موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الخامِسُ: إذا تَعارَضَ المَكروهُ والمُحَرَّمُ قُدِّمَ المُحرَّمُ والتُزِمَ دَفعُه وحَسْمُ مادَّتِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا تَعارَضَ المَكروهُ والمُحَرَّمُ قُدِّمَ المُحرَّمُ والتُزِمَ دَفعُه وحَسْمُ مادَّتِه" [2779] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (4/252)، ((الإبداع في مضار الابتداع)) لعلي محفوظ (ص: 419). ، وصيغةِ: "ارتِكابُ المَكروهاتِ أَولى بَل أحَبُّ مِنِ ارتِكابِ المحذوراتِ" [2780] يُنظر: ((فتح القريب المجيب)) لحسن الفيومي (3/478). ، وصيغةِ: "تَعارُضُ المُحَرَّمِ مَعَ المَكروهِ يَقتَضي تَقديمَ دَرءِ المُحرَّمِ، ولَو بارتِكابِ المَكروهِ" [2781] يُنظر: ((نظرية التقريب والتغليب)) للريسوني (ص: 332). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
المُحرَّمُ يُثابُ تارِكُه ويُعاقَبُ فاعِلُه، أمَّا المَكروهُ فإنَّه يُثابُ تارِكُه ولا يُعاقَبُ فاعِلُه، فالمَفسَدةُ التي في المُحَرَّمِ أعظَمُ مِنَ التي في المَكروهِ؛ لذا لو حَدَثَ أن تَعارَضَ المُحَرَّمُ مَعَ المَكروهِ بحَيثُ لا بُدَّ مِن فِعلِ أحَدِهما، فإنَّه يُقدَّمُ المُحَرَّمُ -أي: يَلزَمُ دَفعُه واجتِنابُه- حتَّى ولَوِ ارتُكِبَ المَكروهُ؛ لأنَّ فِعلَ المَكروهِ أهوَنُ وأخَفُّ مِنِ ارتِكابِ المَحظورِ؛ إذِ المَكروهُ لا عِقابَ على فاعِلِه، بخِلافِ المُحرَّمِ ففاعِلُه يُعاقَبُ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ) [2782] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (4/252،251). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما ذُكِرَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (يُدفَعُ أعظَمُ الضَّرَرَينِ بارتِكابِ أخَفِّهما). ويُضافُ إليها: الاستِدلالُ بعَمَلِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم:
قال القَرافيُّ: (إذا تَعارَضَ المَكروهُ والمُحَرَّمُ قُدِّم المُحرَّمُ والتُزِمَ دَفعُه وحَسْمُ مادَّتِه، وإن وَقعَ المكروهُ، هذا هو قاعِدةُ الشَّرعِ في زَمَنِ الصَّحابةِ وغَيرِهم) [2783] ((الفروق)) (4/ 252). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لا يَجوزُ أن يُصامَ يَومُ الشَّكِّ تَطَوُّعًا إلَّا إن نَذَرَ صَومَ يَومٍ فوافقَ يَومَ الشَّكِّ؛ لأنَّ تَركَ صيامِ المَنذورِ مُحَرَّمٌ، وصيامُ يَومِ الشَّكِّ مَكروهٌ، وإذا تَعارَضَ المَكروهُ والمُحَرَّمُ قُدِّم المُحرَّمُ، والتُزِمَ دَفعُه وحَسمُ مادَّتِه، وإن وَقَع المَكروهُ [2784] يُنظر: ((عيون المسائل)) لعبد الوهاب (ص: 210)، ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (4/33،32)، ((الإقناع)) للماوردي (ص: 81). .
2- صَلاةُ المَأمومِ خَلفَ إمامٍ فاسِقٍ مَكروهةٌ، فتُجزِئُ إذا تَرَتَّبَ على تَركِها تَركُ الجَماعةِ [2785] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/ 253)، ((مجموع الفتاوى)) (23/ 343)، ((القواعد النورانية)) (ص: 118) كلاهما لابن تيمية. .

انظر أيضا: