الموسوعة العقدية

المطلبُ الثَّاني: من واجِباتِ الإمامِ تِجاهَ الرَّعيةِ الحُكْمُ بما أنزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ

قال اللَّهُ تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58] .
قال ابنُ عَطِيَّةَ: (هو للنَّبيِّ عليه السَّلامُ وأُمَرائِه، ثُمَّ يَتَناوَلُ مِن بَعدِهم) [1359] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (2/70). .
وقال أيضًا: («العَدْلُ» هو فِعلُ كُلِّ مَفروضٍ من عَقائِدَ وشَرائِعَ وسَيْرٍ مَعَ النَّاسِ في أداءِ الأماناتِ، وتَركِ الظُّلمِ، والإنصافِ وإعطاءِ الحَقِّ) [1360] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/416). .
وقال الخازِنُ: (قيلَ: الخِطابُ في قَولِه: إنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا لولاةِ أُمورِ المُسلِمينَ من الأُمَراءِ والحُكَّامِ وغَيرِهم، ويَدُلُّ على ذلك سياقُ الآيةِ، وهو قَولُه: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ومَعنى الآيةِ: إنَّ اللهَ يَأمُرُكُم يا وُلاةَ الأمورِ أن تُؤَدُّوا ما ائتُمِنْتُم عليه من أُمورِ رَعيَّتِكُم، وأنْ تَوفُّوهم حُقوقَهم وأن تَعدِلوا بَينَهم، وقيلَ: إنَّ الآيةَ عامَّةٌ في جَميعِ الأماناتِ...
وقَولُه تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ يَعني: وإنَّ اللهَ يَأمُرُكُم أن تَحْكُموا بَينَ النَّاسِ بالعَدْلِ... وحاصِلُ الأمرِ فيه أن يَكونَ مَقصودُ الحاكِمِ بحُكمِه إيصالَ الحَقِّ إلى مُستَحِقِّه وألَّا يَمتَزِجَ ذلك بغَرَضٍ آخَرَ) [1361] يُنظر: ((تفسير الخازن)) (1/391). .
وقال ابنُ عاشورٍ: (جُملةُ إِنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ صَريحةٌ في الأمرِ والوُجوبِ... والخَطابُ لكُلِّ مَن يَصلُحُ لتَلَقِّي هذا الخِطابِ والعَمَلِ به من كُلِّ مُؤتَمَنٍ على شَيءٍ، ومن كُلِّ مَن تَوَلَّى الحُكمَ بَينَ النَّاسِ في الحُقوقِ...
والعَدْلُ: مُساواةٌ بَينَ النَّاسِ أو بَينَ أفرادِ أمَّةٍ في تَعيينِ الأشياءِ لمُستَحِقِّها، وفي تَمكينِ كُلِّ ذي حَقٍّ من حَقِّه) [1362] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (5/91-95). .
وقال اللهُ سُبحانَه: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص: 26] .
قال ابنُ كَثيرٍ: (هذه وصيَّةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لوُلاةِ الأمورِ أن يَحكُموا بَينَ النَّاسِ بالحَقِّ المُنزَلِ من عِندِه تَباركَ وتعالى، ولا يَعدِلوا عنه فيَضِلُّوا عن سَبيلِه، وقد تَوَعَّدَ اللَّهُ تعالى من ضَلَّ عن سَبيلِه وتَناسَى يَومَ الحِسابِ، بالوَعيدِ الأكيدِ والعَذابِ الشَّديدِ) [1363] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/62). .
قال الشَّافِعيُّ: (قال اللَّهُ تَباركَ وتعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص: 26] .
وقال لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أهلِ الكِتابِ: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُم [المائدة: 42] إلى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [المائدة: 42] .
وقال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة: 49] .
وقال: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء: 58] .
فأعلمَ اللَّهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ فرضًا عليه وعلى من قَبلَهُ والنَّاسِ إذا حَكَموا أن يَحكُموا بالعَدْلِ، والعَدْلُ اتِّباعُ حُكمِه المُنزَّلِ.
قال اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ أمرَه بالحُكمِ بَينَ أهلِ الكِتابِ: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [المائِدة: 49] .
ووَضعَ اللَّهُ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من دينِه وأهلِ دينِه مَوضِعَ الإبانةِ عن كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ مَعنى ما أرادَ اللَّهُ، وفَرَضَ طاعَتَه، فقال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهُ [النساء: 80] . وقال: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء: 65] الآية. وقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور: 63] الآية.
فعُلِمَ أنَّ الحَقَّ كِتابُ اللَّهِ، ثُمَّ سُنَّةُ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَيسَ لمُفتٍ ولا لحاكِمٍ أن يُفتيَ ولا يَحكُمَ حَتَّى يَكونَ عالِمًا بهما ولا أن يُخالِفَهما ولا واحِدًا منهما بحالٍ) [1364] يُنظر: ((الأم)) (8/208). .
وقال ابنُ تَيمِيَّةَ: (على الحُكَّامِ ألَّا يَحكُموا إلَّا بالعَدْلِ. والعَدْلُ هو: ما أنزَلَ اللَّه،ُ كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58] ، ثُمَّ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59] ، فأوجَبَ اللَّهُ طاعةَ أُولي الأمرِ مَعَ طاعةِ الرَّسولِ، وأوجَب على الأمَّةِ إذا تَنازَعوا أن يَرُدُّوا ما تَنازَعوا إلى اللهِ ورَسولِه؛ إلى كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى هو الحَكَمُ الَّذي يَحكُمُ بَينَ عِبادِه، والحُكمُ لَهُ وحدَهُ، وقد أنزَلَ اللَّهُ الكُتُبَ وأرسَلَ الرُّسُلَ ليَحكُمَ بَينَهم... قال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ [البقرة: 213] ...
وفي صَحيحٍ مُسلِمٍ عن عائِشةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا قامَ يُصَلِّي من اللَّيلِ يَقولُ: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جِبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، فاطِرَ السَّمَواتِ والأرضِ، عالِمَ الغَيبِ والشَّهادةِ، أنتَ تَحكُمُ بَينَ عَبادِكَ فيما كانوا فيه يَختَلِفونَ، اهدِني لِما اختُلِفَ فيه من الحَقِّ بإذْنِكَ؛ إنَّكَ تَهدِي من تَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ))1365... فالحُكمُ للهِ وحدَهُ، ورُسُلُه يُبَلِّغونَ عنه، فحُكمُهم حُكمُه وأمرُهم أمرُه وطاعَتُهم طاعَتُه، فما حَكَمَ به الرَّسولُ وأمرَهم به وشَرعَه من الدِّينِ، وَجَبَ على جَميعِ الخَلائِقِ اتِّباعُه وطاعَتُه؛ فإنَّ ذلك هو حُكمُ اللهِ على خَلقِه. والرَّسولُ يُبلِّغُ عنِ اللَّهِ، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 64، 65] فعلى جَميعِ الخَلقِ أن يُحَكِّموا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمَ النَّبِيِّين وأفضَلَ المُرسَلِينَ وأكرَمَ الخَلقِ على اللهِ، لَيسَ لأحَدٍ أن يَخرُجَ عن حُكمِه في شَيءٍ، سَواءٌ كان من العُلماءِ أوِ المُلوكِ أوِ الشُّيوخِ أو غَيرِهم) [1366] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (35/361-363). .
وقال ابنُ باز: (يَتَبَيَّنُ لَكَ أيُّها المُسلِمُ أنَّ تَحكيمَ شَرعِ اللهِ والتحاكُمَ إليه مِمَّا أوجَبَهُ اللَّهُ ورَسولُه، وأنَّه مُقتَضَى العُبوديَّةِ للهِ والشَّهادةِ بالرِّسالةِ لنَبيِّه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ الإعراضَ عن ذلك أو شَيءٍ منه مُوجِبٌ لعَذابِ اللهِ وعِقابِه، وهذا الأمرُ سَواءٌ بالنِّسبةِ لِما تُعامِلُ به الدَّولةُ رَعيَّتَها، أو ما يَنبَغي أن تَدِينَ به جَماعةُ المُسلِمين في كُلِّ مَكانٍ وزمانٍ، وفي حالِ الاختِلافِ والتنازُعِ الخاصِّ والعامِّ، سَواءٌ كان بَينَ دَولةٍ وأخرَى، أو بَينَ جَماعةٍ وجَماعةٍ، أو بَينَ مُسلِمٍ وآخَرَ، الحُكمُ في ذلك كُلِّه سَواءٌ، فاللَّهُ سُبحانَه لَهُ الخَلقُ والأمرُ، وهو أحكَمُ الحاكِمينَ...
فالواجِبُ على عامَّةِ المُسلِمينَ وأُمَرائِهم وحُكَّامِهم، وأهلِ الحَلِّ والعَقدِ فيهم: أن يَتَّقوا اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ويُحَكِّموا شَريعَتَه في بُلدانِهم وسائِرِ شُئونِهم، وأن يَقوا أنفُسَهم ومَن تَحتَ وِلايَتِهم عَذابَ اللهِ في الدُّنيا والآخِرةِ... ولَن تَصلُحَ أحوالُهم ويُرفَعَ تَسَلُّطُ الأعداءِ عليهم سياسيًّا وفِكْريًّا إلَّا إذا عادوا إلى اللهِ سُبحانَه، وسَلَكوا سَبيلَه المُستَقيمَ الَّذي رَضِيَه لعِبادِه، وأمرَهم به ووَعَدَهم به جَنَّاتِ النَّعيمِ!) [1367] يُنظر: ((وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه)) (ص: 16). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59] ، فأمرَ اللَّهُ تعالى بطاعَتِه وبِطاعةِ رَسولِه وأُولي الأمرِ منَّا.
وأولو الأمرِ: يَشمَلُ العُلماءَ والأُمَراءَ؛ لأنَّ العُلماءَ وُلاةُ أُمورِنا في بَيانِ دينِ اللَّهِ، والأمراءُ وُلاةُ أمرِنا في تَنفيذِ شَريعةِ اللَّهِ، ولا يَستَقيمُ العُلَماءُ إلَّا بالأُمَراءِ، ولا الأمَراءُ إلَّا بالعُلَماءِ؛ فالأمراءُ عليهم أن يَرجِعوا إلى العُلَماءِ ليَستَبينوا منهم شَريعةَ اللَّهِ، والعُلماءُ عليهم أن يَنصَحوا الأُمَراءَ، وأن يَخَوِّفوهم باللهِ، وأن يَعِظوهم حَتَّى يُطَبِّقوا شَريعةَ اللهِ في عِبادِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ... ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا يَعني: أحسَنَ عاقِبةً، فالرُّجوعُ إلى اللهِ ورَسولِه خَيرٌ للأمَّةِ وأحسَنُ عاقِبةً...
ثُمَّ قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء: 60] ، والاستِفهامُ هذا للتَّعَجُّبِ، يَعني: ألا تَتَعَجَّبُ من قَومٍ يَزعُمونَ أنَّهم آمَنوا بما أُنزِلَ عَلَيكَ، وبِما أُنزِلَ مِنْ قَبلِكَ، ولَكِنَّهم لا يُريدونَ التحاكُمَ إلى اللهِ ورَسولِه، إنَّما يُريدونَ أن يَتَحاكَموا إلى الطَّاغوتِ، وهو كُلُّ ما خالَفَ شَريعةَ اللَّهِ.
ومن هؤلاء القَومِ ما ابتَلَى اللَّهُ به المُسلِمينَ من بَعضِ الحُكَّامِ الَّذينَ يُريدونَ أن يَرجِعوا في الحُكْمِ بَينَ النَّاسِ إلى قَوانينَ ضالَّةٍ بَعيدةٍ عنِ الشَّريعةِ، وضَعَها فُلانٌ وفُلانٌ من كُفَّارٍ لا يَعلمونَ عنِ الإسلامِ شَيئًا، هم أيضًا في عَصرٍ قد تَختَلِفُ العُصورُ عنه، وفي أمَّةٍ قد تَختَلِفُ عنها الأمَمُ الأُخرَى. لَكِن مَعَ الأسَفِ أنَّ بَعضَ الَّذينَ استَعمَروهمُ الكُفَّارُ من البِلادِ الإسلاميَّةِ، أخَذوا هذه القَوانينَ، وصاروا يُطَبِّقونَها على الشَّعْبِ الإسلاميِّ، غَيرَ مُبالينَ بمُخالَفَتِها لكِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!) [1368] يُنظر: ((شرح رياض الصالحين)) (2/253-255). .

انظر أيضا: