موسوعة اللغة العربية

الفَصلُ الثَّالِثُ: يَحْيَى بنُ يَعْمَرَ (ت: 90 هـ)


أبو سُلَيمَان، ويقال: أبو سعيدٍ، ويقال: أبو عَدِي، يَحيى بنُ يَعْمَرَ بن قَيْس بنِ عَيْلَان، الوَشْقِي البَصْري، اللُّغَويُّ، الفقيهُ العلَّامةُ، المُقْرِئ، القاضي، العَدْواني.
مِن مشايخِه:
عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعائشة، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة. وأخذ النحْوَ عن أبي الأَسْوَدِ الدُّؤَلي.
ومِن تَلامِذَتِه:
قتادةُ السَّدُوسِي، وسليمان التيمي، وابن بريدة، وعلى بن زيد بن جدعان، ويحيى بن عقيل، وإسحاقُ بنُ سُويَد العَدَوي.
عَقيدتُه:
قال ابنُ خَلِّكانَ: (كان شيعيًّا من الشِّيعةِ الأُولى القائِلينَ بتَفضيلِ أهلِ البَيتِ مِن غَيرِ تَنقيصٍ لذي فَضْلٍ مِن غَيرِهم) [10] ينظر: ((وفيات الأعيان)) (6/ 173). .
واتَّهمه ابنُ دِحيةَ بالقولِ بالقَدَرِ، فقال: (ضالٌّ مُضِلٌّ، عجَّزَ اللهَ، وقال: نحنُ أقدرُ منه، وهو قولُ الجَهميَّةِ بأجمعِهم) [11] ينظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (4/416). .
ولم يَتابعْه أحدٌ على قولِه هذا، ويُبَرِّئ يَحْيى بنَ يَعْمَرَ حديثُه المشهورُ الذي رواه مُسلِمٌ عنه، قال: (كانَ أوَّلَ مَن قالَ في القَدَرِ بالبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الجُهَنِيُّ، فانْطَلَقتُ أنا وحُمَيدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ الحِمْيَرِيُّ حاجَّيْنِ -أو مُعْتَمِرَيْن- فقُلْنَا: لوْ لَقِينَا أحدًا مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ، فسَأَلْنَاه عمَّا يقولُ هؤلاءِ في القَدَرِ، فوُفِّقَ لنا عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ داخِلًا المَسجِدَ، فاكْتَنَفْتُه أنا وصاحِبِي؛ أحَدُنا عن يَمِينِه، والآخَرُ عن شِمَالِه، فظَنَنْتُ أنَّ صاحِبِي سَيَكِلُ الكلامَ إلَيَّ، فقلْتُ: أبا عبدِ الرَّحمنِ إنَّه قدْ ظَهَرَ قِبَلَنا ناسٌ يَقْرَؤُون القرآنَ، ويَتَقَفَّرُون العِلمَ، وذَكَرَ مِن شَأْنِهم، وأنَّهُم يَزْعُمون أنْ لا قَدَرَ، وأنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ... الحديثَ [12] رواه مسلم (8). . فكيف يَذهَبُ إلى ابنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما يَسأَلُه عن ذلك، ثمَّ يُخبِرُه ابنُ عُمرَ بحُكمِهم وأنَّه يَتبرَّأُ منهم، ثمَّ يَروي يَحْيى هذا الحديثَ، ثمَّ يَصِيرُ قَدَرِيًّا؟!
مَنزِلتُه ومكانتُه:
كان يحيى بنُ يَعْمَرَ مِن أوعيةِ العِلمِ مأمونًا، عالِمًا بالقِراءةِ والحديثِ، والفِقهِ، والعربيَّةِ ولُغَاتِ العَرَبِ، وله كلامٌ مَحْفُوظٌ يُنْسَبُ فيه إلى التَّقعُّرِ.
وقد خَرَج مِن البَصْرةِ إلى خُرَاسَان، فنَزَل مَرْوًا، ووَلِيَ القَضاءَ بها.
وذُكِرَ: أنَّ الحَجَّاجَ قال لابن يَعْمَرَ: أَتَسْمَعُنِي ألحنُ على المِنبَرِ؟ قال: الأميرُ أفصَحُ من ذلك. فقال: عزمتُ عليك أتَجِدُني ألْحَنُ؟ فقال يحيى: نَعَمْ، فقال له الحَجَّاجُ: في أيِّ شيءٍ؟ قال: في كتابِ اللهِ تعالى، قال الحَجَّاجُ: ذلك أشنَعُ له، فما هو؟! قال: تقولُ: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ [التوبة: 24] ، فتقرؤها: "أَحَبُّ" بالرَّفعِ، والوَجهُ أن تُقرَأَ بالنَّصبِ على خبرِ (كان). قال: لا جَرَم! لا تسمَعُ لي لحنًا أبدًا، فَألْحَقَه بخُرَاسَانَ وعليها يَزيدُ بنُ المُهَلَّبِ.
فكتب يَزيدُ إلى الحجَّاجِ: إنَّا لَقِينا العدوَّ، فمَنَحَنا اللهُ أكْتَافَهم، فَأَسَرْنا طائفةً، وقَتَلْنا طائفةً، واضْطَررناهم إلى عُرْعُرةِ الجَبَلِ، ونحن بحَضِيضِه وأثناء الأنهارِ. فلمَّا قرأ الحجَّاجُ الكتابَ قال: ما لابنِ المهلَّبِ ولهذا الكلامِ! -حَسَدًا له-. فقيل له: إنَّ ابنَ يعمرَ هناك. قال: فَذَاك إذَنْ.
وتخاصم رَجُلٌ مع آخَر إلى ابنِ يَعْمَر، فقال: (أصلَحَك اللهُ، إنَّه باعني غُلامًا بَيَّاقًا، فقال يحيى: لو قُلْتَ: أَبُوقًا!)، قال أبو حاتم: (كذا الصَّوابُ، رجلٌ أَبُوقٌ، وأَبَّاقٌ، وآبِقٌ. يقال: أَبَقَ يَأْبِقُ. والعامَّة تقول: يأبَق، وهو خطأٌ).
ورُوِيَ أنَّ الحَجَّاجَ بنَ يُوسُفَ الثَّقَفيَّ بَلَغَه أن يَحْيَى بن يَعْمَرَ يقول: (إنَّ الحسَنَ والحُسَينَ رَضِيَ اللهُ عنهما من ذُرِّيَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، وكان يَحْيَى يومئذٍ بخُرَاسَان، فَكَتَب الحَجَّاجُ إلى قُتَيْبةَ بنِ مُسْلِم والي خُرَاسَان أنِ ابْعَث إليَّ بيحيى بن يَعْمَرَ، فبعث إليه، فقام بين يدَيْه، فقال: (أنت الذي تزعُمُ أنَّ الحَسَنَ والحُسَينَ مِن ذُرِّيةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واللهِ لألقيَنَّ الأكثَرَ منك شعْرًا، أو لتخرجَنَّ من ذلك، قال: فهو أَمَانِي إِنْ خَرَجْتُ. قال: نعم. قال: فإنَّ اللهَ جَلَّ ثناؤه يقولُ: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى الآية [الأنعام: 84-85] ، قال: وما بين عيسى وإبراهيمَ أكثرُ مما بين الحسَنِ والحُسَينِ ومحمَّدٍ صلواتُ اللهِ عليه وسلامُه، فقال له الحَجَّاجُ: ما أراك إلا قد خَرَجْتَ، واللهِ لقد قرأتُها وما عَلِمتُ بها قطُّ).
ومِن شِعْرِه:
أَبَى الأَقْوَامُ إلَّا بُغْضَ قَوْمِي
قَدِيمًا أَبْغَضَ النَّاسُ السَّمِينَا
وفاتُه:
قيل: سَنَة تِسعين. وقيل: سنةَ تِسعٍ وثمانين. وقيل: سنة تِسعٍ وعشرينَ ومِائةٍ بخُراسان [13] يُنظَر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (7/ 368)، ((التاريخ الكبير)) للبخاري (8/ 311)، ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 29)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحَمَوي (6/ 2836)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (6/ 173)، ((تهذيب الكمال)) للمزي (32/ 53)، ((تذكرة الحفاظ)) للذهبي (1/ 75)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/ 441)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (241)، ((تهذيب التهذيب)) لابن حجر (11/ 264)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (2/ 345)، ((الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة)) لمجموعة باحثين (3/ 2917). .

انظر أيضا: