موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثَّالثُ: أحكامُ الفاعِلِ


1- أن يكون مرفوعًا، ويجوزُ أن يكونَ الفاعِلُ مجرورًا لفظًا بحرفِ الجَرِّ الزَّائدِ، مرفوعًا محلًّا، نَحوُ: (كفى باللهِ وكيلًا).
الإعراب:
كفى: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ المقدَّرِ منع من ظهورِه التعَذُّرُ.
بالله: الباءُ حَرفُ جَرٍّ زائد، و«اسمُ الجلالة» فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّة، منع من ظُهورِها اشتغالُه بحركة حرفِ الجَرِّ الزَّائدِ. أو: اسمٌ مَجرورٌ لفظًا مرفوعٌ محلًّا على الفاعِليَّةِ.
وكيلًا: تمييزٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ
أو مجرورًا بإضافةِ المَصْدَر، نَحوُ: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ [البقرة: 251] ، فاسمُ الجلالةِ مُضافٌ إلى المَصْدَرِ «دفْع»، وهو فاعِلٌ في المعنى، ويقال في الإعراب: مُضافٌ إليه من إضافةِ المَصْدَر إلى فاعِلِه يُنظَر: ((أوضح المسالك)) (2/78). .
2- أن يتقدَّمَه عاملُه عليه، فلا يجوز تقدُّم الفاعلِ على فِعلِه، فإن تقدَّم فلا يُعرَبُ فاعلًا، بل مُبتَدَأً، نَحوُ: (زيدٌ قامَ).
زيد: مُبتَدَأٌ مرفوع بالابتداءِ وعلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
قام: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ، والفاعِلُ ضميرٌ مُستَتِرٌ تقديره (هو)، والجُملة (قام) في مَحَلِّ رَفعٍ خبر المبتدأ.
أمَّا في نحْوِ قَولِه تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ [التوبة: 6] وإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق: 1] ، فكَلِمة: (أحَدٌ / السَّماءُ) تُعرَبُ فاعِلًا لفِعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه المذكور بَعْدَه، فيكونُ تقديرُ الكلامِ: (وإن استجارك أحدٌ من المشركين استجارك / إذا انشقَّت السماءُ انْشَقَّت) ، ولا يكونُ مُبتدَأً؛ لأنَّ أداةَ الشَّرْطِ (إنْ / إذا) مختصَّةٌ بالجُملةِ الفِعْليَّةِ يُنظَر: ((شرح تسهيل الفوائد)) لابن مالك (2/107). .
3- أن يتجرَّدَ عامِلُه من علامةِ التثنيةِ أو الجَمعِ إذا كان الفاعِلُ اسمًا ظاهرًا مُثَنًّى أو جمعًا، فيجِبُ أن يَلزمَ الفِعْلُ حالةَ الإفرادِ فحسْبُ؛ فتَقولُ: جاء زيدٌ، وجاءت فاطمةُ، وجاء الزيدانِ، وجاء الزَّيدون، وجاء الهِنداتُ.
على أنَّ بَعضَ العَرَبِ يخالِفُ ذلك، فيُثَنِّي الفِعْلَ ويجمَعُه إذا كان الفاعِلُ مُثَنًّى أو جمعًا، فيقول: قاما الزَّيدانِ، وقاموا الرِّجالُ. وتُسَمَّى هذه اللُّغةُ بلُغةِ (أكلوني البراغيثُ)؛ إذ الشَّائعُ والأكثر: (أكلَتْني) بتجَرُّد الفِعْل من علامةِ التثنيةِ والجمعِ. مِثلُ قَولِ الشَّاعِرِ:
تولَّى قِتالَ المارِقين بنَفْسِه
وقد أسْلَماه مُبْعَدٌ وحَميمُ
فالأصلُ: (أسلَمَه)، لكنه ثنَّى الفِعْلَ؛ لأنَّ الفاعِلَ شَخصان. وعلى تلك اللُّغةِ حُمِلَ قَولُه تعالى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ [المائدة: 71] ؛ على أنَّ "كثير" فاعِلٌ للفعلينِ أو لأحَدِهما، والفِعْلانِ أضيف إليهما علامةُ الجَمعِ. وقَولُه تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء: 3] ؛ فإن "الذين" فاعِلٌ لـ(أسرُّوا). على أنَّ في الآيتين إعرابًا آخر يَخرُجُ بهما أن يكونا من تلك اللُّغةِ، وذلك بحَملِ واو الجماعةِ فيهما على أنَّها الفاعِلُ، و"كثيرٌ" و"الذين" بدلٌ من الواو، أو يكونا مُبتَدَأً، والجُملةُ قبلهما خَبَرًا يُنظَر: ((الدر المصون في علوم الكتاب المكنون)) للسمين الحلبي (4/ 370). .
وجاء مِن السُّنَّةِ أيضًا على تلك اللُّغةِ قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «يَتعاقَبون فيكم ملائِكةٌ باللَّيلِ وملائِكةٌ بالنَّهارِ » أخرجه البخاري (555)، ومسلم (632)، عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (2/ 116)، ((التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل)) لأبي حيان (6/ 202). .
4- يَسُدُّ الفاعلُ مسَدَّ الخَبَر حين يكون المُبتَدَأُ وصْفًا بشروطِه -وستأتي في باب المُبتَدَأِ والخَبَر-، مِثلُ: أقائمٌ أبوك؟ فإنَّ "قائم": مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، أبوك: فاعِلٌ بـ "قائم" سَدَّ مَسَدَّ الخَبرِ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الواو؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ، والكاف ضَميرٌ مَبْنيٌّ في مَحلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
5- أنه لا يجوزُ حَذفُه، ولا يُتوهَّمُ ذلك؛ فإمَّا أن يكونَ الفاعِلُ ظاهرًا مثل: قام زيدٌ، أو ضميرًا مستترًا عائدًا على مذكورٍ قَبْلَه، تَقولُ: ضرب زيدٌ أخاه وأخَذ حقيبَته؛ فإنَّ فاعِلَ "أخذ" ضَميرٌ مُستَتِرٌ عائد على (زيد) المذكورِ قَبلَه. وقد يكونُ مستترًا عائدًا على ما يدُلُّ عليه الفِعْلُ، ومنه في الحديثِ: «لا يزني الزَّاني حين يزني وهو مؤمِنٌ، ولا يَشرَبُ الخَمرَ حين يشرَبُها وهو مؤمِنٌ »؛ ففاعِلُ "يَشرَبُ" ضَميرٌ مُستَتِرٌ يعودُ على "الشارب" كما ظهر من الفِعْلِ. وقد يرجع الضَّميرُ المستترُ إلى اسمٍ محذوفٍ دلَّ عليه الكلامُ أو ظاهِرُ الحالِ، نَحوُ قَولِه تعالى: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [القيامة: 26] ؛ فإن فاعل الفِعْل "بلغَت" ضَميرٌ مُستَتِرٌ يرجع إلى الرُّوح، أي: كلَّا إذا بلغت الرُّوحُ التراقِيَ، وقد دلَّ عليها معنى الكلامِ يُنظَر: ((أوضح المسالك)) لابن هشام (2/84). .

انظر أيضا: