موسوعة الآداب الشرعية

سادسَ عشرَ: عَدَمُ الدُّعاءِ عليهم


مِن آكَدِ آدابِ التَّربيةِ: عَدَمُ الدُّعاءِ على الأولادِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ-مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس: 11] .
وهذا مِن لُطفِ اللهِ وإحسانِه بعِبادِه، أنَّه لو عَجَّل لهمُ الشَّرَّ إذا أتَوا بأسبابِه، وبادَرَهم بالعُقوبةِ على ذلك، كَما يُعَجِّلُ لهمُ الخَيرَ إذا أتَوا بأسبابِه لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ أي: لمَحَقَتهمُ العُقوبةُ، ويَدخُلُ في هذا أنَّ العَبدَ إذا غَضِبَ على أولادِه أو أهلِه أو مالِه، رُبَّما دَعا عليهم دَعوةً لو قُبِلَت مِنه لهَلكوا، ولأضَرَّه ذلك غايةَ الضَّرَرِ، ولكِنَّه تعالى حَليمٌ حَكيمٌ [247] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 359). .
2- قال تعالى: وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا [الإسراء: 11] .
قال الشِّنقيطيُّ: (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ كَأن يَدعوَ على نَفسِه أو وَلَدِه بالهَلاكِ عِندَ الضَّجَرِ مِن أمرٍ، فيَقولَ: اللَّهُمَّ أهلِكْني، أو أهلِكْ ولَدي، فيَدعو بالشَّرِّ دُعاءً لا يُحِبُّ أن يُستَجابَ له، وقَولُه: دُعَاءَه بِالْخَيْرِ أي: يَدعو بالشَّرِّ كما يَدعو بالخَيرِ، فيَقولُ عِندَ الضَّجَرِ: اللَّهُمَّ أهلِكْ ولَدي، كما يَقولُ في غَيرِ وقتِ الضَّجَرِ: اللَّهُمَّ عافِه، ونَحوَ ذلك مِنَ الدُّعاءِ، ولَوِ استَجابَ اللهُ دُعاءَه بالشَّرِّ لَهَلَكَ، ويَدُلُّ لهذا المَعنى قَولُه تعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ [يونس: 11] ، أي: لَو عَجَّلَ لَهمُ الإجابةَ بالشَّرِّ كما يُعَجِّلُ لَهمُ الإجابةَ بالخَيرِ لَقُضيَ إليهم أجَلُهم، أي: لَهَلَكوا وماتوا، فالاستِعجالُ بمَعنى التَّعجيلِ) [248] ((أضواء البيان)) (3/ 54، 55). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((سِرْنا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غَزوةِ بَطنِ بُواطٍ، وهو يَطلُبُ المَجديَّ بنَ عَمرٍو الجُهَنيَّ، وكان النَّاضِحُ [249] النَّاضِحُ: جَمَلُ السَّقيِ. يُنظر: ((المعلم)) للمازري (3/ 390). يَعتَقِبُه [250] يَعتَقِبُه: أي يَتَداوَلُ رُكوبَه، يُقالُ: اعتَقَبتُ الرَّجُلَ: رَكِبتُ عُقْبةً ورَكِبَ أُخرى، وأيضًا: صِرتُ مَكانَه، وعَقَّبتُ بَعدَه: أي: جِئتُ بَعدَه. يُنظر: ((الأفعال)) لابن القوطية (ص: 17)، ((المعلم)) للمازري (3/ 390). مِنَّا الخَمسةُ والسِّتَّةُ والسَّبعةُ، فدارَت عُقبةُ [251] التَّعَقُّبُ: رُكوبُ الرُّفقةِ على بَعيرٍ، واحِدًا بَعدَ واحِدٍ، أي: يَركَبُ هذا عَقِبَ هذا، والعُقْبةُ: هيَ تلك الفَعلةُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 392). رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ على ناضِحٍ له، فأناخَه فرَكِبَه، ثُمَّ بَعَثَه فتَلدَّنَ [252] فتَلَدَّنَ عليه بَعضَ التَّلَدُّنِ: أي: تَلَكَّأ ولم ينبَعِثْ. يُنظر: ((المعلم)) للمازري (3/ 391).. عليه بَعضَ التَّلدُّنِ، فقال له: شَأْ [253]شَأ بالشِّين المُعجَمةِ ويُروى بالسِّينِ المُهمَلةِ: كَلِمةُ زَجرٍ للبَعيرِ، يُقالُ مِنهما: شَأشَأتُ بالبَعيرِ -بالمُعجَمةِ والمُهمَلةِ- إذا زَجَرتَه وقُلتَ له: شَأْ، وشَأشَأتُ بالحِمارِ، أي: دَعوتُه وقُلتُ له: تُشُؤ تُشُؤ -بضَمِّ التَّاءِ والشِّينِ المُعجَمةِ وبَعدَها هَمزةٌ. يُنظر: ((العين)) للخليل (3/ 316) و (6/ 299)، ((الجيم)) لأبي عمرو الشيباني (2/ 116)، ((الصحاح)) للجوهري (1/ 55، 57)، ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 565)، ((شرح مسلم)) للنووي (18/ 138، 139). ، لعنَك اللهُ! فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن هذا اللَّاعِنُ بَعيرَه؟ قال: أنا، يا رَسولَ اللهِ، قال: انزِلْ عنه، فلا تَصحَبْنا بمَلعونٍ، لا تَدْعوا على أنفُسِكُم، ولا تَدعوا على أولادِكُم، ولا تَدعوا على أموالِكُم، لا تُوافِقوا مِنَ اللهِ ساعةً يُسأَلُ فيها عَطاءً، فيَستَجيبُ لَكُم)) [254] أخرجه مسلم (3009). .
وفي لَفظٍ: ((لا تَدْعوا على أنفُسِكُم، ولا تَدْعوا على أولادِكُم، ولا تَدْعوا على خَدَمِكُم، ولا تَدْعوا على أموالِكُم، لا توافِقوا مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتعالى ساعةَ نِيلَ [255] نِيلَ -بكَسرِ النُّونِ وإسكانِ الياءِ- ومَعناه: ساعةُ إجابةٍ يَنالُ الطَّالبُ فيها ويُعطى مَطلوبَه، والنَّيلُ والنَّوالُ: العَطاءُ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 165)، ((الأذكار)) للنووي (ص: 401). فيها عَطاءٌ، فيَستَجيبَ لكُم)) [256] أخرجه أبو داود (1532) واللفظ له، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3539). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1532)، وصَحَّحَ إسنادَه النووي في ((الأذكار)) (494)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1532). .

انظر أيضا: