موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الرابعُ: الرُّتبةُ بين الفاعِلِ والمفعولِ


ذكَرْنا أنَّ الأصلَ بين الفِعْلِ والفاعِلِ أن يتأخَّرَ الفاعِلُ عن فِعلِه، فلا يجوزُ أن يتقدَّمَ الفاعِلُ على فِعْلِه. وهنا نذكُرُ حُكمَ تقَدُّمِ الفاعِلِ على المفعولِ وتأخُّرِه عنه:
الأصْلُ تقدُّمُ الفاعِلِ على المفعولِ به، تَقولُ: أكَلَ محمدٌ الطعامَ، ضربَ زيدٌ الهِرَّةَ، لكنَّه قد يتأخَّرُ، ويتقدَّمُ المفعولُ.
وله ثلاثُ حالاتٍ:
1- وجوبُ تَقديمِ الفاعِلِ، وذلكَ في ثلاثةِ مواضِعَ:
أ- إذا لم يُؤمَنِ اللَّبْسُ في تمييزِ الفاعِلِ عن المفعول، نَحوُ: زارَ مُوسى عِيسى؛ فإن "موسى" هنا هو الفاعِلُ، ولا يجوزُ أن يكونَ الفاعِلُ "عيسى"؛ لأنَّا لو أجَزْنا تقديمَ المفعولِ لالتبس لدينا العِلمُ بالفاعِلِ من المفعولِ، فلا ندري مَن زار الآخَرَ. ومثل: أكْرَمَ أبِي صَديقِي، فلا بُدَّ أن يكون (أبي) الفاعِلَ، و(صَديقِي) المفعولَ، ولو عكَسْنا لاختلف المعنى.
ب- إذا كان المفعولُ محْصورًا بـ"إلَّا" أو "إنَّما"، مِثلُ: ما ضرب زَيدٌ إلَّا عَمرًا؛ فإنَّ المعنى هنا: أنَّ زيدًا لم يضرِبْ غيرَ عَمرٍو، وربما يكونُ قد ضرَب عَمرًا غيرُ زيدٍ أيضًا، لكن لو قدَّمت لتغيَّرَ المعنى، فقَولُك: ما ضرَب عَمرًا إلَّا زيدٌ، يعني أنَّ زيدًا وحْدَه هو الذي ضرَب عَمْرًا، فاختلف المعنى.
ج- إذا كان الفاعِلُ ضميرًا مُتَّصِلًا والمفعولُ به اسمًا ظاهرًا، نَحوُ: أكرمتُ زيدًا.
2- وجوبُ تَأخيرِ الفاعِلِ، وذلكَ في ثلاثةِ مواضِعَ أيضًا:
أ- إذا اتَّصلَ بالفاعِلِ ضميرٌ يعودُ على المفعولِ، نَحوُ قَولِه تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة: 124] ؛ فإن الهاء في "ربُّهُ" عائدةٌ على إبراهيمَ، ولا يجوزُ أن يعودَ الضَّميرُ على متأخِّرٍ لفظًا ورُتبةً، ومِثلُ قولك: حمَلَ الحقيبةَ صاحبُها، هدَمَ العمارةَ بانِيها.
ب- أنْ يكونَ المفعولُ ضميرًا مُتَّصِلًا والفاعِلُ اسمًا ظاهرًا، مِثلُ: أكرمَك زيدٌ؛ فإنَّ الكافَ ضَميرٌ مَبْنيٌّ في مَحلِّ نصْبٍ مفعولٌ به مُقدَّمٌ وُجوبًا.
ج- إذا كان الفاعِلُ محصورًا بـ"إلَّا" أو "إنما"، مِثلُ: إنَّما ضرب زيدًا عَمْرٌو، وذلك إذا أردت أنَّ زيدًا وحْدَه هو الذي ضرَب عَمْرًا.
3- جوازُ تأخيرِ الفاعِلِ: وهو إذا تجرَّد من تلك الأشياء التي توجِبُ تقديمه أو توجِبُ تأخيرَه. تَقولُ: أكرمَ محمدٌ عليًّا، وأكرم عليًّا محمَّدٌ، ومنه قَولُه تعالى: وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ [القمر: 41] يُنظَر: ((توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك)) للمرادي (2/ 595). .

انظر أيضا: