الفَرعُ الثَّاني: إذا تَعارَضَ أصلانِ عُمِلَ بالأرجَحِ مِنهما
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا تَعارَضَ أصلانِ عُمِلَ بالأرجَحِ مِنهما"
[2751] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (3/120). ، وصيغةِ: "إذا تَعارَضَ أصلانِ وجَبَ النَّظَرُ في التَّرجيحِ"
[2752] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/206). ، وصيغةِ: "إذا تَعارَضَ أصلانِ يُحمَلُ على الأحوَطِ"
[2753] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/206). ، وصيغةِ: "إذا تَعارَضَ أصلانِ جَرى غالِبًا قَولانِ"
[2754] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/32). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. إذا وقَعَ تَعارُضٌ بَينَ أصلَينِ فالغالِبُ جَرَيانُ الخِلافِ في المَسألةِ على قَولَينِ؛ نَظَرًا لتَعارُضِ الأصلَينِ، وفي هذه الحالةِ يَنبَغي على النَّاظِرِ في حُكمِ تَقابُلِ الأصلَينِ أن يُدَقِّقَ النَّظَرَ في مُحاولةِ تَرجيحِ جانِبٍ على جانِبٍ بوجهٍ مِن وُجوهِ النَّظَرِ، كَأن يَعتَضِدَ أحَدُ الأصلَينِ بظاهرٍ أو أصلٍ آخَرَ يُرَجِّحُه، فحينَئِذٍ يُقدِّمُ الأصلَ المُعتَضِدَ بالظَّاهرِ أو بأصلٍ آخَرَ أو نَحوِهما
[2755] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/ 55)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/ 114). .
قال ابنُ السُّبكيِّ: (الحاصِلُ أنَّ التَّعارُضَ يَكونُ بحَيثُ يُدَقَّقُ النَّظَرُ، لا كَأصلٍ بَعيدٍ مِن أصلٍ قَريبٍ، ولا مَعَ ظاهرٍ قَويٍّ، ثُمَّ لا يَنبَغي أن يَكونا على حَدٍّ سَواءٍ، وإلَّا لفُقِدَ التَّرجيحُ، بَل يَكونُ التَّعارُضُ بحَيثُ يَتَخَيَّلُ النَّاظِرُ في ابتِداءِ نَظَرِه تساويَهما، ثُمَّ إذا دَقَّقَ نَظَرَه وحَقَّقَ فِكرَه رَجَّحَ)
[2756] ((الأشباه والنظائر)) (1/33). ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ).
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ:
1- ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ).
2- يُستَدَلُّ أيضًا بالحُدودِ الشَّرعيَّةِ، كَحَدِّ الخَمرِ والزِّنا وغَيرِهما؛ فإنَّه يَتَنازَعُها أصلانِ: الأصلُ الأوَّلُ: عِصمةُ الإنسانِ عنِ الإضرارِ به وإيلامِه، والأصلُ الثَّاني: الإذنُ؛ لحِكمةِ الزَّجرِ، وسَدِّ الذَّريعةِ إلى المَمنوعِ
[2757] يُنظر: ((الموافقات)) للشاطبي (3/ 79). ، فكان الثَّاني أرجَحَهما.
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا وقَعَت نَجاسةٌ في الماءِ، وشُكَّ أكَثيرٌ هو أم قَليلٌ، هَل يَنجَسُ؟ ففيه قَولانِ: الأوَّلُ: أنَّه يَنجَسُ؛ لتَحَقُّقِ النَّجاسةِ، والأصلُ عَدَمُ الكَثرةِ، والثَّاني: أنَّه طاهِرٌ؛ لأنَّ الأصلَ الطَّهارةُ، وقد شَكَكنا في نَجاسةِ مُنَجِّسِه، ولا يَلزَمُ مِنَ النَّجاسةِ التَّنجيسُ
[2758] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/34،33)، ((القواعد)) لابن رجب (3/120). .
2- لو أدرَكَ الإمامَ راكِعًا فكَبَّرَ وانحَنى، وشَكَّ: هَل بَلَغَ الحَدَّ المُعتَبَرَ قَبلَ ارتِفاعِ الإمامِ عنه، فالأصَحُّ: لا يَكونُ مُدرِكًا للرَّكعةِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الإدراكِ. والقولُ الثَّاني: يَكونُ مُدرِكًا؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ الرَّفعِ
[2759] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/34)، ((القواعد)) لابن رجب (3/122). .
3- لَوِ ادَّعى الغاصِبُ بالمَغصوبِ عَيبًا حادِثًا لا خَلقيًّا، كَكَونِه أقطَعَ، فأظهَرُ القَولَينِ تَصديقُ المالِكِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ حُدوثِ العَيبِ، والثَّاني: الغاصِب؛ لأنَّ الأصلَ بَراءةُ ذِمَّتِه فيما زادَ مِنَ الغَرامةِ
[2760] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/35). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.تَنبيهٌ:ليس المُرادُ بتَعارُضِ الأصلَينِ تَقابُلُهما على وزنٍ واحِدٍ في التَّرجيحِ؛ فإنَّ هذا تَناقُضٌ، بَلِ المُرادُ التَّعارُضُ، بحَيثُ يَتَخَيَّلُ النَّاظِرُ في ابتِداءِ نَظَرِه تساويَهما، فإذا حَقَّقَ فِكرَه رَجَّحَ، ثُمَّ تارةً يَجزِمُ بأحَدِ الأصلَينِ، وتارةً يُجري الخِلافَ ويُرَجِّحُ بما عَضَّدَه مِن ظاهرٍ أو غَيرِه
[2761] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/ 33)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 68)، ((الفتح المبين)) للهيتمي (ص: 238). .