موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ السَّادِسُ: إذا تَعارَضَ أصلٌ وظاهرٌ فأيُّهما يُرَجَّحُ؟


استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا تَعارَضَ أصلٌ وظاهرٌ فأيُّهما يُرَجَّحُ؟" [2786] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (1/206). ، وصيغةِ: "إذا تَعارَضَ أصلٌ وظاهرٌ بمَ يُقضى مِنهما؟ [2787] يُنظر: ((القبس)) لابن العربي (ص: 698). ، وصيغةِ: "إذا تَعارَضَ أصلٌ وظاهرٌ فالعَمَلُ بالأصلِ" [2788] يُنظر: ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (1/125). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الظَّاهرُ هو ما يَغلِبُ على الظَّنِّ وُقوعُه، فإذا تَعارَضَ الظَّاهِرُ مَعَ الأصلِ ووُجِدَ مُرَجِّحٌ لأحَدِهما على الآخَرِ عُمِلَ به في الغالِبِ [2789] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/54)، ((المجموع)) للنووي (1/206)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/583)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 67). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لِما قُدِّمَ فيه الأصلُ على الظَّاهرِ بأدِلَّةِ قاعِدةِ (الأصلُ بَقاءُ ما كان على ما كان)، وقاعِدةِ (اليَقينُ لا يَزولُ بالشَّكِّ).
وما قُدِّمَ فيه الظَّاهِرُ على الأصلِ فيُستَدَلُّ له بأنَّ الظَّاهِرَ الغالِبَ يُنزَّلُ مَنزِلةَ اليَقينِ لغَلَبَتِه على الظَّنِّ [2790] يُنظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/13). ، وأدِلَّةِ قاعِدةِ (الغالِبُ كالمُحَقَّقِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- طينُ الشَّوارِعِ الذي يَغلِبُ على الظَّنِّ نَجاسَتُه فيه قَولانِ: أحَدُهما: أنَّه نَجِسٌ لغَلَبةِ النَّجاسةِ عليه بحَسَبِ الظَّاهرِ، والثَّاني: أنَّه طاهِرٌ؛ لأنَّ الأصلَ طَهارَتُه [2791] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/54)، ((الأصول والضوابط)) (ص: 45)، ((المجموع)) (1/206) كلاهما للنووي، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/106). .
2- المَقبَرةُ القديمةُ المَشكوكُ في نَبشِها، في تَحريمِ الصَّلاةِ فيها قَولانِ: أحَدُهما: التَّحريمُ؛ لأنَّ الغالِبَ على القُبورِ النَّبشُ، والثَّاني: يَجوزُ؛ لأنَّ الأصلَ الطَّهارةُ [2792] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/54)، ((الأصول والضوابط)) (ص: 45)، ((المجموع)) (1/206) كلاهما للنووي، (الذخيرة)) للقرافي (5/329)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/106)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (2/583). .
3- إذا اختَلَف الزَّوجانِ في النَّفقةِ مَعَ اجتِماعِهما وتَلازُمِهما ومُشاهَدةِ ما يَنقُلُه الزَّوجُ إلى مَسكَنِهما مِنَ الأطعِمةِ والأشرِبة، فالشَّافِعيُّ يَجعَلُ القَولَ قَولَ المَرأةِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ قَبضِها كَسائِرِ الدُّيونِ، ومالِكٌ يَجعَلُ القَولَ قَولَ الزَّوجِ؛ لأنَّه الغالِبُ في العادةِ، وقَولُه ظاهِرٌ، والفَرقُ بَينَ النَّفقةِ وسائِرِ الدُّيونِ أنَّ العادةَ الغالِبةَ مُثيرةٌ للظَّنِّ بصِدق الزَّوجِ بخِلافِ الاستِصحابِ في الدُّيونِ؛ فإنَّه لا مَعارِضَ له، ولَو حَصَلَ له مُعارِضٌ، كالشَّاهدِ واليَمينِ، لَأسقَطناه، مَعَ أنَّ الظَّنَّ المُستَفادَ مِنَ الشَّاهدِ واليَمينِ أضعَفُ مِنَ الظَّنِّ المُستَفادِ مِنَ العادةِ المُطَّرِدةِ في إنفاقِ الأزواجِ على نِسائِهم مَعَ المُخالَطةِ الدَّائِمةِ [2793] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/55،54)، ((الذخيرة)) للقرافي (5/329). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
تَنبيهاتٌ:
1- التَّعارُضُ بمَعناه الاصطِلاحيِّ الدَّقيقِ لا يُتَصَوَّرُ وُقوعُه بَينَ كُلِّ أصلٍ وظاهرٍ مُتَنافيَينِ في مُقتَضى الحُكمِ، وإنَّما يَقَعُ إذا استَوفى شُروطَه، ومِن أهَمِّها أن يَكونَ طَرَفا النِّزاعِ على دَرَجةٍ مِنَ القوَّةِ التي تَتَطَلَّبُ دِقَّةَ النَّظَرِ.
2- التَّعارُضُ بَينَ الأصلِ والظَّاهرِ تَعارُضٌ ظاهريٌّ فقَط، بحَيثُ يُخَيَّلُ إلى النَّاظِرِ في ابتِداءِ الأمرِ تَساوي الطَّرَفينِ لقوَّتِهما، ثُمَّ إذا دَقَّقَ النَّظَرَ رَجَّحَ أحَدَهما.

انظر أيضا: