الفَرعُ الأوَّلُ: إذا تَعارَضَ واجِبانِ قُدِّمَ آكَدُهما
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "إذا تَعارَضَ واجِبانِ قُدِّمَ آكَدُهما"
[2737] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/339). ، وصيغةِ: "مَتى اجتَمَعَ واجِبانِ أحَدُهما آكَدُ مِنَ الآخَرِ قُدِّمَ الآكَدُ"
[2738] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (2/335). ، وصيغةِ: "إذا تَعَذَّرَ جَمعُ الواجِبَينِ قُدِّمَ أرجَحُهما"
[2739] يُنظر: ((القواعد النورانية)) لابن تيمية (ص: 120). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. الواجِبُ يُثابُ فاعِلُه ويُعاقَبُ تارِكُه، فمِن أحكامِه عَدَمُ جَوازِ تَركِه، إلَّا أنَّه قد تَتَعارَضُ بَعضُ الواجِباتِ بحَيثُ لا يُمكِنُ للمُكَلَّفِ فِعلُ جَميعِها، بَل إذا فَعَلَ أحَدَها تَعَذَّرَ عليه فِعلُ الآخَرِ، فالواجِبُ عليه النَّظَرُ فيما كان مِنهما أقوى وآكَدُ مِنَ الآخَرِ فيُقدِّمُه حينَئِذٍ، فيُقدِّمُ على سَبيلِ المِثالِ فرضَ العَينِ على فَرضِ الكِفايةِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ)
[2740] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (2/335)، ((القواعد النورانية)) لابن تيمية (ص: 120)، ((المنثور)) للزركشي (1/339). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ والقَواعِدُ:
1- مِنَ القُرآنِ:قَولُ اللهِ تعالى:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16] .
وَجهُ الدَّلالةِ:استُدِلَّ بهذه الآيةِ على أنَّه يَجِبُ الإتيانُ بالآكَدِ وُجوبًا على الآخَرِ الذي دونَه في الوُجوبِ
[2741] يُنظر: ((من أصول الفقه على منهج أهل الحديث)) لزكريا غلام (ص: 154-155). . ومِن تَقوى اللهِ تعالى تَقديمُ آكَدِ الواجِبَينِ حينَ تَعارُضِهما، ولا يُمكِنُ للمُكَلَّفِ أن يَأتيَ بهما جَميعًا، ومَن تَرَكَ الأوكَدَ ليَأتيَ بغَيرِه لم يَصدُقْ عليه أنَّه اتَّقى اللَّهَ قَدرَ استِطاعَتِه
[2742] يُنظر: ((معلمة زايد)) (11/ 149). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاستَأذَنَه في الجِهادِ، فقال: أحيٌّ والِداك؟ قال: نَعَم، قال: ففيهما فجاهِدْ)) [2743] أخرجه البخاري (3004) واللفظ له، ومسلم (2549). .
وَجهُ الدَّلالةِ:ذَهَبَ جَماعةٌ مِنَ العُلَماءِ إلى أنَّه يَتَعَيَّنُ تَركُ الجِهادِ إذا لم يَرضَ الأبَوانِ
[2744] يُنظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (4/632). ؛ وذلك لأنَّ واجِبَ طاعةِ الوالِدَينِ وبِرِّهما آكَدُ في حَقِّ الرَّجُلِ. قال ابنُ قُدامةَ: (ولأنَّ الجِهادَ فَرضُ كِفايةٍ، وبِرُّهما فَرضُ عَينٍ؛ فوجَبَ تَقديمُهـ)
[2745] ((الكافي)) (4/118). .
3- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا حَضَرَت جِنازةٌ وهو في طَوافٍ واجِبٍ فإنَّه لا يَقطَعُه لأجلِ الجِنازةِ؛ إذ لا يَحسُنُ تَركُ فَرضِ العَينِ لفَرضِ الكِفايةِ
[2746] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/339). .
2- ليس للوالِدَينِ مَنعُ الولَدِ مِن حَجَّةِ الإسلامِ على الصَّحيحِ، بخِلافِ الجِهادِ؛ فإنَّه لا يَجوزُ إلَّا برِضاهما؛ لأنَّ بِرَّهما فَرضُ عَينٍ، والجِهادُ فَرضُ كِفايةٍ، وفَرضُ العَينِ مُقدَّمٌ
[2747] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/339). .
3- لو ضاقَ الوقتُ عن فريضةٍ وقَضاءِ الفائِتةِ، كان فَرضُ الوَقتِ أَولى؛ لكَونِها آكَدَ مِنَ الفائِتةِ
[2748] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (1/340). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.تَنبيهٌ:مِنَ القَواعِدِ ذاتِ الصِّلةِ بهذه القاعِدةِ فتَشمَلُها وتَشمَلُ غَيرَها مِنَ المَسائِلِ لكَونِها أوسَعَ مِنها: قاعِدةُ: "إذا تَزاحَمَتِ المَصالِحُ قُدِّمَ الأعلى مِنها"، و"إذا تَزاحَمَتِ المَصالِحُ أوِ المَفاسِدُ رُوعيَ أعلاها". وقد سَبَقَت قاعِدةُ: "إذا تَعارَضَتِ المَصالِحُ قُدِّمَ أَولاها وأقواها" المُندَرِجةُ تَحتَ قاعِدةِ (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ). ومِن ذلك: تَقديمُ ما هو أوكَدُ في الوُجوبِ على غَيرِه مِنَ الواجِباتِ، وتَقديمُ الواجِباتِ على المُستَحَبَّاتِ، ومِن ذلك: إذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ المَكتوبةُ فإنَّه يَجِبُ عليه أن يَبدَأَ بها ولا يُصَلِّيَ الرَّاتِبةَ أو تَحيَّةَ المَسجِدِ
[2749] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/62، 64)، ((شرح القواعد السعدية)) لعبدالمحسن الزامل (ص: 204)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/ 89، 93). .
فائِدةٌ:مِنَ المَعاييرِ الشَّرعيَّةِ التي يُرجَعُ إليها في تَقديمِ أحَدِ الواجِبَينِ على الآخَرِ
[2750] يُنظر: ((تهذيب الفروق)) لمحمد علي حسين (2/ 200- 201)، ((معلمة زايد)) (11/ 145- 149). :
1- يُقدَّمُ فَرضُ العَينِ على فَرض الكِفايةِ.
2- يُقدَّمُ الواجِبُ المُضَيَّقُ على الواجِبِ الموسَّعِ.
3- يُقدَّمُ ما كان على الفَورِ مِنَ الواجِباتِ على ما كان على التَّراخي.
4- يُقدَّمُ الواجِبُ المُتَّفَقُ على وُجوبِه على المُختَلَفِ في وُجوبِه.
5- يُقدَّمُ الواجِبُ الذي لا بَدَلَ له على الذي له بَدَلٌ.
6- يُقدَّمُ ما أوجَبَه اللهُ ابتِداءً بلا سَبَبٍ مِنَ المُكَلَّفِ على ما وجَبَ بناءً على وُجودِ سَبَبٍ مِنَ المُكَلَّفِ.