهـ) [2828] أخرجه مسلم (1608). وأخرجه البخاري (2213) مُختَصَرًا بنحوِه، ولفظُه: عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: جَعَلَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الشُّفعةَ في كُلِ مالٍ لم يُقسَمْ، فإذا وقَعَتِ الحُدودُ، وصُرِّفتِ الطُّرُقُ، فلا شُفعةَ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أثبَتَ الشُّفعةَ للشَّريكِ؛ لأنَّ حَقَّ الشَّريكِ في الشَّرِكةِ أحَقُّ مِن غَيرِه، فقُدِّمَ عليه [2829] يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (5/316)، ((المفهم)) للقرطبي (4/528)، ((فتح المنعم)) لموسى شاهين (6/361). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا لم يَجِدِ المُحْرِمُ ما يَقوتُه إلَّا مَيتةً أو صَيدًا، يُقدَّمُ الصَّيدُ في الاجتِنابِ على الميتةِ؛ لأنَّ تَحريمَ الصَّيدِ أخَصُّ بالإحرامِ مِنَ الميتةِ، وتَحريمُ الميتةِ يَشمَلُ الحاجَّ وغَيرَه، والأخَصُّ مُقدَّمٌ على الأعَمِّ [2830] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/205)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/179). .
2- إذا لم يَجِدِ المُصَلِّي إلَّا نَجسًا وحَريرًا، يُصَلِّي في الحَريرِ، ويُقدَّمُ النَّجسُ في الاجتِنابِ؛ لأنَّه أخَصُّ فهو خاصٌّ بالصَّلاةِ، بخِلافِ الحَريرِ فحُرمَتُه عامَّةٌ في الصَّلاةِ وغَيرِها، والأخَصُّ مُقدَّمٌ على الأعَمِّ [2831] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/205)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/179). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
فائِدةٌ:
هذه القاعِدةُ إحدى القَواعِدِ المُشتَركةِ بَينَ الفِقهِ وأُصولِ الفِقهِ، وذلك على النَّحوِ الآتي:
- فِقهيَّةٌ حَيثُ تَدخُلُ في العَديدِ مِنَ التَّطبيقاتِ والفُروعِ الفِقهيَّةِ، كما مَرَّ في الأمثِلةِ.
- أُصوليَّةٌ؛ إذ تَدخُلُ في أبوابِ ومَسائِلِ التَّعارُضِ والتَّرجيحِ [2832] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (3/ 261)، ((الإحكام)) الآمدي (4/ 254). ، فمَثَلًا: الدَّليلُ الأخَصُّ مُقدَّمٌ على الأعَمِّ [2833] يُنظر: ((الغيث الهامع)) للعراقي (ص: 684). ، وكذلك تَدخُلُ في التَّخصيصِ بالقياسِ [2834] يُنظر: ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 139)، ((التمهيد)) للكلوذاني (2/ 125). ، وبابِ الخُصوصِ والعُمومِ [2835] يُنظر: ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 153). .

انظر أيضا: