موسوعة الآداب الشرعية

فوائِدُ ومَسائِلُ:


1- قال ابنُ القَيِّمِ في كَراهةِ تَسَخُّطِ البَناتِ: (قال اللهُ تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى: 49 - 50] ، فقَسَّمَ سُبحانَه حالَ الزَّوجَينِ إلى أربَعةِ أقسامٍ اشتَمَل عليها الوُجودُ، وأخبَرَ أنَّ ما قدَّرَه بَينَهما مِنَ الولدِ فقد وهَبَهما إيَّاه، وكَفى بالعَبدِ تَعَرُّضًا لمَقتِه أن يَتَسَخَّطَ ما وهَبَه، وبَدَأ سُبحانَه بذِكرِ الإناثِ فقيل: جَبرًا لهنَّ لأجلِ استِثقالِ الوالدَينِ لمَكانِهنَّ، وقيل -وهو أحسَنُ-: إنَّما قدَّمَهنَّ لأنَّ سياقَ الكَلامِ أنَّه فاعِلٌ ما يَشاءُ لا ما يَشاءُ الأبَوانِ، فإنَّ الأبَوينِ لا يُريدانِ إلَّا الذُّكورَ غالبًا، وهو سُبحانَه قد أخبَرَ أنَّه يَخلُقُ ما يَشاءُ، فبَدَأ بذِكرِ الصِّنفِ الذي يَشاءُ ولا يُريدُه الأبَوانِ.
وعِندي وجهٌ آخَرُ، وهو: أنَّه سُبحانَه قَدَّمَ ما كانت تُؤَخِّرُه الجاهليَّةُ مِن أمرِ البَناتِ حتَّى كانوا يَئِدونَهنَّ، أي: هذا النَّوعُ المُؤَخَّرُ عِندَكُم مُقدَّمٌ عِندي في الذِّكرِ، وتَأمَّلْ كَيف نَكَّرَ سُبحانَه الإناثَ وعَرَّف الذُّكورَ، فجَبَرَ نَقصَ الأُنوثةِ بالتَّقديمِ، وجَبَرَ نَقصَ التَّأخيرِ بالتَّعريفِ، فإنَّ التَّعريفَ تَنويهٌ، كَأنَّه قال: ويَهَبُ لمَن يَشاءُ الفُرسانَ الأعلامَ المَذكورينَ الذينَ لا يَخفَونَ عليكُم، ثُمَّ لمَّا ذَكَرَ الصِّنفَينِ مَعًا قَدَّم الذُّكورَ؛ إعطاءً لكُلٍّ مِنَ الجِنسَينِ حَقَّه مِنَ التَّقديمِ والتَّأخيرِ. واللَّهُ أعلمُ بما أرادَ مِن ذلك.
والمَقصودُ أنَّ التَّسَخُّطَ بالإناثِ مِن أخلاقِ الجاهليَّةِ الذينَ ذَمَّهمُ اللَّهُ تعالى في قَولِه: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل: 58 - 59] ، وقال: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [الزخرف: 17] ...
وقد قال تعالى في حَقِّ النِّساءِ: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19] ، وهَكَذا البَناتُ أيضًا قد يَكونُ للعَبدِ فيهنَّ خَيرٌ في الدُّنيا والآخِرةِ، ويَكفي في قُبحِ كَراهَتِهنَّ أن يَكرَهَ ما رَضيَه اللهُ وأعطاه عَبدَه.
وقال صالِحُ بنُ أحمَدَ: كان أبي إذا وُلِدَ له ابنةٌ يَقولُ: الأنبياءُ كانوا آباءَ بَناتٍ، ويَقولُ: قد جاءَ في البَناتِ ما قد عَلِمتَ.
وقال يَعقوبُ بنُ بُختانَ: وُلِدَ لي سَبعُ بَناتٍ، فكُنتُ كُلَّما وُلِدَ لي ابنةٌ دَخَلتُ على أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، فيَقولُ لي: يا أبا يوسُفَ، الأنبياءُ آباءُ بَناتٍ، فكان يُذهِبُ قَولُه هَمِّي) [244] ((تحفة المودود بأحكام المولود)) (ص: 20، 26). .
2-(قال مُحَمَّدُ بنُ سُليمانَ: البَنونَ نِعَمٌ، والبَناتُ حَسَناتٌ، واللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يُحاسِبُ على النِّعَمِ، ويُجازي على الحَسَناتِ.
وقال مَنصورٌ الفقيهُ:
لولا بَناتي وسَيِّئاتي
لذُبتُ شَوقًا إلى المَماتِ
لأنَّني في جِوارِ قَومٍ
نَغَّصَني قُربُهم حَياتي
وله أيضًا:
أحِبُّ البَناتِ فحُبُّ البَناتِ
فَرضٌ على كُلِّ نَفسٍ كَريمَه
لأنَّ شُعَيبًا [245] اختُلِف في أبي المَرأتَينِ: هَل هو شُعَيبٌ النَّبيُّ أو رَجُلٌ صالحٌ غَيرُه؟ ومِمَّن قال بأنَّه ليسَ بشُعَيبٍ النَّبيِّ: ابنُ تيميَّةَ، وابنُ كَثيرٍ، والسَّعديُّ. يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (1/61-63)، ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/228، 229)، ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 615). وينظر أيضًا: ((جامع البيان)) للطبري (18/224). لأجلِ البَناتِ
أخدَمَه اللَّهُ موسى كَليمَه
ولأبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عُبَيدةَ الرَّيحانيِّ:
حَبَّذا مِن نِعمةِ الل
ه البَناتُ الصَّالحاتُ
هنَّ للنَّسلِ وللأ
نسِ وهنَّ الشَّجَراتُ
وبإحسانٍ إليهنَّ
تَكونُ البَرَكاتُ
إنَّما الأهلونَ أرَضو
ن لنا مُحتَرِثاتُ
فعلينا الزَّرعُ فيها
وعلى اللهِ النَّباتُ
وكان لأبي حَمزةَ الأعرابيِّ زَوجَتانِ، فوَلَدَت إحداهما ابنةً، فعَزَّ عليه، واجتَنَبها وصارَ في بَيتِ ضَرَّتِها إلى جَنبِها، فأحَسَّت به يَومًا في بَيتِ صاحِبَتِها، فجَعَلت تُرَقِّصُ ابنَتَها الطِّفلةَ، وتَقولُ:
ما لأبي حَمزةَ لا يَأتينا
يَظَلُّ في البَيتِ الذي يَلينا
غَضبانُ ألَّا نَلِدَ البَنينا
تاللَّهِ ما ذلك في أيدينا
بَل نَحنُ كالأرضِ لزارِعينا
يلبثُ ما قد زَرَعوه فينا
وإنَّما نَأخُذُ ما أُعطِينا
فعَرَف أبو حَمزةَ قُبحَ ما فعَل، وراجَعَ امرَأتَه.
وقال قتادةُ: رُبَّ جاريةٍ خَيرٌ مِن غُلامٍ، ورُبَّ غُلامٍ قد هَلكَ أهلُه على يَدَيه.
وقال الشَّاعِرُ:
وما كُلُّ مِئناثٍ سَيَشقى ببِنتِه
وما كُلُّ مِذكارٍ بَنوه سُرورُ) [246] يُنظر: ((بهجة المجالس)) لابن عبد البر (1/ 763-765، 767، 771). .

انظر أيضا: