الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّل: الماءُ المستعمَل في رَفعِ الحدَث


الماءُ المُستعمَل الماء المستعمَل: هو الماء المتقاطر مِن الأعضاء في وضوءٍ أو غُسل. قال ابن عثيمين: (الاستعمالُ: أن يمرَّ الماءُ على العُضوِ، ويتساقَطُ منه، وليس الماءُ المستعملُ هو الذي يُغتَرَف منه. بل هو الذي يتساقَطُ بعد الغَسلِ به) ((الشرح الممتع)) (1/36). في رَفعِ الحدَثِ مِن الوضوءِ والغُسلِ؛ طاهرٌ في نفسِه، مُطهِّرٌ لغَيرِه ثمرة المسألة: أنَّ جميعَ المياهِ التي في الحياض والبِرَك، في الحماماتِ والطُّرقاتِ، وعلى أبواب المساجِدِ، وفي المدارس وغير ذلك؛ لا يُكره التطهُّرُ بشيءٍ منها، وإن سقط فيها الماءُ المستعمَل، وليس للإنسانِ أن يتنزَّه عن أمرٍ ثبتَت سنَّة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالرُّخصةِ فيه؛ من أجل شبهةٍ وقعت لبعض العلماءِ رحمهم الله تعالى. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (21/68). ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة المالكيَّة وإن كانوا يرون طهارَتَه إلَّا أنهم كرِهوا استعمالَه إذا كان الماءُ قليلًا ووُجِدَ غيره. ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (1/92)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/74). ، والظَّاهريَّة ((المحلى)) لابن حزم (1/182)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/201). ، وقولٌ عند الحنفيَّة ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/49)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/181). ، وقولٌ عند الشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/296). ، وروايةٌ عن أحمد ((الإنصاف)) للمرداوي (1/40). ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ كالحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، والأوزاعي، والثوري، وأبي ثور، وابن نصر المروزي. يُنظر: ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/397-399)، ((أحكام القرآن)) للجصاص (5/210)، ((المحلى)) لابن حزم (1/182)، ((الاستذكار)) لابن عبدِ البَرِّ (1/201)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/27)، ((تفسير القرطبي)) (13/48، 49)، ((المجموع)) للنووي (1/149)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (64/24). ، واختيارُ ابن المُنذِر ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/399). ، وابنِ تيميَّة قال ابن تيميَّة: (وكذلك الماءُ المُستعمَلُ في طهارةِ الحدَثِ باقٍ على طُهوريَّته) ((مجموع الفتاوى)) (20/519). ، وابنِ باز قال ابن باز: (الوضوءُ مِنَ الماء المجتَمِعِ في إناءٍ من أعضاءِ المتوضِّئِ أو المغتَسِلِ يُعتبَرُ طاهرًا. واختلف العلماءُ في طُهوريَّته، هل هو طَهورٌ يجوز الوضوءُ والغُسل به، أم طاهرٌ فقط، كالماء المقيَّدِ مثل: ماء الرمَّان وماء العنب، ونحوهما؟ والأرجح: أنَّه طَهورٌ؛ لعمومِ قَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ )) أخرجه الإمام أحمد، وأهل السُّنن إلَّا ابنَ ماجه، بإسنادٍ صحيح. ولا يُستثنى من ذلك إلَّا ما تغيَّر لونُه أو طعمُه أو ريحُه بالنَّجاسة، فإذا تغيَّر بذلك صار نجِسًا بالإجماع، لكنَّ تَركَ الوضوءِ من مثل هذا الماءِ المُستعمَل أولى وأحوَطُ؛ خروجًا من الخلافِ؛ ولِمَا يقع فيه من بعض الأوساخِ الحاصلةِ بالوضوءِ به أو الغُسل) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/18). ، والألبانيِّ ((الثمر المستطاب)) (ص: 5). ، وابنِ عثيمين قال ابن عثيمين: (..فالصوابُ أنَّ ما رُفِعَ بقليلِه حَدَثٌ، طَهورٌ؛ لأنَّ الأصلَ بقاءُ الطُّهوريَّة، ولا يمكن العدولُ عن هذا الأصل إلَّا بدليلٍ شرعيٍّ يكون وجيهًا) ((الشرح الممتع)) (1/49).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قولُ الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 48]
2- وقوله سبحانه: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: 11]
وجه الدَّلالة:
أنَّ قَولَه: طَهُورًا يقتضي جوازَ التطهُّرِ به مرةً بعدَ أخرى، فهو على وزن (فَعولٍ) لِمَا يتكرَّر منه الفِعلُ، مثل: شكورٍ، وصبورٍ ((أحكام القرآن)) للجصَّاص (5/211)، ((المجموع)) للنووي (1/153).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الماءَ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ )) رواه أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنَّسائي (326)، وأحمد (11275). صحَّحه يحيى ابن معين كما في ((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقِّن (1/7)، والإمام أحمد كما في ((تهذيب الكمال)) للمِزِّي (12/219)، والنووي في ((المجموع)) (1/82)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (21/41)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/381)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (66)، وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/485).
وجه الدَّلالة:
عمومُ الحديثِ، فالماء طهورٌ لا ينجِّسُه شيء، ولا يُستثنى من ذلك إلَّا ما تغيَّر لونُه، أو طَعمُه، أو ريحُه ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/18).
2- عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الماءَ لا يَجنُبُ )) رواه أبو داود (68)، والترمذي (65)، وابن ماجه (301). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده ابن جرير في ((مسند ابن عباس)) (2/692)، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/87)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (124)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (1/334)، وابن رجب في ((فتح الباري)) (1/284)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (68)،.
وجه الدلالة:
أنَّ الماءَ لا يتعدَّى إليه حُكمُ الحدَثِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (20/519).
 ثالثًا: أنَّه ماءٌ طاهرٌ لاقى بدنًا طاهرًا، فلم يسلُبْه الطُّهوريَّة ((مجلة البحوث الإسلامية)) (64/26).
رابعًا: أنَّه ماءٌ مستعمَلٌ فجازت الطهارة به، كالمُستعمَل في تجديدِ الوُضوءِ، ولا فَرقَ ((الأوسط)) لابن المُنذِر (1/396)، ((تفسير القرطبي)) (13/49)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/297)، ((المجموع)) للنووي (1/153)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/241)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/271)، ((مجلة البحوث الإسلامية)) (64/25،27).

انظر أيضا: