موسوعة اللغة العربية

المَطْلَبُ الأوَّلُ: مطابقةُ النعتِ للمنعوتِ


يجِبُ في النَّعتِ أن يطابِقَ المنعوتَ في التعريفِ والتنكيرِ، والإفرادِ والتثنيةِ والجَمعِ، والتذكيرِ والتأنيثِ.
فلا تُنعَتُ المَعرِفةُ بنَكِرةٍ؛ لئلا يُظنَّ طروءُ التنكيرِ عليها، بل تُنعَتُ المَعرِفةُ بالمَعرِفةِ. تَقولُ: بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ؛ فإنَّ (الرَّحمنَ والرَّحيمَ) نعتانِ لاسمِ الجلالةِ.
ولا تُنعَتُ النَّكِرةُ بمَعرِفةٍ؛ فإنَّ النَّكِرةَ تفيدُ الشُّيوعَ والإبهامَ، ونعْتُها بالمَعرِفةِ يخالِفُ إبهامَها وشيوعَها، فيَحصُلُ التَّعيينُ؛ فلهذا لا تُنعَتُ إلَّا بنكرةٍ مِثْلِها. تَقولُ: مررتُ بقومٍ كِرامٍ.
ولا يُنْعَتُ بالجُملةِ إلَّا النَّكِراتُ؛ لأنَّ الجُملةَ تُشبِهُ النَّكِرةَ في إبهامِها وشُيوعِها، تَقولُ: رأيتُ رجُلًا يداه مقطوعتان.
رأيتُ: رأى: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لاتِّصالِه بتاء الفاعِل، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ.
رجلًا: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
يَداه: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الألِفُ؛ لأنَّه مُثَنًّى، والهاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
مقطوعتان: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الألف؛ لأنَّه مُثَنًّى. وجُملة "يداه مقطوعتان" في مَحَلِّ نصبٍ نَعتٌ.
ومنه قَولُه تعالى: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا [البقرة: 151] ، وقَولُه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [يوسف: 109] ، وقَولُه تعالى: وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى [يس: 20] ، وقَولُه تعالى: وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ [غافر: 28] .
فإذا كان الاسمُ مَعرِفةً كانت الجُملة بَعْدَه حالًا، إلَّا أن يكونَ الاسمُ مُعرَّفًا بـ(أل) الجِنسيَّةِ؛ فإنَّه يُعامَلُ حينَئذٍ مُعامَلةَ النَّكِرة؛ فتكونُ الجُملةُ بَعْدَه نعتًا له؛ كقَولِه تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ [يس: 37] ؛ فإنَّ اللَّيلَ هنا ليْس ليلًا بعينِه، وإنَّما المرادُ جِنسُ اللَّيلِ، فكانت الجُملةُ بَعْدَه في مَحَلِّ رَفعٍ نعْتٌ. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
ولقد أمرُّ على اللَّئيمِ يَسُبُّني
فمضَيْت ثُمَّتَ قُلتُ لا يَعنِينِي
فاللَّئيمُ هنا يُراد به جِنسُ اللئيمِ؛ فلهذا كانت الجُملة بَعْدَه في مَحَلِّ جرٍّ نَعتٌ.
ويُشتَرَطُ في الجُملةِ الواقِعةِ نعتًا أنْ تشتَمِلَ على ضَميرٍ يعودُ على المنعوتِ. تَقولُ: مررتُ برجلٍ أبوه كريمٌ؛ فالهاءُ في "أبوه" عائدةٌ على "رجل" المنعوتِ. لكِنْ قد يُحذَف هذا الضَّميرُ للعِلمِ به، كقَولِ الشَّاعِرِ:
فما أدري أَغَيَّرَهُم ثناءٌ
وطولُ العَهدِ أم مالٌ أصابوا
فإنَّ جُملةَ "أصابوا" نعت لـ"مال"، وأصلها: أصابوه، فحُذِف الضَّميرُ العائِدُ على المنعوتِ للعِلمِ به.
ولا يُنعَتُ بالجُملةِ الإنشائيَّةِ، وإنما بالخَبَريَّةِ التي تحتَمِلُ التصديقَ والتكذيبَ؛ فلا يُنعَتُ بالنَّهيِ ولا الاستفهامِ ولا الترجِّي ولا نحوِ ذلك. فإن جاءت جُملةٌ على تلك الصورةِ فإنها تُؤَوَّلُ، كقَولِ الشَّاعِرِ:
حتى إذا جَنَّ الظَّلامُ واختلط
جاؤوا بمَذْقٍ هل رأيتَ الذِّئبَ قَطّْ
فإنَّ تأويلَه: جاؤوا بمَذْقٍ مَقولٍ فيه عند رؤيتِه: هل رأيتَ الذِّئبَ قَطُّ؟
ويطابِقُ النعتُ منعوتَه في العَدَدِ كذلك. تَقولُ: رجلٌ حَسَنٌ، ورجالٌ حِسانٌ، ورجلانِ حَسَنانِ، وفي التذكيرِ والتأنيثِ: تَقولُ: رَجُلٌ حَسَنٌ وامرأةٌ حَسَنةٌ، ورِجالٌ حِسان، ونِساءٌ حَسَناتٍ.
فإن كان النعتُ سببيًّا (وهو المشتقُّ العامِلُ في معمولِه)؛ فإن لم يرفَعْ ما بَعْدَه وجب أيضًا إتباعُه. تَقولُ: امرأةٌ حسنةُ الوَجهِ، ورجالٌ حِسانُ الوُجوهِ.
أمَّا إنْ رَفَع ما بَعْدَه جاز فيه موافَقةُ ما بَعْدَه في التذكيرِ والتأنيثِ مع الإفرادِ؛ فيُقالُ: مررتُ برِجالٍ حَسَنةٍ وُجوهُهم، وبامرأةٍ حَسَنٍ وَجْهُها، كما يقال: حَسُنَتْ وجوهُهم، وحَسُنَ وَجهُها، وجاز فيه جمعُه موافقةً لِما بَعْدَه، لكن جمعَ تكسيرٍ؛ فيقال: مررتُ برَجُلٍ كريمٍ آباؤه، وكرامٍ آباؤُه، وجاز فيه أيضًا موافقَتُه في التثنيةِ والجمعِ السَّالمِ على لُغةِ (أكلوني البراغيثُ) فيُقال: مررت برجُلٍ حَسَنِينَ غِلْمانُه، وكريمَينِ أبواه.
النَّعتُ بالمَصْدَرِ
يُنعَتُ بالمَصْدَر كثيرًا، فيَبْقى على حالِه مِن الإفرادِ والتذكيرِ. تَقولُ: رَجُلٌ رِضًا، وامرأةٌ رِضًا، ورجالٌ رِضًا، ورَجُلانِ رِضًا، ورَجُلٌ عَدْلٌ، وامرأةٌ عَدْلٌ، ونِسوةٌ عَدْلٌ...
وهذا أصلُه بحَذفِ المضافِ وإقامةِ المُضافِ إليه مقامَه؛ فإنَّ أصْلَه: رجلٌ ذو رِضًا، وامرأةٌ ذاتُ رِضًا، ورجالٌ ذَوُو رِضًا، ورَجُلانِ ذَوَا رِضًا ... فحذفوا المضافَ وأقاموا المُضافَ إليه مقامَه، وأخَذَ حُكمَه الإعرابيَّ، كما ذكَرْنا في المجروراتِ بالإضافةِ.
أو إنَّ المصدَرَ وُضِعَ مَوضعَ المشتَقِّ، فيكون بمعْنى اسمِ الفاعلِ إنْ كان قائمًا بالمنعوتِ، أو بمعْنى اسمِ المفعولِ إنْ كان واقعًا على المنعوتِ، فقولُك: رِضًا بمعْنى مَرضِيٍّ، وعدْلٌ بمعنى عادلٌ، فالأولُ بمعْنى اسمِ المفعولِ، والثاني بمعْنى اسمِ الفاعلِ.
أو إنَّه نُعِت به مُبالَغةً؛ فالنَّعتُ دالٌّ على صِفةٍ وصاحبِها، فقولُك: مرَرتُ برجُلٍ قائمٍ؛ فـ(قائم) دالٌّ على صِفةٍ، وعلى ذاتٍ، وهي صاحبةُ الصِّفةِ، فجعَلْنا هذا المنعوتَ نفْسَ المصدرِ مِن بابِ المبالَغةِ، وكأنَّه نفْسُ ذلك المنعوتِ، فقولُك: هذا رجُلٌ عدْلٌ، جعلْتَ العدْلَ كأنَّه هذا الرَّجلُ.

انظر أيضا: