موسوعة التفسير

سُورةُ يُونُس
الآيتان (65-66)

ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ

غريب الكلمات:

يَخْرُصُونَ: أي: يَحْدِسُون ويحزُرونَ، أو يكذِبونَ، لأَنَّ الكاذبَ لا يتحرَّى في الأمورِ، بل يُخمِّنُ ويحزُر، ولا يتحرَّى الحقائقَ، وكلُّ قولٍ عن ظنٍّ وتخمينٍ، يُقال له: خرصٌ، سواءٌ كان ذلك مطابقًا للشيءِ أو مخالفًا له، وأصلُ الخرصِ: حَزْرُ الشَّيءِ [862] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 158، 198)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 507)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/169)، ((المفردات)) للراغب (ص: 279)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 155)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 198، 231، 373)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 989)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/199). .

مشكل الإعراب:

قَوْلُه تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ
وَمَا يَتَّبِعُ: في (ما) وجهان؛ الأول: أن تكونَ نافيةً، وشُرَكَاءَ مفعولُ يَتَّبِعُ، ومفعولُ يَدْعون محذوفٌ لفَهْمِ المعنى، والتَّقديرُ: وما يتَّبعُ الذين يَدْعُون مِنْ دون اللهِ آلهةً شُرَكاءَ، ومعنى: وما يتَّبِعونَ شُرَكاء، أي: وما يتَّبِعونَ حقيقةَ الشُّرَكاءِ، وإن كانوا يسمُّونَها شُرَكاءَ. الثاني: أن تكونَ استفهاميَّةً في محلِّ نصبٍ، مفعولٌ مقَدَّم لـيتَّبِعُ، أي: وأيَّ شيءٍ يَتَّبعونَ؟ وشُرَكَاءَ على هذا مفعولٌ به لـيَدْعُونَ، وقيل غيرُ ذلك [863] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/357)، (تفسير أبي حيان)) (6/84)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/235). .

المعنى الإجمالي:

يخاطِبُ اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مسلِّيًا له عمَّا لَقِيَه من أعدائِه مِن أذًى، فيقولُ له: ولا يَحزُنْك قَولُ المُشرِكينَ، كافترائِهم على اللهِ وتكذيبِهم لك، واستهزائِهم بالحَقِّ؛ لأنَّ اللهَ هو المنفَرِدُ بجميعِ العِزَّةِ في الدُّنيا والآخرةِ، فهو مانِعُك من أذى المُشرِكينَ، وهو السَّميعُ العليمُ.
ويبيِّنُ تعالى أنَّه له كلُّ مَن في السَّمَواتِ ومَن في الأرضِ؛ وأيَّ شيءٍ يتَّبِعُ مَن يدعو غيرَ اللهِ من الشُّرَكاءِ؟ ما يتَّبِعونَ إلَّا الظَّنَّ بلا دليلٍ، وإنْ هم إلَّا يكذِبونَ فيما ينسُبونَه إلى اللهِ.

تفسير الآيتين:

وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا حكَى عن الكفَّارِ شُبهاتِهم المتقَدِّمةَ، وأجاب عنها؛ عدلوا إلى طريقٍ آخَرَ، وهو أنَّهم هدَّدوه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخوَّفوه بأنَّهم أصحابُ أموالٍ وأتباعٍ، فنسعَى في قَهرِك وفي إبطالِ أمْرِك، فأجاب تعالى عن هذا الطَّريقِ [864] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (10/368). .
وأيضًا فإنَّه بعد أن بيَّن اللهُ تعالى لِرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حالَ أوليائِه وصِفتَهم وما بشَّرَهم به في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ، وكونَه لا تبديلَ لِكلماتِه فيما بشَّرَهم ووعَدَهم، كما أنَّه لا تبديلَ لها فيما أَوعَدَ به أعداءَه المُشرِكينَ، وكان هذا يتضَمَّنُ الوعدَ بنَصرِه ونَصرِ مَن آمن له- وهم أولياءُ اللهِ وأنصارُ دينِه- على ضَعفِهم وفَقرِهم، وكانت العِزَّةُ- أي: القوَّةُ والغَلَبةُ- في مكَّةَ لا تزالُ للمُشرِكينَ بكَثرتِهم، وكانوا لغُرورِهم بكَثرتِهم وثَروتِهم يُكَذِّبونَ بوَعدِ الله، وكان ذلك يَحزُنُه  صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال تعالى مسلِّيًا له ومؤكِّدًا وَعدَه له ولأوليائِه، ووعيدَه لأعدائِهم وأعدائِه [865] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/370). :
وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ.
أي: ولا يُحْزِنْك- يا مُحمَّدُ- قَولُ المُشركينَ، كافترائِهم على اللهِ، وتكذيبِهم لك، واستهزائِهم بالحَقِّ [866] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/226)، ((البسيط)) للواحدي (11/251)، ((تفسير ابن عطية)) (3/129)، ((تفسير القرطبي)) (8/359)، ((تفسير ابن كثير)) (4/282)، ((تفسير السعدي)) (ص: 368). قال ابنُ عاشورٍ: (وَصِيغَةُ ولَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ خطابٌ للنَّبِي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وظاهرُ صِيغَتِه أَنَّه نهيٌ عن أنْ يُحْزِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم كلامُ المشركينَ، معَ أنَّ شأنَ النَّهيِ أنْ يَتَوَجَّه الخطابُ به إلى مَن فعَل الفعلَ المنهيَّ عنه، ولكنَّ المقصودَ من مثلِ هذا التَّرْكيبِ نهيُ النَّبي- عليه الصَّلاةُ والسَّلام- عن أنْ يتأثَّرَ بما شأنُه أنْ يُحزنَ النَّاسَ من أقوالِهم، فلمَّا وجَّه الخطابَ إليه بالنَّهيِ عن عملٍ هو مِن عملِ غيرِه تعيَّنَ أنَّ المرادَ بذلك الكنايةُ عن نهيِه هو عن حصولِ ذلك الحزنِ في نفسِه بأنْ يصرفَ عن نفسِه أسبابَه وملزوماتِه، فيؤول إِلى معنَى لا تترُكْ أقوالَهم تُحْزِنك). ((تفسير ابن عاشور)) (11/221). والوقفُ يكون على كلمةِ قَوْلُهُمْ، والابتداءُ يكونُ بقولِه: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ؛ لكي لا يُتوهَّمَ أنَّ جملةَ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا مِن قولِهم. يُنظر:  ((إيضاح الوقف والابتداء)) للأنباري (2/707)،  ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (1/232). .
إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا.
أي:  فإنَّ اللهَ هو المُنفَرِدُ بجميعِ العِزَّةِ في الدُّنيا والآخرةِ، فله وَحْدَه القوَّةُ الكامِلةُ، والقُدرةُ التامَّةُ، والغَلَبةُ الشَّاملةُ، فهو ناصِرُك ومُعينُك، ومانِعُك مِن أذَى المُشرِكينَ- يا مُحمَّدُ- وهو القادِرُ على عقابِهم، والانتقامِ منهم، حتى تصيرَ أعَزَّ منهم [867] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/226)، ((البسيط)) للواحدي (11/252)، ((تفسير ابن عطية)) (3/129)، ((تفسير القرطبي)) (8/359)، ((تفسير ابن كثير)) (4/282)، ((تفسير السعدي)) (ص: 368)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/223). .
هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
أي: وهو- سُبحانَه- السَّميعُ لأقوالِ عِبادِه، العليمُ بأحوالِهم، ومن ذلك سَماعُه لأقوالِ المُشرِكينَ، وعِلمُه بأعمالِهم، وما في قُلوبِهم، فيُجازيهم بذلك، ويدفَعُ عنك أذاهم- يا مُحمَّدُ- فاكتفِ بعِلمِ اللهِ وكفايتِه عزَّ وجلَّ [868] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/226)، ((البسيط)) للواحدي (11/252)، ((تفسير ابن عطية)) (3/130)، ((تفسير القرطبي)) (8/359)، ((تفسير ابن كثير)) (4/282)، ((تفسير السعدي)) (ص: 368). .
ﮀ  ﮁ  ﮂ   ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈﮉ  ﮊ  ﮋ  ﮌ     ﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑﮒ  ﮓ  ﮔ  ﮕ    ﮖ  ﮗ  ﮘ  ﮙ  ﮚ  ﮛ .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا ذكَرَ اللهُ تعالى أنَّ العِزَّةَ له، وهي القَهرُ والغَلَبةُ- ذكَرَ ما يُناسِبُ القَهرَ، وهو كَونُ المخلوقاتِ مِلكًا له تعالى [869] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/83). ، فقال:
أَلا إِنَّ لِلّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (66).
أي: ألا إنَّ لله كلَّ مَن في السَّمواتِ وكُلَّ مَن في الأرضِ، فهم مِلكُه، يتصَرَّفُ فيهم كيف يشاءُ، وهو المستَحِقُّ وَحدَه للعبادةِ [870] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/227)، ((البسيط)) للواحدي (11/252)، ((تفسير القرطبي)) (8/360)، ((تفسير السعدي)) (ص: 368). .
وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ شُرَكَاء.
أي: وأيَّ شيءٍ يتَّبِعُ هؤلاء الذين يقولونَ: إنَّ لله شُرَكاءَ [871] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/227)، ((تفسير ابن عطية)) (3/130)، ((تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء)) لابن تيمية (1/144- 146)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (16/576). وممن ذهب إلى أنَّ (ما) هنا استفهاميةٌ: ابنُ جريرٍ، ومال إليه ابنُ عطيةَ، واختاره ابنُ تيميةَ. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: إنَّ (ما) نافيةٌ، ومعنَى الآيةِ على ذلك: ما يتَّبعونَ في الحقيقةِ شركاءَ للهِ؛ فإنَّه ليس لله شريكٌ، وإنَّما يتَّبعونَ الظنَّ، وممن ذهب إلى أنَّ (ما) نافيةٌ: الواحدي، وابنُ الجوزي، والقرطبي، ومحمد رشيد رضا، والسعدي، والشنقيطي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (2/554)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/339)، ((تفسير القرطبي)) (8/360)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/370)، ((تفسير السعدي)) (ص: 364)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/201). ؟!
إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ.
أي: ما يتَّبِعُ المُشرِكونَ في دَعواهم الشُّرَكاءَ لله إلَّا مُجَرَّدَ الظَّنِّ بلا دليلٍ، وما هم إلَّا يتقوَّلونَ الكَذِبَ على اللهِ ظنًّا بِلا عِلمٍ [872] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (12/227)، ((تفسير البغوي)) (2/427)، ((تفسير ابن كثير)) (4/282)، ((تفسير السعدي)) (ص: 368). .

الفوائد التربوية :

قال الله تعالى: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ اللامُ في قَولِه: لِلَّهِ للمِلكِ، وقد أفاد جعلُ جِنسِ العزَّةِ مِلكًا للهِ أنَّ جميعَ أنواعِها ثابِتٌ لله [873] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/223). ؛ فالغَلَبةُ والقُوَّةُ والمَنَعةُ لله جميعُها لا يَملِكُ أحَدٌ مِن دُونِه شَيئًا منها، فهو يَهَبُها لِمَن يشاءُ، ويَحرِمُها مَن يشاءُ، وليسَت للكَثرةِ دائمًا كما يدَّعونَ؛ فكم مِن فئةٍ قليلةٍ غَلَبَت فئةً كثيرةً بإذنِ الله، وقد وعدَ بها رسُلَه والذينَ آمَنوا بهم واتَّبَعوهم من أوليائِه، كما قال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: 21] ، وإِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ [غافر: 51] ، ووَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] ، فعِزَّتُه تعالى ذاتيَّةٌ له، وعِزَّةُ رَسولِه والمُؤمِنينَ به ومنه عزَّ وجَلَّ، كما قال تعالى: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [874]  يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (11/370). [آل عمران: 26] .

الفوائد العلمية واللطائف:

قَولُ الله تعالى: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ عبَّرَ بـ (مَن) التي للعُقَلاءِ، والمرادُ كلُّ ما في الكونِ؛ لأنَّ السِّياقَ لِنَفي العِزَّةِ عن غَيرِه، والعقلاءُ بها أجدَرُ، فنفيُها عنهم نفيٌ عن غيرِهم بطريقِ الأَوْلى، ثم غُلِّبوا لشَرَفِهم على غيرِهم [875] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/157). .
وقيل: خص العُقَلاءَ المميِّزين، وهم الملائكةُ والثَّقلان في قوله: مَنْ فِي السَّمَواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ؛ لِيُؤذِنَ أنَّ هؤلاء إذا كانوا له وفي مُلكِه فهُم عَبيدٌ كُلُّهم، وهو سبحانه وتعالى ربُّهم، ولا يَصلُحُ أحدٌ مِنهم للرُّبوبيَّةِ، ولا أن يكونَ شَريكًا له فيها، فما وَراءهم ممَّا لا يُعقَلُ أحَقُّ أن لا يكونَ له نِدًّا وشَريكًا، ولِيَدُلَّ على أنَّ مَن اتَّخَذ غيرَه ربًّا مِن ملَكٍ أو إنسيٍّ، فضلًا عن صنمٍ أو غيرِ ذلك، فهو مُبطِلٌ [876] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/357)، ((تفسير أبي حيان)) (6/83- 84). .

بلاغة الآيتين :

1- قوله تعالى: وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
قولُه: وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ على القولِ بأنَّ المرادَ بقولِهم بعضُ أفرادِه، وهو التَّكذيبُ والتَّهديدُ، وما يتَشاوَرون به في أمرِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فيكونُ مِن إطلاقِ العامِّ المرادِ به الخاصُّ [877] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/82- 83). .
قولُه: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا استئنافٌ بمعنى التَّعليلِ، كأنَّه قيل: ما لي لا أحزَنُ؟ فقيل: إنَّ العزَّةَ للهِ جميعًا؛ تعليلًا لِدَفعِ الحزنِ عنه؛ ولذلك فُصِلَتْ عن جملةِ النَّهيِ: وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ ولم تُعطَفْ عليها [878] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/357)، ((تفسير ابن عاشور)) (11/221-222). .
وقولُه: جَمِيعًا حالٌ مِن الْعِزَّةُ مؤكِّدةٌ لمضمونِ الجملةِ قبْلَها، المفيدِ لاختصاصِه تعالى بجميعِ جنسِ العزَّةِ؛ لِدَفعِ احتمالِ إرادةِ المبالَغةِ في مِلْكِ ذلك الجنسِ [879] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/223). .
وفي قوله تعالى: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ مناسَبةٌ حسَنةٌ، حيث قال اللهُ تعالى هنا: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يونس: 65] ، وقال في سورةِ (المنافقون): وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] ؛ لأنَّ المرادَ في سورةِ يونُسَ: العزَّةُ الخاصَّةُ باللهِ، وهي: عِزَّةُ الإلهيَّةِ، والخَلْقِ والإماتةِ، والإحياءِ والبقاءِ الدَّائمِ، وشِبْهِها، وفي سورةِ (المنافقون) العزَّةُ المشترَكةُ، وهي في حقِّ اللهِ تعالى: القدرةُ والغَلَبةُ، وفي حقِّ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عُلُوُّ كَلمتِه، وإظهارُ دينِه، وفي حقِّ المؤمنين: نَصرُهم على الأعداءِ [880] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 251). فلا مضادَّةَ بينَ قَولِه تعالى: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وقَولِه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] ؛ لأنَّ عِزَّةَ الرَّسولِ والمؤمنينَ كُلَّها باللهِ، فهي لله [882] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (17/279)، ويُنظر أيضًا: ((البسيط)) للواحدي (11/252)، ((تفسير القرطبي)) (8/359). .
2- قوله تعالى: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ
قولُه: أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ فيه افتتاحُ الجملةِ بحرفِ التَّنبيهِ أَلَا، والمقصودُ منه إظهارُ أهمِّيَّةِ العلمِ بمَضمونِها وتَحقيقِه؛ ولذلك عُقِّب بحرفِ التَّأكيدِ إِنَّ، وزِيدَ ذلك تأكيدًا بتقديمِ الخبَرِ لِلَّهِ على الاسمِ مَنْ وباجتلابِ لامِ المِلْكِ في لِلَّهِ [883] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (11/224). .
وابتدأ بالسَّموات؛ لأنَّ مِلكَها يدُلُّ على مِلكِ الأرضِ بطَريقِ الأَولى [884] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (9/156). ، وأيضا لعظَمِها، ولأنَّها أشرفُ مِن الأرضِ وأعلَى [885]  يُنظر: ((كشف المعانى)) لابن جماعة (ص: 251)، (( تفسير العثيمين: الحجرات - الحديد)) (ص: 363). .
قولُه: وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ على القولِ بأنَّ مَا يَتَّبِعُ في مَعْنى الاستفهامِ- أيْ: وأيَّ شيءٍ يتَّبِعون، فـ مَا استفهامٌ بمعنى الإِنكارِ والتَّوبيخِ، فتكونُ اسمًا في موضعِ نصبٍ بـ يَتَّبِعُ، كأنَّه قيل: وأيَّ شيءٍ يتَّبِعُ الَّذين تَدْعونهم شُركاءَ مِن الملائكةِ والنَّبيِّين؛ تقريرًا لكونِهم مُتَّبِعين للهِ تعالى مُطيعين له، وتَوبيخًا لهم على عدَمِ اقتدائِهم بهم في ذلك [886] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/357)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/236). .