المَطْلَبُ الثَّاني: حالاتُه الزَّمَنِيَّةُ
الماضي يدُلُّ على المضِيِّ غالبًا، وله ثَلاثُ حالاتٍ أُخرى:
أن ينصَرِفَ إلى الحالِ:ينصَرِفُ الماضي إلى زَمَنِ الحالِ إذا قُصِدَ به الإنشاءُ؛ كألفاظِ العُقودِ: بِعْتُ، واشتَرَيتُ، وزوَّجْتُ؛ فهذه الأفعالُ وما شابهها ماضِيَةُ اللَّفظِ حاضِرةُ المعنى
.
أن ينصَرِفَ إلى الاستِقبالِ:يدُلُّ الماضي على الزَّمَنِ المُستَقبَلِ في حالات:
الطَّلَبِ: مِثْلُ: غَفَر اللهُ لك، وعزَمْتُ عليك إلَّا فعَلْتَ ولَمَّا فعَلْتَ.
الوَعدِ: كقَولِ اللهِ تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1] .
النَّفْيِ بـ(إنْ) بعد قَسَمٍ: كقَولِه تعالى:
وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر: 41] ، يعني: ما يُمسِكُهما، و(إنْ أَمسَكَهما) جوابٌ لِقَسَمٍ مَحذوفٍ.
النَّفيِ بـ(لا) بعد قَسَمٍ: كقَولِه من البسيط:
رِدُوا فواللهِ لا ذُدْناكمُ أبدًا
ما دامَ في مائِنا وِرْدٌ لنُزَّالِ
أدواتِ الشَّرطِ: مِثلُ: إن قام زيدٌ قام عَمرٌو، وقال الله تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6] ، وقَولِ الأخطَلِ من البسيطِ:
قومٌ إذا حاربوا شَدُّوا مآزِرَهم
دونَ النِّساءِ ولو باتَت بأطهارِ
إعمالِ الماضي في الظَّرْفِ المُستقبَلِ، مِثْلُ: نجحْتَ إذا ذاكَرْتَ، بمعنى: تنجَحُ إذا ذاكَرْتَ
.
إضافةِ اسمِ الزَّمانِ المُستَقبَلِ إليه، مِثْلُ: قُعودُ محمَّدٍ إذا قام عليٌّ؛ أي: إذا يقومُ عَلِيٌّ.
أن يكونَ معطوفًا على المُستقبَلِ، أو يُعطَفَ عليه المُستقبَلُ: قعد محمَّدٌ وسيقومُ، يعني: سيقعُدُ محمَّدٌ وسيقومُ، وأيضًا: سيقومُ محمَّدٌ وقَعَد، أي: وسيقعُدُ.
وقوعِه في صِلةِ (ما) المصدريَّةِ التي يَعمَلُ فيها المُستَقبَلُ، مِثْلُ: اعمَلْ خيرًا ما دُمْتَ حيًّا؛ يعني: ما تدومُ، لكِنَّ العَرَبَ لا تستخدِمُ فيها إلَّا الماضِيَ
.
أن يحتَمِلَ الاستِقبالَ والمُضِيَّ:معنى ذلك أنَّ الماضِيَ في الحالاتِ الآتيةِ سيحتَمِلُ المُضِيَّ والاستِقبالَ، ويكونُ تعيينُ أحَدِهما بحسَبِ السِّياقِ الذي يقَعُ فيه والقرائِنِ؛ على النَّحوِ الآتي:
بعد هَمْزةِ التسويةِ، مِثْلُ: سواءٌ عليَّ أقُمْتَ أم قعَدْتَ، فيحتَمِلُ أن يكونَ للمُضِيِّ -أي: ما كان منكَ من قيامٍ أو قُعودٍ-، أو للاستقبال -أي: ما سيكونُ من ذلك- يستوي في ذلك مجيءُ (أَمْ) وعَدَمُ مجيئِها، مِثْلُ: سواءٌ عليَّ أيَّ وَقتٍ جِئْتَني.
أمَّا إذا وقع الفِعلُ بعد أم مَقرونًا بـ(لم) وجب أن يكونَ الفِعلُ الماضي بعد هَمْزةِ التَّسويةِ للمُضِيِّ، مِثْلُ قَولِه تعالى:
سَوَاءٌ عليْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6] ؛ لأنَّ الفِعْلَ بعد (لم) يكون ماضيًا في المعنى، فوجب أن يكونَ الأوَّلُ ماضيًا؛ لأنَّه معادِلٌ له.
وقوعِ الماضي بعد أداةِ تحضيضٍ؛ فإن أرَدْتَ التوبيخَ فهو للمُضِيِّ، كقَولِه تعالى:
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ [هود: 116] ، وإن أردْتَ الأمرَ به فهو للاستِقبالِ، كقَولِه تعالى:
فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة: 122] ، أي: لِيَنْفِرْ.
- وقوعِ الماضي بعد (كُلَّما)؛ فالمُضِيُّ مِثْلُ:
كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ [المؤمنون: 44] ، والاستِقبالُ مِثْلُ:
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء: 56] .
وقوعِ الماضي بَعْدَ (حَيثُ)؛ فالمضِيُّ مِثْلُ:
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة: 222] ، والاستِقبالُ مِثْلُ:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ [البقرة: 149] .
وُقوعِ الماضي صِلةً للموصولِ؛ فالمضِيُّ مِثْلُ:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران: 173] ، والاستِقبالُ مِثْلُ:
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليْهِمْ [المائدة: 34] .
وقوعِ الماضي صِفةً لنَكرةٍ عامَّةٍ؛ فالمُضِيُّ مِثلُ قَولِ الأعشى من الخفيفِ:
رُبَّ رِفدٍ هَرَقْتُهُ ذلك اليو
مَ وأسرَى مِن مَعشَرٍ أقيالِ
والاستقبالُ كقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((نضَّر اللهُ امرَأً سَمِعَ مَقالتي، فأدَّاها كما سَمِعَها... ))
؛ أي: يَسمَعُ مقالتي، فقد وقع الماضي صِفةً لنَكِرةٍ عامَّةٍ (رِفْدٍ، وامرأً)، وهو في الأوَّلِ للمُضِيِّ، والثَّاني للاستِقبالِ
.