الفَرعُ الثَّامِنُ: يُقدَّمُ الأدنى على الأبعَدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "يُقدَّمُ الأدنى على الأبعَدِ"
[2805] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/233). ، وصيغةِ: "يُقدَّمُ الأقرَبُ فالأقرَبُ"
[2806] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (4/167). ، وصيغةِ: "تَقديمُ الأقرَبِ على الأبعَدِ"
[2807] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (29/148). ، وصيغةِ: "الأقرَبُ مُقدَّمٌ على الأبعَدِ"
[2808] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/20). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مَن كان أقرَبَ بجِهةٍ مِنَ الجِهاتِ فإنَّه يُقدَّمُ على مَن كان أبعَدَ مِنه، ويُعمَلُ بهذه القاعِدةِ في شَتَّى فُروعِ الفِقهِ، ففي النِّكاحِ مَثَلًا: يَتَزاحَمُ الأولياءُ، وفي الميراثِ كذلك يَتَزاحَمُ الورَثةُ، فيُقدَّمُ حينَئِذٍ الأقرَبُ على الأبعَدِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ إحدى طُرُقِ التَّرجيحِ، وتُعتَبَرُ كذلك تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ)
[2809] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (4/167)، ((المبسوط)) للسرخسي (30/20)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/233). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، ومِن ذلك:
1- عن طارِقٍ المُحارِبيِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَدُ المُعطي العُليا، وابدَأ بمَن تَعولُ: أُمَّك وأباك، وأُختَك وأخاك، ثُمَّ أدناك أدناك )) [2810] أخرجه النسائي (2532) واللفظ له، وابن حبان (3341)، والحاكم (4271). صَحَّحه ابنُ حبان، والدَّارَقُطنيُّ كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (342)، وابن حزم في ((المحلى)) (10/105)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (2532)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/441). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحَديثَ أثبَتَ النَّفقةَ للأقرَبِ فالأقرَبِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ مَن قَرُبَ أولى بالبِرِّ والصِّلةِ مِمَّن بَعُدَ
[2811] يُنظر: ((رسوخ الأحبار)) للجعبري (ص: 464)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/402). .
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي جارَينِ، فإلى أيِّهما أُهدي؟ قال:
((إلى أقرَبِهما مِنكِ بابًا )) [2812] أخرجه البخاري (2259). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها إلى أن تَبدَأَ بالأقرَبِ لبابِها مِن جيرانِها؛ مِمَّا يَدُلُّ على تَقديمِ الأقرَبِ على الأبعَدِ
[2813] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/439). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- يُقدَّمُ في تَزويجِ المَرأةِ الأقرَبُ فالأقرَبُ مِنَ الأولياءِ، حتَّى لو كان موصيًا عليها لا يُقَدَّمُ الوصيُّ إن لم يَكُنْ أقرَبَ في العَصَبةِ، بَل يُقدَّمُ الأقرَبُ مِنَ العَصَباتِ؛ لأنَّ النِّكاحَ إلى العَصَبةِ
[2814] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (4/127)، ((اللباب)) لابن المحاملي (ص: 302). .
2- في ميراثِ ذَوي الأرحامِ مِن أولادِ العَمَّاتِ والأخوالِ والخالاتِ الأقرَبُ مُقدَّمٌ على الأبعَدِ في الاستِحقاقِ، سَواءٌ اتَّحَدَتِ الجِهةُ أوِ اختَلَفت، والتَّفاوُتُ بالقُربِ بالتَّفاوُتِ في البُطونِ، فمَن يَكونُ مِنهم ذا بَطنٍ واحِدٍ فهو أقرَبُ مِمَّن يَكونُ ذا بطنَينِ، وذو البَطنينِ أقَربُ مِن ذي ثَلاثِ بُطونٍ؛ لأنَّه يَتَّصِلُ بالمَيِّتِ قَبلَ أن يَتَّصِلَ الأبعَدُ به، فيُعرَفُ أنَّه أقربُ، وميراثُ ذَوي الأرحامِ يُبنى على القُربِ
[2815] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/20). .
3- الجَدَّةُ القَريبةُ تَحجُبُ الجَدَّةَ البَعيدةَ؛ لأنَّ الأقرَبَ مُقدَّمٌ على الأبعَدِ
[2816] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/233). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:1- المَنعُ مِن دَفعِ الزَّكاةِ إلى الأُصولِ والفُروعِ، وهمُ الأقرَبُ إلى الإنسانِ، وجَوازُ دَفعِها إلى حَواشيه، كَإخوتِه وأخَواتِه وأعمامِه وعَمَّاتِه وأخوالِه وخالاتِه ونَحوِهم مِمَّن لا تَجِبُ النَّفقةُ عليهم، وهمُ الأبعَدُ
[2817] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/ 11). ويُنظر أيضًا: ((تحفة الملوك)) للرازي (ص: 131)، ((الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/ 246)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (15/ 340). .
2- المَنعُ مِنَ الوصيَّةِ للوارِثِ، وهو الأقرَبُ، وجَوازُ الوصيَّةِ لمَن ليس بوارِثٍ، وهمُ الأبعَدُ
[2818] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 44). ويُنظر أيضًا: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (7/ 99)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (7/ 60). .