سادِسًا: مَظاهِرُ وصوَرُ القَسوةِ والغِلظةِ والفَظاظةِ
1- تعامُلُ الدَّاعيةِ مع النَّاسِ بأُسلوبٍ فيه نوعٌ مِن الشِّدَّةِ والغِلظةِ والجَفوةِ وافتِقادِ الرِّفقِ واللِّينِ.
وهذا السُّلوكُ يجعَلُ النَّاسَ ينفِرونَ مِن دَعوَتِه، ولا يستَجيبونَ لتَعاليمِه، ولا شَكَّ (أنَّ الغُلوَّ مُخالِفٌ للفِطرةِ البَشَريَّةِ، لا يُمكِنُ تحَمُّلُه والالتِقاءُ معه، وسُلوكُ الغُلاةِ مِن الغِلظةِ والجَفوةِ، وأُسلوبُهم مِن التَّشَدُّدِ والتَّعسيرِ، كُلُّ ذلك ينفِّرُ النَّاسَ مِن الاستِجابةِ للدَّعوةِ، ويصُدُّهم عنها...)
.
2- تغليبُ التَّرهيبِ على التَّرغيبِ في الدَّعوةِ إلى اللهِ.
3- القَسوةُ والغِلظةُ عندَ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ.
قال
أحمَدُ بنُ حَنبلٍ: (الأمرُ بالمَعروفِ بلا غِلظةٍ إلَّا رَجُلًا مُعلِنًا بالفِسقِ، فلا حُرمةَ لهـ)
.
وقال
عَبدُ القادِرِ الجيلانيُّ: (يُشتَرَطُ في الآمِرِ بالمَعروفِ والنَّاهي عن المُنكَرِ خَمسُ شَرائِطَ:
أوَّلُها: أن يكونَ عالِمًا بما يأمُرُ ويَنهى. والثَّاني: أن يكونَ قَصدُه وَجهَ اللهِ، وإعزازَ دينِ اللهِ، وإعلاءَ كَلِمتِه، وإظهارَ طاعَتِه، دونَ الرِّياءِ والسُّمعةِ والحَميَّةِ لنَفسِه، وإنَّما يُنصَرُ ويُوثقُ ويزولُ به المُنكَرُ إذا كان صادِقًا مُخلِصًا... والثَّالِثُ: أن يكونَ أمرُه ونَهيُه باللِّينِ والتَّوَدُّدِ، لا بالفَظاظة والغِلظةِ، بل بالرِّفقِ والنُّصحِ والشَّفَقةِ على أخيه، كيف وافَقَ عَدوَّه الشَّيطانَ اللَّعينَ الذي قد استَولى على عَقلِه، وزَيَّنَ له مَعصيةَ رَبِّه ومُخالَفةَ أمرِه، يُريدُ بذلك إهلاكَه وإدخالَه النَّارَ، كما قال اللهُ تعالى:
إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: 6] ، وقال اللهُ تعالى لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159] ، وقال تعالى لموسى وهارونَ عليهما السَّلامُ حينَ بَعَثَهما إلى فِرعَونَ:
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44] ...)
.
4- غِلظةُ المُعَلِّمِ وقَسوَتُه على المُتَعَلِّمينَ، وذلك إمَّا بالزَّجرِ أو السَّبِّ أو الضَّربِ، بما يدفَعُ المُتَعَلِّمَ للعُزوفِ عن تعَلُّمِ العِلمِ.
قال مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الباقي البَزَّازُ: (يجِبُ على المُعَلِّمِ ألَّا يُعنِّفَ، وعلى المُتَعَلِّمِ ألَّا يأنَفَ)
.
وقال
الآجُرِّيُّ: (ينبَغي لمَن قُرِئَ عليه القُرآنُ فأخطَأ فيه القارِئُ أو غَلِطَ ألَّا يُعنِّفَه، وأن يرفُقَ به، ولا يجفوَ عليه، ويصبِرَ عليه؛ فإنِّي لا آمَنُ أن يجفوَ عليه، فيَنفِرَ عنه، وبالحَريِّ ألَّا يعودَ إلى المَسجِدِ)
.
وقال
ابنُ مُفلِحٍ: (ينبَغي للمَشايِخِ الإحسانُ إليهم، والصَّبرُ على ما يكونُ منهم، واللُّطفُ بهم؛ لئَلَّا يتَضاعَفَ ألمُهم وهَمُّهم، فيضعُفَ الصَّبرُ، وتَحصُلَ النُّفرةُ عن العِلمِ، واستِحبابُ ذلك مِن الطَّلَبةِ أَولى بهم والأدَبُ والتَّلَطُّفُ وما يُعينُهم على المَقصودِ، وقد قال تعالى:
وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 54] )
.
5- الشِّدَّةُ والإغلاظُ في النُّصحِ؛ قال
ابنُ حَزمٍ: (إذا نصَحْتَ ففي الخَلاءِ وبكَلامٍ لَيِّنٍ... فإن خَشَّنتَ كَلامَك في النَّصيحةِ فذلك إغراءٌ وتَنفيرٌ. وقد قال تعالى:
فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه: 44] ...)
.
6- عَدَمُ الرَّحمةِ بالضُّعفاءِ ولا الإشفاقِ على المُبتَلَينَ، ولا التَّأثُّرِ بالمُصابينَ، ولا الرِّقَّةِ لآلامِهم.