عاشرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ
عزَّةُ الوالي:- قال الأحنَفُ: (لا تَعُدَّنَّ شَتمَ الوالي شَتمًا، ولا إغلاظَه إغلاظًا؛ فإنَّ ريحَ العِزَّةِ تَبسُطُ اللِّسانَ بالغِلظةِ في غيرِ بأسٍ ولا سَخَطٍ)
.
الجمعُ بَيْنَ آيتينِ:- كيف يُجمَعُ بَيْنَ قولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ:
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139] ، وقَولِه:
إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يونس: 65] ، وبينَ قولِه سُبحانَه:
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8] ؟
الجوابُ: أنَّ القدرةَ الكاملةَ للهِ، وكُلُّ مَن سواه فبإقدارِه صار قادِرًا، وبإعزازِه صار عزيزًا، فالعِزَّةُ الحاصلةُ للرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وللمُؤمِنين لم تحصُلْ إلَّا من اللهِ تعالى؛ فكان الأمرُ عِندَ التَّحقيقِ أنَّ العِزَّةَ جميعًا للهِ
.
العِزَّةُ وَسَطٌ بَيْنَ خُلُقينِ ذميمَينِ:- قال
ابنُ القيم: (للعِزِّ حَدٌّ إذا جاوزه كان كِبرًا وخُلُقًا مذمومًا، وإن قصَر عنه انحرَفَ إلى الذُّلِّ والمهانةِ.
وضابِطُ هذا كُلِّه العَدلُ، وهو الأخذُ بالوَسَطِ الموضوعِ بَيْنَ طرَفَيِ الإفراطِ والتَّفريطِ، وعليه بناءُ مصالحِ الدُّنيا والآخِرةِ)
.
وقال أيضًا: (كُلُّ خُلُقٍ محمودٍ مُكتَنَفٌ بخُلُقَينِ ذَميمَينِ، وهو وَسَطٌ بَينَهما، وطَرَفاه خُلُقانِ ذميمانِ... فإنَّ النَّفسَ متى انحرَفَت عن التَّوسُّطِ انحرَفَت إلى أحَدِ الخُلُقَينِ الذَّميمَينِ ولا بُدَّ... وإذا انحرَفَت عن خُلُقِ العِزَّةِ التي وهَبَها اللهُ للمُؤمِنين انحرَفَت إمَّا إلى كِبرٍ، وإمَّا إلى ذُلٍّ، والعِزَّةُ المحمودةُ بَينَهما)
.
أقسامُ العِزَّةِ في القُرآنِ:قال
ابنُ الجَوزيِّ: (ذَكَر بعضُ المُفَسِّرين أنَّ العِزَّةَ في القُرآنِ على ثلاثةِ أوجُهٍ:
أحدُها: العَظَمةُ. ومنه قولُه تعالى في سورةِ الشُّعراءِ:
وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ [الشعراء: 44] ، وفي ص:
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: 82] .
والثَّاني: المَنَعةُ. ومنه قولُه تعالى في سورةِ النِّساءِ:
أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139] .
والثَّالِثُ: الحَميَّةُ. ومنه قولُه تعالى في سورةِ البَقَرةِ:
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206] ، وفي سورةِ ص:
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ [ص: 2] )
.
العِزَّةُ من صفاتِ اللَّهِ:ممَّا يُظهِرُ فضيلةَ هذه الصِّفةِ ومَزيَّتَها: أنَّ اللهَ قد تسمَّى بها في كتابِه؛ فسمَّى نفسَه العزيزَ، أي: الغالِبَ الذي لا يُقهَرُ، واتَّصف بصِفةِ العِزَّةِ الذي تضمَّنها الاسمُ.
يقولُ
ابنُ القَيِّمِ: (والعِزَّةُ يرادُ بها ثلاثةُ معانٍ: عِزَّةُ القُوَّةِ، وعِزَّةُ الامتناعِ، وعِزَّةُ القَهرِ، والرَّبُّ تبارك وتعالى له العِزَّةُ التَّامَّةُ بالاعتباراتِ الثَّلاثِ)
.
وقال
ابنُ عُثَيمين: (ذَكَر أهلُ العِلمِ أنَّ العِزَّةَ تنقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: عِزَّةُ القَدْرِ، وعِزَّةُ القَهرِ، وعِزَّةُ الامتناعِ:
1- فعِزَّةُ القَدْرِ: معناه أنَّ اللهَ تعالى ذو قَدْرٍ عزيزٍ، يعني: لا نظيرَ له.
2- وعِزَّةُ القَهرِ: هي عِزَّةُ الغَلَبةِ، يعني: أنَّه غالِبٌ كُلَّ شَيءٍ، قاهِرٌ كُلَّ شيءٍ، ومنه قَولُه تعالى:
فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص: 23] ، يعني: غَلَبَني في الخِطابِ، فاللهُ سُبحانَه عزيزٌ له، بل هو غالِبٌ كُلَّ شيءٍ.
3- وعِزَّةُ الامتناعِ: وهي أنَّ اللهَ تعالى يمتَنِعُ أن ينالَه سوءٌ أو نقصٌ، فهو مأخوذٌ مِن القُوَّةِ والصَّلابةِ، ومنه قَولُهم: أرضٌ عَزازٌ، يعني: قَوِيَّةً شَديدةً.
هذه معاني العِزَّةِ التي أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه، وهي تدُلُّ على كَمالِ قَهْرِه وسُلطانِه، وعلى كَمالِ صِفاتِه، وعلى تمامِ تنَزُّهِه عن النَّقصِ؛ تدُلُّ على كَمالِ قَهْرِه وسُلْطانِه في عِزَّةِ القَهرِ، وعلى تمامِ صِفاتِه وكَمالِها وأنَّه لا مَثيلَ لها في عِزَّةِ القَدْرِ، وعلى تمامِ تنَزُّهِه عن العَيبِ والنَّقصِ في عِزَّةِ الامتِناعِ)
.
وهو سُبحانَه الذي يَهَبُ العِزَّةَ لمن يشاءُ، كما أنَّه يُذِلُّ من يشاءُ؛ قال تعالى:
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26] .