موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الرابعُ: حَذفُ المنعوتِ والنَّعتِ


أولًا: حَذفُ المنعوتِ
إذا عُلِم المنعوتُ جاز حذْفُه وإقامةُ النَّعتِ مَقامَه، بشَرطِ أن يَصِحَّ مُباشرةُ النَّعتِ للعامِلِ، كقَولِه تعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات: 48] ، أي: جَوارٍ قاصراتُ الطَّرْفِ، فحُذِفَ ذِكرُ الجواري؛ للعِلمِ بها، وجوازِ مُباشِرةِ النَّعتِ للعَمَلِ، وقَولِه تعالى: أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ [سبأ: 11] ، أي: دروعًا سابغاتٍ، وقَولِه تعالى: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر: 32] ، أي: منهم فريقٌ ظالمٌ، وفريقٌ مُقتَصِدٌ، وفريقٌ سابِقٌ بالخيراتِ، وقَولِه تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا [التوبة: 82] ، أي: فليضحكوا ضَحِكًا قليلًا، وليبكوا بُكاءً كثيرًا.
فإن لم يَصِحَّ مُباشرةُ النَّعتِ للعامِلِ لم يَجُزْ حَذْفُه، فلا يقال: رأيتُ عظيمًا؛ لأنَّه لا يُفهَمُ المنعوتُ؛ أهو رجلٌ أم جَبَل أم حَجَر أم غيرُ ذلك.
وكذلك الجُمَلُ، فإنَّها لا تصلُحُ لمُباشَرةِ العَمَلِ؛ فلا يقالُ: رأيتُ يجري. إلَّا أن يكونَ المنعوتُ بعضَ ما قَبْلَه من مجرورٍ بـ"مِن"؛ قالوا: "ما منهما مات حتى رأيتُه يفعَلُ كذا"، أي: ما منهما أحدٌ مات. ومنه في شِبهِ الجُملةِ كذلك قَولُه تعالى: وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ [الجن: 11] ، أي: منا فريقٌ دونَ ذلك.
ثانيًا: حذفُ النَّعتِ
يصِحُّ حَذفُ النَّعتِ كذلك إذا كان معلومًا ويجوزُ الاستغناءُ عنه، بشَرطِ أن تدُلَّ عليه قرينةٌ حاليَّةٌ، كقَولِه تعالى: وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [الكهف: 79] ؛ فإنَّ المقصود: مَلِكٌ ظالمٌ يأخُذُ كُلَّ سفينةٍ صالحةٍ غَصْبًا، ولو لم يكُنْ ظالِمًا لما أخذ، ولو كان يأخُذُ كُلَّ السُّفُنِ لَمَا أغنى خَرقُها شَيئًا.
ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
وقد كنتُ في الحَربِ ذا تُدْرَأٍ
فلم أُعطَ شَيئًا ولم أُمنعِ
أي: شيئًا ذا قِيمةٍ.
وقد تكونُ القرينةُ مقاليَّةً، كقَولِه تعالى: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 95] ؛ فقَولُه: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً حُذِفَ فيه نعتُ الْقَاعِدِينَ، وأصلُه: القاعدين من أُولي الضَّرَرِ، وفي قَولِه: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا حَذفٌ لنَعتِ القاعدين أيضًا، أي: القاعدينَ مِن غيرِ أُولي الضَّرَرِ يُنظَر: ((إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك)) لبرهان الدين ابن القيم (2/ 600)، ((شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو)) لخالد الأزهري (2/ 127). .

انظر أيضا: