الفَرعُ السَّابِعُ: القِرانُ بالذِّكرِ دَليلُ القِرانِ في الحُكمِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "القِرانُ بالذِّكرِ دَليلُ القِرانِ في الحُكمِ"
[1956] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/234). ، ويُعَبَّرُ عنها بـ "دَلالة الاقتِرانِ"
[1957] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (8/109). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.إذا جَمَعَ الشَّارِعُ بَينَ شَيئَينِ أو أشياءَ في الذِّكرِ، بأن ذَكَرَ شَيئَينِ مُقتَرِنَينِ، ثُمَّ بَيَّنَ حُكمَ أحَدِهما، فإنَّه يُستَدَلُّ بذلك على ثُبوتِ الحُكمِ للآخَرِ، وهذا القَولُ قال به بَعضُ فُقَهاءِ الحَنَفيَّةِ والمالِكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ، وخالَفهمُ الجُمهورُ فلَم يَقولوا بحُجِّيَّةِ دَلالةِ الاقتِرانِ، واتَّفقَ الجَميعُ على أنَّه إذا قُرِنَ بَينَ شَيئَينِ في الذِّكرِ يَثبُتُ لأحَدِهما مِنَ الحُكمِ ما ثَبَتَ للآخَرِ إذا وُجِدَت قَرينةٌ خارِجيَّةٌ، فيَثبُتُ الحُكمُ للدَّليلِ الخارِجيِّ، وكَذا إذا كان المَعطوفُ ناقِصًا، بأن لا يُذكَرَ خَبَرُه، كَقَولِ القائِلِ: فُلانةُ طالِقٌ وفُلانةُ، فلا خِلافَ في المُشارَكةِ، وإذا كان بَينَهما مُشارَكةٌ في العِلَّةِ فالتَّشارُكُ في الحُكمِ إنَّما كان لأجلِها لا لأجلِ الاقتِرانِ
[1958] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/261)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/193)، ((البحر المحيط)) للزركشي (8/109)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (4/1569،1568)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/197). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، ومِن ذلك:
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((حَرَّم اللهُ مَكَّةَ فلَم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبلي ولا لأحَدٍ بَعدي، أُحِلَّت لي ساعةً مِن نَهارٍ، لا يُختَلى خَلاها، ولا يُعضَدُ شَجَرُها، ولا يُنَفَّرُ صَيدُها، ولا تُلتَقَطُ لُقَطَتُها إلَّا لمُعَرِّفٍ. فقال العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عنه: إلَّا الإذخِرَ لصاغَتِنا وقُبورِنا؟ فقال: إلَّا الإذخِرَ)) [1959] أخرجه البخاري (1349) واللفظ له، ومسلم (1355). .
وَجهُ الدَّلالةِ:لمَّا قَرَنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَ الشَّجَرِ والصَّيدِ في الذِّكرِ، دَلَّ على القِرانِ بَينَهما في الحُكمِ، فإذا قَطَعَ الحَلالُ أوِ المُحرِمُ شَجَرًا في الحَرَمِ فعليه الجَزاءُ عِندَ الحَنَفيَّةِ، كَمَن يَقتُلُ الصَّيدَ
[1960] قال مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الشَّيبانيُّ: (قَرَن صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّيدَ مَعَ الشَّجَرِ، ولَيسَ بَينَهما افتِراقٌ). ((الحجة على أهل المدينة)) (2/ 411). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الخَيلُ لا تُؤكَلُ عِندَ أبي حَنيفةَ، ومِنَ الأدِلَّةِ على عَدَمِ أكلِها عِندَهم أنَّها ضُمَّت في الذِّكرِ إلى ما لا يُؤكَلُ، وهو البِغالُ والحَميرُ؛ حَيثُ قَرَنَ في الذِّكرِ بَينَ الخَيلِ والبِغالِ والحَميرِ، كَما في قَولِ اللهِ تعالى:
وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ [النحل: 8] ، والبِغالُ والحَميرُ لا تُؤكَلُ، فكذلك الخَيلُ؛ لأنَّ القِرانَ في الذِّكرِ دَليلُ القِرانِ في الحُكمِ
[1961] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/234). .
2- إذا قَطَعَ الحَلالُ أوِ المُحرِمُ شَجَرًا في الحَرَمِ فعليه الجَزاءُ عِندَ الحَنَفيَّةِ، كَمَن يَقتُلُ الصَّيدَ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَرَنَ الصَّيدَ مَعَ الشَّجَرِ
[1962] لفظُه: عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((حَرَّمَ اللهُ مَكَّةَ فلَم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبلي، ولا لأحَدٍ بَعدي، أُحِلَّت لي ساعةً مِن نَهارٍ، لا يُختَلى خَلاها ولا يُعضَدُ شَجَرُها، ولا يُنَفَّرُ صَيدُها، ولا تُلتَقَطُ لُقَطَتُها إلَّا لمُعَرِّفٍ، فقال العَبَّاسُ رَضِيَ اللهُ عنه: إلَّا الإذخِرَ لصاغَتِنا وقُبورِنا؟ فقال: إلَّا الإذخِرَ)). أخرجه البخاري (1349) واللَّفظُ له، ومسلم (1355). ، ولَيسَ بَينَهما افتِراقٌ
[1963] يُنظر: ((الحجة على أهل المدينة)) للشيباني (2/406-411). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.فائِدةٌ:دَلالةُ القِرانِ بالذِّكرِ على القِرانِ بالحُكمِ أنواعٌ:
1- نَوعٌ تَكونُ فيه الدَّلالةُ قَويَّةً:وذلك إذا جَمَعَ المُقتَرِنَينِ لَفظٌ اشتَرَكا في إطلاقِه، وافتَرَقا في تَفصيلِه، كَقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الفِطرةُ خَمسٌ)) [1964] لفظُه: عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((الفِطرةُ خَمسٌ: الخِتانُ، والِاستِحدادُ، وقَصُّ الشَّارِبِ، وتَقليمُ الأظفارِ، ونَتفُ الآباطِ)). أخرجه البخاري (5891) واللَّفظُ له، ومسلم (257). .
2- نَوعٌ تَكونُ الدَّلالةُ فيه ضَعيفةً:وذلك إذا استَقَلَّت الجُمَلُ، ولَم يَلزَمْ مِنه استِعمالُ اللَّفظِ الواحِدِ في مَعنَيَينِ.
3- نَوعٌ يَتَساوى فيها الأمرانِ:وذلك حَيثُ يَكونُ العَطفُ ظاهرًا في التَّسويةِ، وقَصدُ المُتَكَلِّمِ ظاهرًا في الفَرقِ، فيَتَعارَضُ ظاهِرُ اللَّفظِ، وظاهِرُ القَصدِ، فإذا غَلَبَ ظُهورُ أحَدِهما اعتُبِرَ، وإلَّا طُلِبَ التَّرجيحُ
[1965] يُنظر: ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (1/ 126)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (4/ 1628)، ((منهج الاستنباط من القرآن الكريم)) لفهد الوهبي (ص: 332- 333). .