الموسوعة الفقهية

المطلب السادس: حُكم التطهُّر بفضلِ الرَّجل أو المرأة


الفرع الأول: حُكم التطهُّرِ بفَضل ِالرَّجل
يجوز التطهُّرُ بفَضلِ الرَّجُل المراد به: الماءُ الذي فَضَل عن الطهارة، كما لو توضَّأ شخصٌ من إناءٍ، وبقِيَ فيه ماءٌ. ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/109)، ((شرح معاني الآثار)) للطحاوي (1/26). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/52)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/35). ، والشافعية ((المجموع)) للنووي (2/190)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/229). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/50)، وينظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (1/305). وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك قال النووي: (وأمَّا تطهيرُ المرأة بفضل الرجل؛ فجائزٌ بالإجماع أيضًا) ((شرح النووي على مسلم)) (4/2). وقال النووي أيضًا: (اتَّفقوا على جوازِ وُضوءِ الرَّجل والمرأة بفَضلِ الرَّجل) ((المجموع)) (2/191). وقال ابن عبدِ البَرِّ: (لا بأس بفَضلِ وضوء الرَّجلِ المسلم يتوضَّأ به، وهذا كلُّه في فضلِ طَهورِ الرِّجالِ إجماعٌ من العلماء). ((التمهيد)) (1/218). وقال الحطاب: (وكذا تطهيرُ المرأةِ بفَضلِ الرَّجلِ، جائزٌ بإجماعٍ) ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/52). إلَّا أنَّ بعضَ أهلِ العِلمِ قد نقد هذا الإجماعَ، كالعراقي، وابن حجر. قال العراقي: (وكذلك نَقلُ النوويِّ الإجماعَ على جوازِ تَطَهُّرها بفضل الرَّجل؛ فيه نظر؛ فقد حكى الطحاويُّ في شرح معاني الآثار عن قومٍ أنهم كرهوا أن يتوضَّأ كلٌّ منهما بفَضلِ الآخر) ((طرح التثريب)) (2/36). وقال ابن حجر: (ونقل النووي أيضًا الاتِّفاقَ على جوازِ وُضوءِ المرأةِ بفَضلِ الرجلِ دون العكس، وفيه نظرٌ أيضًا فقد أثبت الخلافَ فيه الطحاوي) ((فتح الباري)) (1/300). ؛ وذلك استصحابًا للأصل؛ لعَدَمِ ورُودِ النَّهيِ عن ذلك، والأصلُ الطَّهارةُ حتى يرِدَ الدَّليلُ على خلافِ ذلك.
الفرع الثاني: حُكم التطهُّرِ بفضلِ المرأةِ
يجوزُ تطَهُّرُ الرجُلِ بفَضلِ المرأةِ المراد به: الماءُ الذي فضَلَ عن الطهارة، كما لو توضَّأت المرأة من إناءٍ، وبقي فيه ماءٌ. ؛ وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/109)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/133). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/72)، ((التاج والإكليل)) للمواق (1/52). ، والشافعيَّة في الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (2/191)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (1/21). ، ورواية عند الحنابلة ((المغني)) لابن قدامة (1/157)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/22). ، اختارها ابنُ عَقيلٍ ((المغني)) لابن قدامة (1/157). ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِر قال ابن المُنذِر: (الذي نقولُ به الرخصةُ في أن يغتَسِلَ كلُّ واحد منهما ويتوضَّأ بفَضلِ طَهورِ صاحِبِه، وإن كانا جُنُبَين، أو أحدُهما، أو كانت المرأة حائضًا، وسوى ذلك خَلَت به أو لم تَخلُ به؛ لثبوت الأخبارِ عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الدَّالةِ على صحَّة ذلك). ((الأوسط)) (1/405). وهذا قول عامَّةِ أهلِ العِلمِ قال ابن عبدِ البَرِّ: (الذي عليه جماعةُ فقهاء الأمصار، أنَّه لا بأس بفَضلِ وضوء المرأة وسُؤرِها، حائضًا كانت أو جنبًا، خلت به أو شَرَعَا معًا، إلَّا أحمد بن حنبل، فإنه قال: إذا خلَتِ المرأةُ بالطَّهورِ فلا يتوضَّأ منه الرَّجل، إنما الذي رخَّصَ فيه أنْ يتوضآ جميعًا) ((الاستذكار)) (1/170). وقال النووي: (وأمَّا تطهيرُ الرَّجلِ بفَضلِها فهو جائزٌ عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء، سواء خلَت به أو لم تخلُ، قال بعض أصحابنا: ولا كراهةَ في ذلك؛ للأحاديثِ الصحيحة الواردة به، وذهب أحمد بن حنبل وداود إلى أنَّها إذا خلت بالماءِ واستعملَته لا يجوز للرَّجلِ استعمالُ فَضلِها، ورُوي هذا عن عبدِ اللهِ بن سَرجِس والحسن البصري، وروي عن أحمد رحمه الله تعالى كمذهبنا، وروي عن الحسن وسعيد بن المسيب كراهةُ فضلها مطلقًا، والمختارُ ما قاله الجماهير؛ لهذه الأحاديثِ الصَّحيحة في تطهيرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع أزواجِه، وكلُّ واحدٍ منهما يستعمِلُ فَضلَ صاحِبِه، ولا تأثيرَ للخَلوةِ) ((شرح النووي على مسلم)) (4/2-3).
الأدلة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((اغتسَلَ بعضُ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جَفنةٍ، فأراد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يتوضَّأَ منه، فقالت: يا رسولَ الله، إني كنتُ جُنُبًا، فقال: إنَّ الماءَ لا يجنُبُ )) رواه أبو داود (68)، والترمذي (65)، وابن ماجه (301). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده ابن جرير في ((مسند ابن عباس)) (2/692)، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/87)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (124)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (1/334)، وابن رجب في ((فتح الباري)) (1/284)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (68)،.
2- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يغتسِلُ بفَضلِ ميمونةَ )) رواه مسلم (323).
ثانيًا: أنَّه لا تأثيرَ لِوضوئِها على طَهارةِ الماءِ، فكيف يسلُبُه طُهوريَّتَه ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/72).
ثالثًا: أنَّ الآثارَ في كراهيةِ التطهُّرِ بفَضلِ طهورِ المرأةِ مُضطربةٌ لا تقوم بها حجَّة، والآثارُ الصِّحاحُ هي الواردةُ بالإباحة، وعلى ذلك جماعةُ أئمَّة الفتوى ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (2/130).
الفرع الثالث: اغتسالُ الرَّجُلِ وزوجَتِه من إناءٍ واحدٍ   
اغتسالُ الرَّجُلِ وزوجَتِه من إناءٍ واحدٍ؛ جائزٌ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعة قال الترمذي: (وهو قولُ عامَّةِ الفُقَهاءِ: أنْ لا بأسَ أن يغتسلَ الرَّجُلُ والمرأةُ من إناءٍ واحد) ((سنن الترمذي)) (62). وقال العراقيُّ: (... فيه حُجَّةٌ للجمهورِ؛ أنَّه لا بأس أن يتوضَّأ الرَّجلُ بفَضْل وضوء المرأة كعكسِه، وأنَّه لا بأس بوضوئِهما واغتسالِهما جميعًا) ((طرح التثريب)) (2/35). : الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (1/60)، ((الفتاوى الهندية)) (1/16). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/72)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) (1/122)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/31). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (2/190، 191)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/231). ، والحنابلة ((الإقناع)) للحجاوي (1/7)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/37). ، واختاره ابنُ حَزمٍ الظاهريُّ ((المحلى)) لابن حزم (1/204). ، وحُكِيَ في ذلك الإجماعُ قال النوويُّ: (اتَّفق العُلَماءُ على جوازِ وُضوء الرَّجُل والمرأةِ، واغتسالِهما جميعًا من إناءٍ واحد؛ لهذه الأحاديثِ السابقة). ((المجموع)) (2/190، 191). وقال ابن تيميَّة: (أمَّا اغتسالُ الرِّجالِ والنِّساءِ جميعًا من إناءٍ واحدٍ، فلم يتنازَعِ العُلَماءُ في جوازِه، وإذا جاز اغتسالُ الرِّجالِ والنساءِ جميعًا، فاغتسالُ الرِّجال دون النِّساء جميعًا، أو النِّساءِ دون الرِّجال جميعًا؛ أَوْلى بالجواز، وهذا ممَّا لا نِزاع فيه. فمَن كرِه أن يغتسلَ معه غيرُه، أو رأى أنَّ طُهرَه لا يتمُّ حتى يغتسلَ وَحدَه، فقد خرَج عن إجماعِ المُسلمين، وفارَق جماعةَ المؤمنين). ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (21/51). لكن قال ابنُ حجر: (نقَل الطحاويُّ، ثمَّ القرطبيُّ والنوويُّ الاتِّفاقَ على جوازِ اغتسالِ الرَّجُل والمرأة من الإناءِ الواحِدِ، وفيه نظر؛ لِما حكاه ابنُ المُنذِر عن أبي هُريرةَ أنَّه كان ينهى عنه، وكذا حكاه ابنُ عبدِ البَرِّ عن قومٍ، وهذا الحديث حُجَّةٌ عليهم). ((فتح الباري)) (1/300).
الأدلَّة من السنة:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كنتُ أغتسِلُ أنا والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من إناءٍ واحدٍ، كِلانا جُنُبٌ )) رواه البخاري (299) واللفظ له، ومسلم (319).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كنتُ أغتسِلُ أنا ورسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من إناءٍ- بيني وبينه- واحدٍ، فيُبادرني حتى أقولَ: دعْ لي، دعْ لي، قالت: وهما جُنُبانِ )) رواه مسلم (321).
3- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وميمونةَ كانَا يغتسلانِ من إناءٍ واحدٍ )) رواه البخاري (253) واللفظ له، ومسلم (322).

انظر أيضا: