الموسوعة الفقهية

المَسألةُ الثَّالثةُ: اشتِراطُ العَدالةِ للشَّهادةِ على الزِّنا


يُشتَرَطُ في إقامةِ حَدِّ الزِّنا بموجِبِ الشَّهادةِ أن يَكونَ الشُّهودُ عُدولًا.
الأدِلَّة:ِ
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
1- قال تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق: 2] .
 وَجهُ الدَّلالةِ:
وصَف اللَّهُ تعالى الشُّهودَ المَقبولينَ بصِفتَينِ؛ إحداهما: العَدالةُ، في قَولِه تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [435] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (2/ 239). .
2- قال تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ [البقرة: 282] .
 وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى أمَر باختيارِ مَن نَرتَضيه مِنَ الشُّهَداءِ، والشَّاهدُ المَرْضيُّ هو الشَّاهدُ العَدلُ، فالرِّضا مُتَوجِّهٌ إلى العَدلِ، مُنتَفٍ عنِ الفاسِقِ [436] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (17/ 148)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/ 352). .
3- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6] .
 وَجهُ الدَّلالةِ:
أمَر اللهُ تعالى بالتَّوقُّفِ عن شَهادةِ الفاسِقِ في قَولِه تعالى: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا، فأمَر بالتَّوقُّفِ عن نَبَأِ الفاسِقِ، والشَّهادةُ نَبَأٌ، فيَجِبُ التَّوقُّفُ عنه [437] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (17/ 148)، ((المغني)) لابن قدامة (10/ 145). .
ثانيًا: مِنَ الآثارِ
عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: (واللَّهِ لا يُؤسَرُ [438] معنى يُؤسَرُ، أي: يُحبَسُ لنُفوذِ القَضاءِ عليه. يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (7/ 102). رَجُلٌ في الإسلامِ بغَيرِ العُدولِ) [439] أخرجه مالك (2/720)، والبيهقي (21142). قال الزَّركَشيُّ في ((شرح الزركشي على الخرشي)) (7/330): أحسَنُ ما يُروى عن عُمَرَ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَلالةٌ على أنَّه لا يُحكَمُ إلَّا بشَهادةِ العُدولِ.
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عَبدِ البَرِّ [440] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (أجمَعَ العُلماءُ أنَّ البَيِّنةَ في الزِّنا أربَعةُ شُهَداءَ رِجالٌ عُدولٌ يَشهَدونَ بالصَّريحِ مِنَ الزِّنا لا بالكِنايةِ، وبالرُّؤيةِ كذلك، والمُعايَنةِ) ((الاستذكار)) (7/ 485). ، وابنُ رُشدٍ [441] قال ابنُ رُشدٍ الحَفيدُ: (أمَّا العَدالةُ فإنَّ المُسلمينَ اتَّفقوا على اشتِراطِها في قَبولِ شَهادةِ الشَّاهدِ). ((بداية المجتهد)) (2/ 381). ، وابنُ قُدامةَ [442] قال ابنُ قُدامةَ: (الشَّرطُ الرَّابعُ: العَدالةُ، ولا خِلافَ في اشتِراطِها). ((المغني)) (9/ 65)، ، والنَّوَويُّ [443] قال النَّوَويُّ: (أجمَعوا على أنَّ البَيِّنةَ أربَعةُ شُهَداءَ ذُكورٌ عُدولٌ... ولا يُقبَلُ دونَ الأربَعةِ). ((شرح صحيح مسلم)) (11/ 192). . ونَقَل الشَّافِعيُّ [444] قال الشَّافِعيُّ: (الإجماعُ يَدُلُّ على أنَّه لا تَجوزُ إلَّا شَهادةُ عَدلٍ حُرٍّ بالغٍ عاقِلٍ لِما يَشهَدُ عليهـ). ((الأم)) (7/ 46). ، ومسلِمٌ [445] قال مُسلِمُ بنُ الحَجَّاجِ: (خَبَرُ الفاسِقِ غَيرُ مَقبولٍ عِندَ أهلِ العِلمِ، كما أنَّ شَهادَتَه مَردودةٌ عِندَ جَميعِهم). ((صحيح مسلم)) (1/3). الإجماعَ على اشتِراطِ العَدالةِ للشَّهادةِ.
رابعًا: لأنَّ اللَّهَ تعالى شَرَط العَدالةَ في البُيوعِ والرَّجعةِ، والشَّهادةُ على الزِّنا أعظَمُ؛ فاشتِراطُ العَدالةِ فيها أَولى [446] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (5/ 84)، ((المغني)) لابن قدامة (9/ 65). .
خامِسًا: لأنَّ الفاسِقَ تَحمِلُه قِلَّةُ مُبالاتِه بدينِه، ونُقصانُ وَقارِ اللَّهِ في قَلبِه، على تَعَمُّدِ الكَذِبِ [447] يُنظر: ((الطرق الحكمية)) لابن القيم (148).  .

انظر أيضا: