موسوعة التفسير

سُورَةُ البَقَرَةِ
الآيات (6-7)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ

غريب الكلمات:

أَأَنْذَرْتَهُمْ: أأعلمتهم بما تحذِّرهم منه، وأصل الإِنْذار: إخبارٌ فيه تخويف، أو الإبْلاغُ [164] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/414)، ((المفردات)) للراغب (ص: 797)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 48).   .
خَتَمَ: طبَع على الشَّيء ووسَمه، وسدَّه وربَطَه، والخاتِم بمنزلة الطَّابِع [165] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 40)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 204)، ((المفردات)) للراغب (ص: 275-276)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 48). .
غِشَاوَةٌ: غِطاء وسَاتر، مِن غشِي الشَّيءَ، أي: غَطَّاه وستَرَه [166] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 40)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 75)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/425)، ((المفردات)) للراغب (ص: 607)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 49). .

مشكل الإعراب:

قوله: إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ سواء مبتدأ مرفوع، وأأنذرتهم خبره، وجملة سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ... خبر إنَّ. ويجوز أن يكون سَوَاءٌ خبرَ إنَّ، وما بعده مرفوع بفِعله وسدَّت هذه الجملةُ مسدَّ الخبر، والتقدير: يَستوي عندهم الإنذارُ وتركُه. ويجوز أن يكون خبرُ إنَّ قولَه: لَا يُؤْمِنُونَ، وما بينهما اعتراض. وقيل غير ذلك [167] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/76)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/21)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (1/105). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِر الله عزَّ وجلَّ عن الكافرين، بأنَّ الإنذار وعدمَه عندهم سِيَّانِ، فهم سواء أُنذروا أم لم يُنذَروا، لا يُصدِّقون بما جاءهم به محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّمَ من الحق؛ وذلك أنه قد طبَع الله على قلوبهم وسمعِهم؛ فلا ينفعهم الهُدى، وجعَل على أبصارهم غطاءً، فلا يُبصرون ما يَهديهم، وجزاء هؤلاء الكافرين عذابُ النار.

تفسير الآيات:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(6).
أي: إنَّ هؤلاء الذين كفروا، يتساوى في حقِّهم كِلا الأمرين، الإنذارُ وعدمه، فهم في كِلا الحالين لا يؤمنون بما جِئتَهم به- يا أيُّها الرسولُ- من الحقِّ [168] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/262-264)، ((تفسير ابن كثير)) (1/173)، ((تفسير السعدي)) (ص: 41، 42). وقد نصَّ ابن تَيميَّة على أنَّ هذا حالُ الكفَّار ما داموا على كُفرهم؛ بسبب موانعَ تمنعهم من الإيمان، وإلَّا فإنَّ إيمانهم ممكنٌ إذا زالت تلك الموانع، بإذن الله تعالى. يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (16/584-589)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 91). ونصَّ كثيرٌ من المفسِّرين على أنَّ الآية خاصَّةٌ بقومٍ معيَّنين استمروا على كفرهم، وإلا فإنَّ هنالك من الكفار من آمن بعد نزول هذه الآية. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/258-259)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/40)، ((تفسير ابن عطية)) (1/87)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/248). .
خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ(7).
خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ.
أي: طَبَع اللهُ عليها، فلا يَنتفعون بهُدى [169] قال القرطبيُّ: (الأمَّة مجمِعة على أنَّ الله تعالى قد وصف نفْسَه بالختم والطَّبع على قلوبِ الكافرين؛ مجازاةً لكفرهم، كما قال تعالى: بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ [النساء: 155] ) ((تفسير القرطبي)) (1/187). يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/265-267)، ((تفسير ابن كثير)) (1/174-175)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/38). .
وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ.
أي: عليها غِطاء، فلا يُبصرون هُدًى [170] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/269-272)، ((تفسير ابن كثير)) (1/175). .
وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ.
أي: عذابُ النَّار [171] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 42)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/37). .

الفَوائِد التربويَّة:

على المسلم أن يتفقَّدَ قلبَه؛ فهو محلُّ الوعي، ومَن لا يشعُر بالخوف عند الموعظة، ولا بالإقبال على الله تعالى، فإنَّ فيه شَبهًا من الكفَّار الذين لا يتَّعظون بالمواعظ، ولا يُؤمِنون عند الدَّعوة إلى الله عزَّ وجلَّ، كما قال سبحانه عنهم: خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ [172] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/38). .

الفوائد العلميَّة واللَّطائف:

1- في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ...، تسليةٌ للرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ حين يردُّه الكفَّار، ولا يَقبلون دعوتَه [173] يُنظر: ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/37). .
2- في قوله سبحانه: خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ، قيل: جمَع القلوب والأبصار، ووحَّد السَّمع لوجوه:
أحدها: أنه وحَّد السَّمع؛ لأنَّ لكلِّ واحد منهم سمعًا واحدًا، كما يقال: أتاني برأس الكبشين، يعني رأس كلِّ واحد منهما، يُقال ذلك إذا أُمِن اللبس.
الثاني: أنَّ السَّمع مصدرٌ في أصله، والمصادر لا تُجمع، يقال: رَجُلان صَوْمٌ، ورجالٌ صَومٌ، فرُوعي الأصل؛ ومما يدلُّ على ذلك جمع الأذن في قوله: وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ [فصلت: 5] .
الثالث: أن نُقدِّر مضافًا محذوفًا، أي: وعلى حواسِّ سمعهم.
الرابع: أنَّ ما قبل لفظ السَّمع وما بعدَه ذُكر بلفظ الجمع، وذلك يدلُّ على أنَّ المراد منه الجمع أيضًا [174] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (2/295). .

بلاغة الآيات:

1- في قوله: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
- في قوله: أأنذرتهم عدَل عن المصدر (إنذارهم) إلى الفعل؛ لما فيه من إيهام التجدد [175] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (1/41). .
- في قوله: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ حسُن دخول الهمزة، و(أَمْ)؛ لتقرير معنى الاستواء وتأكيده [176] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (1/41). .
2- قال تعالى: خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ في قوله: وَعَلَى سَمْعِهِمْ تكرَّر حرْف الجر؛ لتأكيد المعنى؛ فهم لا يَسمعون حقَّ السَّمع [177] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (1/96). .
3- قوله: وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ جاءت غِشَاوَةٌ نكرة؛ للتفخيم والتهويل، وليفيد أنَّ على أبصارهم نوعًا من الأغطية غير ما يتعارفه الناس، وهو غطاءُ التعامي عن آيات الله تعالى [178] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/53)، ((تفسير أبي السعود)) (1/38). .
4- في قوله: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ تنكير عَذَابٌ؛ للتفخيم والتهويل والمبالغة، وللإشارة إلى أنَّه نوعٌ منه مجهول الكمِّ والكيف. ووصفُه بـعَظِيمٌ؛ لتأكيد ما يُفيده التنكيرُ في عَذَابٌ، ولدفْع الإيهام بقلَّته ونُدرته، ولتأكيد أنَّه بالغٌ حدَّ العظمة، وأنَّ لهم من بين الآلام العِظام نوعًا عظيمًا لا يعلم كُنهَه إلا اللهُ [179] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/53)، ((تفسير أبي حيَّان)) (1/84)، ((تفسير أبي السعود)) (1/39)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/29). .