موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: إذا اجتَمَعَت عِبادَتانِ مِن جِنسٍ واحِدٍ في وقتٍ واحِدٍ ليسَت إحداهما مَفعولةً على جِهةِ القَضاءِ ولا على طَريقِ التَّبَعيَّةِ للأُخرى في الوقتِ، تَداخَلَت أفعالُهما واكتُفيَ فيهما بفِعلٍ واحِدٍ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا اجتَمَعَت عِبادَتانِ مِن جِنسٍ واحِدٍ في وقتٍ واحِدٍ ليسَت إحداهما مَفعولةً على جِهةِ القَضاءِ ولا على طَريقِ التَّبَعيَّةِ للأُخرى في الوقتِ، تَداخَلَت أفعالُهما واكتُفيَ فيهما بفِعلٍ واحِدٍ" [1905] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/139). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّه إذا اجتَمَعَت عِبادَتانِ فيهما مَجموعةٌ مِنَ الشُّروطِ فإنَّهما يَتَداخَلانِ ويُكتَفى فيهما بفِعلٍ واحِدٍ، وهذه الشُّروطُ هيَ:
1- أن تكونا مِن جِنسٍ واحِدٍ، كَصَلاةٍ وصَلاةٍ، وطَوافٍ وطَوافٍ، وطَهارةٍ وطَهارةٍ.
2- أن تكونا قدِ اجتَمَعَتا في وقتٍ واحِدٍ.
3- أن لا تَكونَ إحداهما مَفعولةً على وَجهِ القَضاءِ، كَما لو جَمَعَ الظُّهرَ مَعَ العَصرِ، فإنَّهما وإن كانتا عِبادَتينِ في وقتٍ واحِدٍ إلَّا أنَّ الظُّهرَ مَفعولةٌ على وَجهِ القَضاءِ، فلا يَتَداخَلانِ.
4- أن لا تَكونَ إحداهما مَفعولةً على وَجهِ التَّبَعيَّةِ، بحَيثُ لا يَدخُلُ وقتُ الأُخرى إلَّا إذا انتَهَتِ الأولى، كالسُّنَّةِ البَعديَّةِ مَعَ الفريضةِ، وصيامِ السِّتِّ مِن شَوَّالٍ لرَمَضانَ؛ فإنَّ مَن فاتَه شَيءٌ مِن رَمَضانَ وقَضاهنَّ في شَوَّالٍ ونَوى القَضاءَ والسِّتَّ، لا يَحصُلُ له إلَّا القَضاءُ فقَط؛ لأنَّ السِّتَّ لا تُفعَلُ إلَّا بَعدَ رَمَضانَ أداءً وقَضاءً، فإذا نَواها مَعَ القَضاءِ فيَكونُ قد صامَها مَعَ رَمَضانَ ولَم يُتبِعْها رَمَضانَ.
فإذا تَوافرَت هذه الشُّروطُ في عِبادَتَينِ فإنَّهما يَتَداخَلانِ بحَيثُ يَكفي عنهما فِعلٌ واحِدٌ فقَط، وإن فُصِلا بفِعلَينِ فهو أكمَلُ، ولَكِن مِن بابِ التَّخفيفِ والتَّيسيرِ على المُكَلَّفينَ أجازَتِ الشَّريعةُ الاكتِفاءَ بأحَدِهما، ويَحصُلُ له مِنَ الأجرِ كَأجرِ مَن فَعَلَهما كِلتَيهما، وتَتَناولُ هذه القاعِدةُ فردًا مِن أفرادِ القاعِدةِ السَّابِقةِ، وهيَ (إذا اجتَمَعَ أمرانِ مِن جِنسٍ واحِدٍ ولَم يَختَلِفْ مَقصودُهما دَخل أحَدُهما في الآخَرِ غالِبًا)، كَما تُعتَبَرُ تَطبيقًا لقاعِدةِ (التَّداخُلُ يَدخُلُ في ضُروبٍ) [1906] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/139)، ((تلقيح الأفهام العلية)) للسعيدان (ص: 90). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةِ قاعِدةِ (التَّداخُلُ يَدخُلُ في ضُروبٍ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- القارِنُ بَينَ الحَجِّ والعُمرةِ يَكفيه طَوافٌ واحِدٌ وسَعيٌ واحِدٌ عنِ الحَجِّ والعُمرةِ، ويَتَداخَلانِ عِندَ المالِكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ والحَنابِلةِ [1907] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (1/421)، ((مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد اللهـ)) (ص: 224)، ((الإشراف)) لابن المنذر (3/279،278)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/37)، ((القواعد)) لابن رجب (1/140). خِلافًا للحَنَفيَّةِ [1908] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/28). .
2- مَن عليه حَدَثانِ أصغَرُ وأكبَرُ؛ فالمَذهَبُ عِندَ الحَنابِلةِ وأحَدُ الأوجُهِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ أنَّهما يَتَداخَلانِ، ويَكفيه أفعالُ الطَّهارةِ الكُبرى إذا نَوى الطَّهارَتَينِ بها [1909] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (1/54)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/203)، ((القواعد)) لابن رجب (1/139). .

انظر أيضا: