موسوعة التفسير

سُورةُ المائِدَةِ
الآيتان (33 - 34)

ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ

غريب الكلمات:

يُصَلَّبُوا: يُعلَّقُوا، وتُشدَّ أَصلابُهم على خَشَبٍ للقَتْلِ [693] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/301)، ((المفردات)) للراغب (ص: 489). .
مِنْ خِلَافٍ: أي: يُخالَفُ بين الأيدي والأرْجُلِ في القَطعِ؛ فتُقطَعُ اليدُ اليُمنَى مع الرِّجلِ اليُسرى، والعكس [694] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 214)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 116)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 150). .
يُنْفَوْا: أي: يُطْرَدوا، وقِيل: يُسجَنُوا ويُحبَسُوا؛ لأنَّ المحبوسَ بمنزلةِ المطرودِ مِن الدُّنيا، وأَصْلُ (نفي): الطَّردُ، وتَعريةُ شيءٍ مِن شيءٍ، وإبعادُه منه [695] يُنظر: ((العين)) للخليل بن أحمد (8/375)، ((تفسير ابن جرير)) (8/389)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/456)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 317). .
خِزْيٌ: هوانٌ وهلاكٌ، وأصل الخِزي: الإبعادُ [696] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 61)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 215)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/179)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 85). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِرُ تعالى أنَّ جزاءَ مَن يُبارِزونَ اللهَ ورسوله بالعداوةِ، ويَعْتَدونَ على أحكامِ دِينِه، ويُفسِدون في الأرضِ بالكُفرِ وعَمَلِ المعاصي؛ مِن إخافةِ السُّبُل، ومِن قَطْعٍ للطُّرق، واغتصابٍ للأموالِ، وانتهاكٍ للحُرُماتِ- يُخبِرُ أنَّ جزاءَهم القَتْلُ، أو الصَلْبُ، أو أنْ تُقطَّعَ أيديهم اليُمنى مع الأَرْجُل اليُسرى، أو يُطْرَدوا مِن البلدِ الذي هم فيه إلى غَيرِه، تِلك العقوبةُ لهم ذُلٌّ وفضيحةٌ في الدنيا، ولهم في الآخِرة عذابٌ عظيمٌ؛ هو عذابُ جَهنَّم.
واسْتَثنى الله تعالى مِنهم مَن تاب، وترَكَ محاربةَ اللهِ ورسوله والسَّعيَ في الأرضِ بالفسادِ مِن قَبلِ أنْ يَقدِرَ عليهم أُولو الأمرِ، فإنْ أتوْا تائِبينَ نادمينَ، فاعلموا- أيُّها المؤمنون- أنَّ اللهَ غفورٌ؛ فلن يُؤاخِذَهم بذُنُوبهم لا في الدُّنيا ولا في الآخِرة، بلْ يَغفِرُها لهم، ورحيمٌ؛ إذ عفا عنهم، ورفَع عنهم العِقابَ.

تفسير الآيتين:

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ في الآيةِ الأُولى تغليظَ الإثمِ في قَتْلِ النَّفسِ بغيرِ حقٍّ،، أتْبعَه ببيانِ الفسادِ الذي يُوجِبُ القتلَ؛ فإنَّ بعضَ ما يكون فسادًا في الأرضِ لا يُوجِبُ القتلَ، فقال [697] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (11/345) ((تفسير أبي حيان)) (4/239)، ((تفسير ابن عادل)) (7/303). :
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
أي: إنَّ جزاءَ مَن يُبارزونَ اللهَ تعالى ورسولَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالكُفرِ والعداوةِ، ويُضادُّونَ اللهَ ورسولَه بالاعتداءِ على أحكامِ الدِّين، فيفعلون المنهياتِ، ويَترُكون المأموراتِ على وجهِ الاستكبارِ والعِنادِ [698] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/372)، ((تفسير ابن كثير)) (3/94)، ((تفسير السعدي)) (ص: 229-230)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/319). قال ابنُ الجوزي: (وقال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: أراد بالمحاربةِ للهِ ورسولِه، الكفرَ بعدَ الإسلامِ، وقال مقاتلٌ: أراد بها الشِّرك) ((زاد المسير)) (1/542). .
وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا.
أي: ويُسارِعونَ في عمَلِ المعاصي في أرضِ الله؛ مِن إخافةِ سُبلِ المؤمنين، أو سُبلِ أهلِ ذِمَّتِهم، وقَطْعِ طُرُقهم، واغتصابِ أموالِهم، وانتهاكِ حُرَمِهم [699] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/372)، ((تفسير ابن كثير)) (3/94)، ((تفسير السعدي)) (ص: 230)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/319). قال ابنُ جريرٍ: (عن مجاهدٍ: ويسعون في الأرض فسادا قال: الفسادُ: القتلُ، والزِّنا، والسَّرقة) ((تفسير ابن جرير)) (8/372). قال ابنُ الجوزيِّ: (قولُه تعالى: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسادًا فيه أربعةُ أقوالٍ: أحدُها: بالمعاصي، قاله ابنُ عبَّاس، ومُقاتل) ((زاد المسير)) (1/567). قال السعدي: (والمشهورُ أنَّ هذه الآية الكريمةَ في أحكامِ قطَّاع الطريقِ، الذين يَعرِضون للنَّاس في القُرَى والبوادي، فيَغْصبونهم أموالَهم، ويقتلونهم، ويُخيفونهم، فيمتنعُ النَّاس مِن سُلوكِ الطَّريق التي هم بها، فتنقطعُ بذلك) ((تفسير السعدي)) (ص: 230). .
أَنْ يُقَتَّلُوا.
أي: جزاءُ أولئك الذين يَفعلونَ ذلك؛ القتلُ [700] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/381)، ((تفسير السعدي)) (ص: 230)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/320). .
أَوْ يُصَلَّبُوا.
أي: أو [701] اختَلف أهلُ العِلم في معنى أَوْ التي تَكرَّرت في هذه الآيةِ الكريمة، فقِيل: هي للتخييرِ، فيفعلُ الإمامُ أو نائبُه ما رآه المصلحةَ مِن هذه الأمورِ المذكورة. وممَّن قال مِن السَّلفِ: إنَّ أو هنا للتخييرِ: ابنُ عبَّاس- في رواية عنه- ومجاهد، وإبراهيم، وعطاء، ورِواية عن الحسن، وسعيد بن المسيَّب. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/378). وقيل: للتَّنويع، وأنَّ هذه العقوباتِ تختلفُ بحسبِ الجرائمِ. وممَّن قال مِن السَّلف: إنَّ أَوْ هنا للتَّنويعِ: ابنُ عبَّاس- في روايةٍ عنه- وإبراهيمُ، وأبو مِجْلَز، والحسن، وقتادة، والسُّدِّي، وعطاء الخُراساني، وسعيد بن جُبَير، والربيع، ومُورِّق العِجلي. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/373). قال ابنُ جرير: (وأَوْلى التأويلين بالصَّواب في ذلك عندنا: تأويلُ مَن أوجبَ على المحاربِ مِن العقوبةِ على قدْرِ استحقاقِه، وجعَل الحُكم على المحاربين مختلفًا باختلافِ أفعالِهم) ((تفسير ابن جرير)) (8/381).  ينظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 230)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/394-395)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/489-490)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/323- 324). يُوضَعَ الجناةُ مَشدودينَ على خَشبةٍ ونحوها؛ قيل: لقَتْلِهم، وقيل: بلْ يُصلَبوا بعدَ قتْلِهم، وقيل غيرُ ذلك [702] قال ابنُ عَطيَّة: (أمَّا صَلبُه فجمهورٌ مِن العلماء على أنَّه يُقتَل ثم يُصلَب نكالًا لغيره، وهذا قول الشافعيِّ، وجمهورٍ مِن العلماء على أنه يُصلَبُ حيًّا، ويُقتَل بالطَّعن على الخَشبةِ، ورُوي هذا عن مالكٍ وهو الأظهرُ من الآية، وهو الأَنْكَى في النَّكَال) ((تفسير ابن عطية)) (2/185)، وينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/183). وقال الشنقيطي: (الظاهر أنه يُصلَب بعد القتل زمنًا يحصُل فيه اشتهارُ ذلك؛ لأنَّ صَلْبَه رَدعٌ لغيره) ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/396). وقال ابنُ عُثَيمين: (قولُه: أَوْ يُصَلَّبُوا يعني: يُصلَّبون، وهل المراد الصَّلب بعد القتْل؛ فيكون الجمع بين الأمرين؟ أو هو صلبٌ فقط دون قتْل؟ ظاهرُ الآيات الكريمة الثاني أن يُصلَب حتى يفتضح بجنايتِه، ثم بعدَ ذلك يَنظر وليُّ الأمر فيه بما يراه مناسبًا، لكن المعروف أنَّ الصلب يكون بعدَ القتل، وقيل: يُصلَّبون قبلَ القتل، فالأقوالُ ثلاثة: الرأي الأوَّل: يُصلَّبون بعد القتْل، والرأي الثاني: يُصلَّبون قبْلَ القتْل، والرأي الثالث: أنَّ الصَّلبَ عقوبةٌ منفردةٌ، يعني: ليست مركَّبة مع القتل، وهذا القولُ هو ظاهرُ الآية) ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/320- 321). .
أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ.
أي: أو تُقطَّعَ أيديهم اليُمنَى وأَرْجُلهم اليُسرى؛ ويكونُ القطعُ في اليدِ مِن مَفْصِلِ الكفِّ مِن الذِّراع، ويكونُ القطعُ في الرِّجلِ من مَفْصِل القدَمِ من العَقبِ [703] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/383- 384)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/321). .
أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ.
أي: أو يُطرَدُوا مِن البلدِ الذي هُم فيه إلى بلدٍ غيرِه [704] فيُطرَد مِن البَلد الذي حارَب فيه اللهَ ورسولَه، وسعى فيه بالفساد، وهذا اختيارُ ابنِ عطيةَ في ((تفسيره)) (2/185)، والقرطبيِّ في ((تفسيره)) (6/153)، وابنِ عثيمينَ في ((تفسير سورة المائدة)) (1/321، 324). وقيل: بل المرادُ إخراجُه من وطنِه؛ لأنَّ مفارقة الأوطان أمرٌ شاقٌّ على النفوس، وهذا اختيارُ ابن عاشور في ((تفسيره)) (6/184)، والشنقيطي في ((أضواء البيان)) (1/396). ونَسبَه لابن جرير. لكن قال ابن جرير: (وأَوْلى الأقوال في ذلك عندي بالصَّواب قولُ مَن قال: معنى النَّفي من الأرض في هذا الموضع: هو نفيُه مِن بلدٍ إلى بلدٍ غيرِه، وحبْسُه في السجن في البلدِ الذي نُفِي إليه، حتى تظهرَ توبتُه من فُسوقِه، ونُزوعُه عن معصيتِه ربَّه) ((تفسير ابن جرير)) (8/389). ولم يُحدِّد البلدَ التي يُنفى منها. وممَّن قال من السَّلف نحوَ هذا القول: سعيدُ بن جُبَير. ينظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/387). وقيل: يُحبس في البلدة التي نُفي إليها، وهذا اختيارُ ابن جرير في ((تفسيره)) (8/389). وقيل: معنى النَّفي من الأَرض: الحبسُ في السِّجن؛ لأنَّ المسجونَ بمنزلةِ المُخرَجِ من الدُّنيا، وهذا اختيارُ الواحديِّ في ((الوجيز)) (ص: 317). وقِيل غيرُ ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/100- 101). .
ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا.
أي: هذا الجزاءُ الذي جُوزُوا به؛ ذُلٌّ وعارٌ وفَضيحةٌ لهم في الدُّنيا [705] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/390)، ((تفسير ابن كثير)) (3/101)، ((تفسير السعدي)) (ص: 230)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/321). .
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
أي: ولهم مع ذلك عذابٌ أُخْرويٌّ، وهو عذابُ جهنَّمَ [706] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/390)، ((تفسير ابن كثير)) (3/101)، ((تفسير السعدي)) (ص: 230). .
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34).
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ.
أي: ما عدَا مَن رجَعُوا إلى اللهِ تعالى، وكفُّوا عن مُحاربةِ اللهِ ورسولِه وعن سَعيهِم في الأرضِ بالفسادِ، فوَضَعوا السِّلاحَ، وكفُّوا عن قَطْعِ الطَّريقِ من تِلقاءِ أنفسِهم، قبلَ أن تَقْدِروا عليهم [707] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/401- 402)، ((تفسير ابن كثير)) (3/102)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/322). قال الرازي: (لا خلافَ أنَّ هذا الاستثناءَ راجعٌ إلى ما تقدَّم من أوَّل الآيةِ، وأنَّ التوبةَ حاصلةٌ لهؤلاء جميعًا) ((تفسير الرازي)) (23/328). .
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أي: فاعْلَموا- أيُّها المؤمنون- أنَّ اللهَ تعالى غيرُ مُؤاخِذٍ مَن تاب منهم بذُنوبه، ولكنَّه يَسترُها، ويَتجاوزُ عن المؤاخذةِ بها، في الدُّنيا والآخِرة، فيُسقِطُ عنه ما وجَب عليه من عُقوباتٍ، وهو رحيمٌ به إذْ عفَا عنه، ورفَع ما عليه مِن عقابٍ [708] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/402)، ((تفسير السعدي)) (ص: 230)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/322). قال السعديُّ: (فيَسقُطُ عنه ما كان للهِ، مِن تحتُّمِ القتْلِ والصَّلْبِ والقَطعِ والنَّفي، ومِن حقِّ الآدميِّ أيضًا، إنْ كان المحاربُ كافرًا ثم أسْلَم، فإنْ كان المحاربُ مُسلمًا فإنَّ حقَّ الآدميِّ لا يسقُطُ عنه من القَتْل وأخْذ المالِ، ودلَّ مفهومُ الآية على أنَّ توبة المحارب- بعد القُدرة عليه- أنها لا تُسقِط عنه شيئًا، والحكمة في ذلك ظاهرة) ((تفسير السعدي)) (ص: 230). وقال الشنقيطي: (الإجماعُ على سقوطِ حدودِ الله عنهم بتوبتِهم قبلَ القُدرة عليهم) ((أضواء البيان)) (1/399). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- يُستفادُ مِن قولِه: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا... الآية: عِظمُ جريمةِ محاربةِ اللهِ ورسولِه، وأنَّ الإنسانَ إذا حاربَ الله ورسوله فإنَّه يُخشَى عليه؛ وذلك لعِظَمِ العقوبةِ، فإنَّ عِظَمَ العقوبةِ يدلُّ على عِظَم الجريمةِ [709] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/322). .
2- قوله: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا... يقتضي وُجوبَ عِقابِ المحارِبين بما ذكر الله فيها، لأنَّ الحصرَ يفيدُ تأكيدَ النِّسبةِ [710] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/181). .
3- يُفيدُ قولُه: وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا... الآية: أنَّ اللهَ تعالى يُريدُ مِن عِبادِه أنْ يُطهِّروا الأرضَ مِن الفساد؛ ولذلك عاقَبَ الذين يَسعَونَ في الأرضِ فسادًا بهذه العقوبةِ العظيمةِ [711] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/323). .
4- ممَّا تُفيدُه الآيةُ أنَّ قُطَّاعَ الطريقِ يُجمَعُ لهم بين العُقوبةِ في الدُّنيا والآخِرَةِ؛ لقولِه: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [712] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/327). .
5- أنَّ هؤلاءِ المجرِمينَ مع عِظَمِ جُرمِهم إذا تابوا قبلَ القُدرةِ عليهم سقَطَ عنهم الحدُّ [713] يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/133). ، ويُؤخَذُ سقوطُ الحدِّ من قولِه تعالى: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [714] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/327) .
6- استُدلَّ بقولِه تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ أنَّه إذا كانتِ التوبةُ قَبلَ القُدرةِ عليه تَمنَعُ من إقامةِ الحدِّ في الحَرابةِ؛ فغيرها مِن الحدودِ- إذا تاب مِن فِعلها قبلَ القُدرةِ عليه- مِن باب أَوْلى [715] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 230). لا خلافَ بينَ الفقهاءِ في أنَّ حدَّ قطَّاع الطريقِ يسقطُ بالتوبةِ إذا تحقَّقت قبلَ القدرةِ عليهم، أما بقية الحدود فمذهبُ الحنفيةِ والشافعيةِ في مقابلِ الأظهرِ، والحنابلةِ في روايةٍ أنَّها تسقطُ بالتوبةِ أيضًا قبلَ أن تُرفعَ للحاكمِ. ينظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/133، 134). وقطَّاعُ الطريقِ وإن سقطتْ عنهم حدودُ الله تعالى بالتوبةِ قبلَ القُدرةِ عليهم، لكن يبقَى عليهم القصاصُ في النَّفس والجراحِ، وغرامةِ المالِ، والدِّية لما لا قصاصَ فيه، إلا أن يُعفى لهم عن ذلك، وهذا لا خلافَ فيه بينَ أهلِ العلمِ. ينظر ((المغني)) لابن قدامة (9/151).  .

بلاغة الآيتين:

1- قولُه: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا...: كلامٌ مُستأنفٌ سِيقَ لبيانِ حُكمِ نوعٍ من أنواعِ القتلِ، وما يَتعلَّقُ به من الفسادِ بأَخْذ المالِ ونظائرِه، وتَعيينِ موجِبِه العاجلِ والآجلِ، إثرَ بيانِ عِظَمِ شأنِ القَتلِ بغيرِ حقٍّ في قولِه: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الْأَرْضِ...، وأُدرِجَ فيه بيانُ ما أُشيرَ إليه إجمالًا من الفَسادِ المبيحِ للقَتْل [716] ينظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/31). .
2- قوله: أَنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعُ... التعبيرُ بصِيغة التفعُّل في هذه الأفعالِ؛ للمُبالغةِ في العُقوباتِ (القتل، والصلب، والقطع)، وقد قُصِد من المبالغةِ هنا إيقاعُه بدون لِين ولا رِفق؛ تشديدًا عليهم [717] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (6/183). .
3- قوله تعالى: لَهُمْ خِزْيٌ فيه تقديمٌ وتأخيرٌ؛ ليفيدَ أنَّه خاصٌّ بهم دونَ الأفرادِ الذين يَعملونَ مِثلَ عَملِهم مِن غيرِ أن يكونوا مُحارِبينَ، ومُغترِّين بالقوَّةِ والعصبيَّة [718] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (6/301). .