الفَرعُ الخامِسُ: تَداخُلُ الواجِباتِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "الأصلُ تَعَدُّدُ الأحكامِ بتَعَدُّدِ الأسبابِ، وأَولى الواجِباتِ بالتَّداخُلِ الحُدودُ"
[1934] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/252). . وصيغةِ: "الأسبابُ إذا تَساوت موجِباتُها اكتُفيَ بواحِدٍ"
[1935] يُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/119). . وقاعِدة "تَداخُل الأسبابِ"
[1936] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (2/29). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ الواجِباتِ التي أوجَبَها اللهُ عَزَّ وجَلَّ علينا بحَيثُ لا يَجوزُ تَركُها تَقبَلُ التَّداخُلَ إذا كانت مِن جِنسٍ واحِدٍ ولَم تَكُنْ مَقصودةً لذاتِها، وقَبولُها للتَّداخُلِ يَجعَلُ أحَدَها يُجزِئُ عنِ الجَميعِ، وتَبرَأُ ذِمَّةُ المُكَلَّفِ حينَئِذٍ بفِعلِه، ولا يَلزَمُه تَكرارُه، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ إحدى تَطبيقاتِ قاعِدةِ (التَّداخُلُ يَدخُلُ في ضُروبٍ)
[1937] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/252،251). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، ومِن ذلك:
1- عن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه
((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَطوفُ على نِسائِه بغُسلٍ واحِدٍ )) [1938] أخرجه البخاري (5215)، ومسلم (309) واللفظ له. .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اكتَفى بغُسلٍ واحِدٍ؛ فدَلَّ على تَداخُلِ الغُسلِ الذي هو واجِبٌ
[1939] يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (2/146)، ((الإفصاح)) لابن هبيرة (5/290،289)، ((الكوثر الجاري)) للكوراني (8/525). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ بُحَينةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((صَلَّى لنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَكعَتَينِ مِن بَعضِ الصَّلَواتِ، ثُمَّ قامَ فلَم يَجلِسْ، فقامَ النَّاسُ مَعَه، فلَمَّا قَضى صَلاتَه ونَظَرنا تَسليمَه كَبَّرَ قَبلَ التَّسليمِ، فسَجَدَ سَجدَتَينِ وهو جالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ )) [1940] أخرجه البخاري (1224) واللفظ له، ومسلم (570). .
وَجهُ الدَّلالةِ:الحَديثُ يَدُلُّ على أنَّ الواجِباتِ تَتَداخَلُ، فمَن تَرَكَ أكثَرَ مِن واجِبٍ جَبَرَه بسَجدَتَينِ، وهذا مُبرِئٌ لذِمَّتِه؛ إذ إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَرَكَ واجِبَينِ: الواجِبَ الفِعليَّ، وهو الجُلوسُ، والواجِبَ القَوليَّ، وهو قِراءةُ التَّشَهُّدِ
[1941] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (3/ 1491)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/ 251) قال العِزُّ: (سُجودُ السَّهوِ يَتَداخَلُ مَعَ تَعَدُّدِ أسبابِهـ). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا تَعَدَّدَت أسبابُ الوُضوءِ، بأن أحدَثَ أحداثًا مُتَعَدِّدةً -كَأن بالَ ونامَ ولَمَس- أو تَكَرَّرَ السَّبَبُ الواحِدُ -بأن بالَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدةً- فإنَّه يَكفيه وُضوءٌ واحِدٌ عنِ الجَميعِ
[1942] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (1/292)، ((البيان)) للعمراني (9/527)، ((المغني)) لابن قدامة (10/233)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/251). .
2- إذا تَعَدَّدَت أسبابُ الغُسلِ -بأن أجنَبَ وجامَعَ امرَأتَه، أو جامَعَ أكثَرَ مِن مَرَّةٍ، أو أكثَرَ مِنِ امرَأةٍ مِن نِسائِه- فإنَّها تَتَداخَلُ، ويُجزِئُه غُسلٌ واحِدٌ عنِ الجَميعِ
[1943] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/251)، ((نخب الأفكار)) (2/568)، ((عمدة القاري)) كلاهما للعيني (3/212)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (2/469). .
3- جَوازُ التَّداخُلِ بَينَ طَوافَي الإفاضةِ والوداعِ، فإن نَوى بطَوافِه الإفاضةَ أجزَأَه عن طَوافِ الوداعِ
[1944] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (1/ 530)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (9/ 262). .
4- إذا تَعَدَّدَت أسبابُ السُّجودِ للسَّهوِ فإنَّ السُّجودَ يَتَداخَلُ، ولا يَتَعَدَّدُ السُّجودُ وإن تَعَدَّد السَّهوُ
[1945] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (2/ 276)، ((فتح الباري)) لابن رجب (9/ 440)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 126). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:استَثنى العُلَماءُ مِن ذلك الواجِباتِ التي لا تَقبَلُ التَّداخُلَ، وبَيَّنَها العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ، فقال: (أمَّا ما لا يَقبَلُ التَّداخُلَ -كالصَّلَواتِ والزَّكَواتِ والصَّدَقاتِ، ودُيونِ العِبادِ، والحَجِّ والعُمرةِ- فلا يَتَداخَلُ فيها، فمَن أحرَمَ بحَجَّتَينِ أو عُمرَتَينِ، أو أدخَلَ حَجًّا على حَجٍّ، أو عُمرةً على عُمرةٍ، أو نَوى الصَّلاةَ عن ظُهرَينِ، انعَقدَ له حَجٌّ واحِدٌ، وعُمرةٌ واحِدةٌ، ولَم تَنعَقِدْ صَلاتُه، ولَو جامَع في كُلِّ يَومٍ مِن أيَّامِ رَمَضانَ لزِمَه ثَلاثونَ كَفَّارةً؛ لتَعَدُّدِ العِباداتِ التي وقَعَت عليها الجِناياتُ، وخالَف أبو حَنيفةَ رَحِمَه اللهُ في ذلك، فأوجَبَ كَفارَّةً واحِدةً)
[1946] ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (1/252،251). ويُنظر أيضًا: ((تقويم النظر)) لابن الدهان (2/98). .