الموسوعة الفقهية

المطلب الخامس: الماءُ المستعمَلُ في إزالة النَّجاسة


الفرع الأوَّل: الماءُ المستعمَلُ في إزالة النَّجاسة، وتغَيَّر أحدُ أوصافه
الماء الذي أُزيلَت به النَّجاسة إن تغيَّرَ أحدُ أوصافهِ بالنجاسةِ، فهو نَجِسٌ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النووي: (إذا انفصلت متغيِّرةً، فهي نجسةٌ بإجماعِ المسلمين، سواء تغيَّرَ طَعمُها، أو لونُها، أو ريحُها، وسواء كان التغيرُ قليلًا أو كثيرًا) ((شرح النووي على مسلم)) (3/191)، ((روضة الطالبين)) (1/34). ، وابنُ قُدامة قال ابن قدامة: (المنفصِلُ من غُسالةِ النجاسة, ينقسِمُ إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن ينفصِلَ متغيِّرًا بها, فهو نجسٌ إجماعًا; لأنَّه متغيرٌ بالنَّجاسة, فكان نجِسًا, كما لو وردَت عليه) ((المغني)) (2/73). ، والعراقيُّ قال العراقي: (فإن تغيَّرت- أي غُسالة النَّجاسة- كانت نجسةً إجماعًا) ((طرح التثريب)) (2/131).
الفرع الثاني: الماءُ المستعمَلُ في إزالةِ النَّجاسةِ ولم يتغَيَّر أحدُ أوصافه
الماء الذي أُزيلَت به النَّجاسةُ إن لم يتغيَّرْ أحدُ أوصافه، فإنَّه يكون طَهورًا، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ((منح الجليل)) لمحمد عليش (1/72)، وينظر: ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/359). ، وقولٌ عند الشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/34)، ((طرح التثريب)) للعراقي (2/131). ، وبه قال بعضُ السَّلف قال ابن عبدِ البَرِّ: (وإلى هذا المذهَبِ ذهب جمهورُ أهل المدينة؛ منهم: سعيد بن المسيب، وسالم، والقاسم، وابن شهاب، وربيعة، وأبو الزناد) ((الاستذكار)) (1/359). ، وابنُ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (ولا ينجُسُ الماء إلَّا بالتغيير، وهو روايةٌ عن أحمد اختارها ابن عقيل وابن المنِّي وأبو المظفر بن الجوزي وأبو نصر وغيرهم من أصحابنا، وهو مذهب مالك، ولو كان تغييرُه في محلِّ التطهيرِ، وقاله بعض أصحابنا) ((الاختيارات الفقهية)) (ص: 384). ، وابنُ القيِّم قال ابن القيِّم: (والصَّوابُ أنَّ مقتضى القياسِ أنَّ الماء لا ينجُسُ إلَّا بالتغيُّر، وأنَّه إذا تغيَّر في محلِّ التطهيرِ فهو نجسٌ أيضًا، وهو في حال تغيُّره لم يُزِلْها وإنما خفَّفَها، ولا تحصُلُ الإزالةُ المطلوبة إلَّا إذا كان غيرَ مُتغيِّر، وهذا هو القياس في المائعات كلِّها؛ أنَّ يَسِيرَ النجَّاسةِ إذا استحالَت في الماءِ ولم يظهَرْ لها فيه لونٌ ولا طعمٌ ولا رائحةٌ؛ فهي من الطيِّباتِ لا من الخبائِثِ) ((إعلام الموقعين)) (2/13). , وابن عُثيمين قال ابن عثيمين: (هذا المُستعمَل في النَّجاسةِ، فالمستعمل في إزالةِ النَّجاسة إمَّا أن ينفصِلَ والنجاسةُ موجودة؛ فهذا نجس؛ مثال ذلك: رجلٌ أراد أن يغسِلَ ثوبًا أصابه دمٌ فجعل يغسِلُه، فأوَّل غَسلةٍ ستكون متغيِّرةً بالنجاسةِ أو ملاقيةً لها، فيكون نجسًا سواءٌ تغيَّرَ أم لم يتغيَّر؛ لأنَّه لاقى النجاسةَ، وكذلك إذا انفصل قبل السَّابعة، إذا قلنا بوجوب غسل النجاساتِ سَبعًا، يكون أيضًا نَجِسًا؛ لأنَّه انفصل عن محلٍّ نجِسٍ، وإن كانت النجاسة قد زالت؛ لأنَّ المحلَّ لا يطهُرُ إلا بسبعٍ غَسَلاتٍ، فما انفصل قبل السابعةِ فهو نَجِسٌ. الثاني: أن ينفصل في السَّابعة؛ فهذا إن انفصل متغيِّرًا فظاهِرٌ أنَّه نجِسٌ، وإنِ انفصل غير متغيِّرٍ فهو طاهِرٌ، لكن هل يكون مُطَهِّرًا؟ على قولين: القول الأوّل: أنَّه ليس بمُطهِّرٍ؛ لأنَّه ماء حصل به التَّطهير؛ إذ إنَّ السابعةَ هي آخر الغسَلات، فصار كالمُستعمَل في رَفعِ الحدث، والثاني: أنَّه طَهورٌ مُطهِّرٌ، وهذا القول هو الراجِحُ. فالخلاصة الآن: إذا استُعمِلَ في إزالة نجاسة؛ فما انفصَلَ والنجاسةُ موجودة، فهو نجس، وما انفصل قبل السابعة فهو نجس أيضًا، أمَّا الأولُ فهو نجس؛ لأنَّه لاقى النجاسةَ، وأمَّا الثاني فهو نجِسٌ؛ لأنَّه انفصل عن محلٍّ نجسٍ لم يَطهُر، وإن انفصل في السَّابعة بعد زوال النَّجاسةِ، يعني النجاسة زالت مثلًا في أوَّل غَسلةٍ أو في ثاني غسلةٍ أو خامس غسلةٍ، ففيه ثلاثةُ أقوال: أنَّه نجِسٌ، والثاني: أنَّه طاهِرٌ غيرُ مطهِّر، والثالث: أنَّه طَهورٌ، وهذا الأخيرُ هو الصَّحيح ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- من أشرطة شرح الطهارة من كتاب الكافي)).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
عموم قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ قال السَّعدي: (... ومن ذلك: أنه أنزل عليكم مِنَ السَّماء مَطَرًا؛ ليطهرِّكم به من الحَدَث والخبث) ((تفسير السعدي)) (1/316). [الأنفال: 11]
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ )) رواه أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنَّسائي (326)، وأحمد (11275). صحَّحه يحيى ابن معين كما في ((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقِّن (1/7)، والإمام أحمد كما في ((تهذيب الكمال)) للمِزِّي (12/219)، والنووي في ((المجموع)) (1/82)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (21/41)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/381)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (66)، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/485).
ولا يخرُجُ الماءُ عن هذا الوَصفِ إلا بيقينٍ من دليلٍ من الشَّرع، أو من الحِسِّ بتغَيُّر أحد أوصافِه.
2- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أعرابيًّا بال في المسجِدِ، فقام إليه بعضُ القَومِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: دَعُوه، ولا تُزْرِموه، قال: فلما فَرَغ، دعا بدلوٍ من ماءٍ، فصبَّه عليه )) رواه البخاري (6025)، ومسلم (284) واللفظ له.
وجه الدَّلالة:
أنَّ الماءَ لو كان ينجُسُ بتطهيرِ المحلِّ النَّجِس، لكان المحلُّ نَجِسًا؛ وذلك لأنَّ البَلَل الباقيَ فيه بعضُ هذه الغُسالة، فلمَّا حكَمْنا بطهارةِ المحلِّ مع بقاءِ البَلَل فيه، علِمْنا طهارَتَها؛ فإنَّه لم يثبُت أنَّ الترابَ قد نُقِلَ ((شرح السنة)) للبغوي (2/83)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/325)، ((طرح التثريب)) للعراقي (2/130، 131).

انظر أيضا: