موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ السَّابِعُ: حُرمةُ الحَيِّ آكَدُ مِن حُرمةِ المَيِّتِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "حُرمةُ الحَيِّ آكَدُ مِن حُرمةِ المَيِّتِ" [2794] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/456)، ((التهذيب)) للبغوي (8/69)، ((المجموع)) للنووي (9/53). ، وصيغةِ: "حُرمةُ الحَيِّ أعظَمُ مِن حُرمةِ المَيِّتِ" [2795] يُنظر: ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (3/1056). ، وصيغةِ: "حُرمةُ الحَيِّ وحِفظُ نَفسِه أَولى مِن حِفظِ المَيِّتِ عنِ المُثلةِ" [2796] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/482). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
حَفِظَتِ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ حُقوقَ الإنسانِ وهو مَيِّتٌ كما حَفِظَتها وهو حَيٌّ، فحَرَّمَتِ الاعتِداءَ عليه أو تَشويهَه أو كَسرَ عِظامِه وهو مَيِّتٌ، إلَّا أنَّ مَصالِحَ الحَيِّ قد تَتَعارَضُ مَعَ مَصالِحِ المَيِّتِ بحَيثُ إنَّ تَقديمَ إحدى المَصلَحَتَينِ يُخِلُّ بالأُخرى، فتُقدَّمُ في هذه الحالةِ مَصلَحةُ الحَيِّ؛ لأنَّ حُرمةَ الحَيِّ والاهتِمامَ بأمرِه أعظَمُ مِن حُرمةِ المَيِّتِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (الأقوى أحَقُّ بالحُكمِ). كما أنَّ هذه القاعِدةَ تَتَكامَلُ مَعَ قاعِدةِ (الضَّرورةُ تُقدَّرُ بقَدرِها)، فيَجِبُ إعمالُها بقَدرِ الضَّرورةِ الواقِعةِ، وعَدَمُ تَجاوُزِ ذلك؛ لأنَّ الأصلَ استِواءُ الحَيِّ والمَيِّتِ في الحُرمةِ [2797] يُنظر: ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (3/1056)، ((المهذب)) للشيرازي (1/456)، ((التهذيب)) للبغوي (8/69)، ((المغني)) لابن قدامة (3/482)، ((المجموع)) للنووي (9/53)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/77)، ((معلمة زايد)) (11/243). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ حُرمةَ الحَيِّ أعظَمُ [2798] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/482). . وقد جاءَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما يُؤَكِّدُ ذلك فقال: ((لزَوالُ الدُّنيا أهوَنُ على اللهِ مِن قَتلِ مُؤمِنٍ بغَيرِ حَقٍّ)) [2799] أخرجه ابن ماجه (2619) واللفظ له، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (3/145)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4961). صَحَّحه لغَيرِه الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (2483)، وصَحَّح إسنادَه ابنُ المُلَقِّنِ في ((البدر المنير)) (8/347)، وحَسَّنه المُنذِريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (3/275). ، وعليه: وجَبَ تَقديمُ حَقِّه تَقديمًا لأعظَمِ المَصلَحَتَينِ، والمَصالِحُ حينَما تَتَعارَضُ يُقدَّمُ أعلاها [2800] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/124)، ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (4/497). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إنِ اضطُرَّ إنسانٌ ولَم يَجِدْ غَيرَ مَيتةِ آدَميٍّ، هَل يَجوزُ أكلُه؟ المَذهَبُ عِندَ الشَّافِعيَّةِ أنَّه يَجوزُ أكلُه إذا لم يَجِدْ مَيتةً غَيرَه؛ لأنَّ حُرمةَ الحَيِّ آكَدُ مِن حُرمةِ المَيِّتِ [2801] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (1/456)، ((التهذيب)) للبغوي (8/69)، ((المجموع)) للنووي (9/53)، ((بداية المحتاج)) لابن قاضي شهبة (4/371). .
2- إن ماتَتِ امرَأةٌ وفي جَوفِها جَنينٌ يَتَحَرَّكُ، ففيه وجهانِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ: فقيلَ: يُشَقُّ جَوفُها ويُخرَجُ؛ لأنَّ حُرمةَ الحَيِّ آكَدُ مِن حُرمةِ المَيِّتِ، ومِنَ الشَّافِعيَّةِ مَن قال: يُنظَرُ فيه: فإن عُلِمَ أنَّ هذا الجَنينَ إذا أُخرِجَ عاشَ شُقَّ جَوفُها، وإن عُلِمَ أنَّه لا يَعيشُ فإنَّه لا يُخرَجُ؛ لأنَّ فيه هَتكًا لحُرمةِ المَيِّتةِ بما لا فائِدةَ فيه، فعلى هذا لا تُدفَنُ حتَّى يَتَحَقَّقَ مَوتُه [2802] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/112). .
3- لو أنَّ قَومًا كانوا في سَفينةٍ وخافوا الغَرَقَ ومَعَهم مَيِّتٌ، جازَ لَهم طَرحُه في البَحرِ؛ لتَخِفَّ السَّفينةُ،؛ لأنَّ حُرمةَ الحَيِّ آكَدُ [2803] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (3/112). .
4- إن ماتَ في بئرٍ ذاتُ نَفسٍ ولَم يُمكِنْ إخراجُه إلَّا بمُثلةٍ، ولَم يَكُنْ إلى البِئرِ حاجةٌ، طُمَّت عليه، فكانت قَبرَه. وإن كان طَمُّها يَضُرُّ بالمارَّةِ أُخرِجَ بالكَلاليبِ، سَواءٌ أفضى إلى المُثلةِ أو لم يُفِضْ؛ لأنَّ فيه جَمعًا بَينَ حُقوقٍ كَثيرةٍ كَنَفعِ المارِّ. فإن نَزَل على البِئرِ قَومٌ فاحتاجوا إلى الماءِ، وخافوا على أنفُسِهم، فلهم إخراجُه، قَولًا واحِدًا، وإن حَصَلَت مُثلةٌ؛ لأنَّ ذلك أسهَلُ مِن تَلَفِ نُفوسِ الأحياءِ؛ ولِهذا لو لم يَجِدْ مِنَ السُّترةِ إلَّا كَفنَ المَيِّتِ، واضطُرَّ الحَيُّ إليه، قُدِّمَ الحَيُّ، ولأنَّ حُرمةَ الحَيِّ وحِفظَ نَفسِه أَولى مِن حِفظِ حُرمةِ المَيِّتِ [2804] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/482). .

انظر أيضا: