الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ السَّابِعُ: اشتِراطُ السَّلامةِ في البَصَرِ


لا يُشتَرَطُ لصِحَّةِ القَضاءِ أن يَكونَ القاضي سَليمَ البَصَرِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [80] يرى المالِكيَّةُ أنَّ سَلامةَ البَصَرِ ليست مِن شُروطِ صِحَّةِ تَولِيةِ القاضي، لَكِنَّ العَمى موجِبٌ للعَزلِ، فلا يَجوزُ تَولِيةُ الأعمى، ومَعنى ذلك أنَّ الإمامَ لا يَجوزُ له تَولِيةُ الأعمى، فإن ولَّاه فإنَّه يَجِبُ عليه عَزلُه، ثُمَّ يُنظَرُ في قَضائِه السَّابِقِ، فإن وافَقَ الحَقَّ أجازَه، وإن خالَفَه نَقَضَه. ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/99،100)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/130). ، ووَجهٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [81] ((روضة الطالبين)) للنووي (11/96). ، وقَولٌ للحَنابِلةِ [82] ((الإنصاف)) للمرداوي (11/177). ، ومال إليه ابنُ تَيميَّةَ [83] قال ابنُ تيميَّةَ: (هذا الكَلامُ إنَّما اشتُرِطَت هذه الصِّفاتُ فيمَن يولَّى لا فيمَن يُحَكِّمُه الخَصمانِ، وذَكَرَ القاضي أنَّ الأعمى لا يَجوزُ قَضاؤُه، وذَكَرَه مَحَلَّ وِفاقٍ، قال: وعَلى أنَّه لا يَمتَنِعُ أن يَقولَ: إذا تَحاكَما به ورَضيا به جازَ حُكمُه. قال أبو العَبَّاسِ: هذا الوجهُ قياسُ المَذهَبِ كما يَجوزُ شَهادةُ الأعمى؛ إذ لا يُعوِزُه إلَّا مَعرِفةُ عَينِ الخَصمِ، ولا يَحتاجُ إلى ذلك، بَل يَقضي على مَوصوفٍ كما قَضى داوُدُ بَينَ المالِكين، ويَتَوجَّهُ أن يَصِحَّ مُطلَقًا، ويُعرَفُ بأعيانِ الشُّهودِ والخُصومِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/558). ، واختاره ابنُ عُثَيمين [84] قال ابنُ عُثَيمين: (فالصَّحيحُ أنَّه لا يُشتَرَطُ أن يَكونَ بَصيرًا، وأنَّ الأعمى يَصِحُّ أن يَكونَ قاضيًا). ((الشرح الممتع)) (15/280). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استَخلَفَ ابنَ أُمِّ مَكتومٍ على المَدينةِ يُصَلِّي بالنَّاسِ)) [85] أخرجه أبو يعلى (4456)، وابن حبان (2134) واللفظ لهما، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2723). صحَّحه ابنُ حبان، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1/445)، وصحَّح إسنادَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (2/91). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على صِحَّةِ استِخلافِ الأعمى وتَوليَتِه على النَّاسِ، وجَوازِ أن يَتَولَّى القَضاءَ [86] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (2/295). .
ثانيًا: قياسُ العَمى على الجَهلِ بلُغةِ الخُصومِ في صِحَّةِ القَضاءِ مَعَه، فيُعَرَّفُ الأعمى بأعيانِ الشُّهودِ والخُصومِ كما يُعَرَّفُ بمَعاني كَلامِهم في التَّرجَمةِ، بجامِعِ عَدَمِ الفارِقِ بَينَ مَعرِفةِ الأعيانِ ومَعرِفةِ الكَلامِ [87] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/558). .
ثالِثًا: قياسُ قَضاءِ الأعمى على القَضاءِ على الغائِبِ في صِحَّةِ القَضاءِ، بجامِعِ عَدَمِ الرُّؤيةِ [88] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/558). .
رابِعًا: أنَّ الواقِعَ يَشهَدُ أنَّ الأعمى يُدرِكُ بحِسِّه السَّمعيِّ أكثَرَ مِمَّا يُدرِكُ البَصيرُ بحِسِّه السَّمعيِّ، فعِندَه إدراكٌ قَويٌّ بحاسَّةِ السَّمعِ، ويُمَيِّزُ الأصواتَ، فيَصعُبُ أن يَختَلِطَ عليه الأمرُ [89] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (15/280). .

انظر أيضا: