موسوعة التفسير

سورةُ الإنسانِ
الآيات (27-31)

ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ

غريب الكلمات:

أَسْرَهُمْ: أي: خَلْقَهم، والأَسْرُ في كلامِ العَرَبِ: شِدَّةُ الخَلْقِ، يُقالُ: فُلانٌ شَديدُ أَسْرِ الخَلْقِ: إذا كان مَعصوبَ الخَلْقِ غيرَ مُستَرخٍ، و: شَدَّ اللهُ أَسْرَه، أي: قَوَّى إحكامَ خَلْقِه. وأصلُ (أسر): يدُلُّ على الرَّبطِ والتَّوثيقِ [304] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 504)، ((تفسير ابن جرير)) (23/575)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 85)، ((تفسير القرطبي)) (19/151)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/159)، ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (10/48). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
قَولُه تعالى: إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ فيه أوجُهٌ؛ أحدُها: أنَّ المصدَرَ المؤَوَّلَ في محلِّ نَصبٍ على الظَّرفيَّةِ الزَّمانيَّةِ بتَقديرِ المُضافِ السَّادِّ هو مَسَدَّه، أي: إلَّا وَقْتَ مشيئةِ اللهِ تعالى. الثَّاني: أنَّ المصدَرَ المؤوَّلَ في محلِّ نَصبٍ على نَزعِ الخافِضِ، والاستثناءُ مِن أعَمِّ الأسبابِ، أي: وَما تَشاؤُونَ بسَبَبٍ مِنَ الأسبابِ إلَّا بأنْ يَشاءَ اللهُ تعالى. الثَّالثُ: أنَّه في محلِّ نَصبٍ مُستثنًى مِن أعمِّ الأحوالِ على نِيَّةِ حَذفِ مُضافٍ، أي: وما تَشاؤُونَ في حالٍ مِن الأحوالِ إلَّا في حالِ مَشيئةِ اللهِ تعالى.
وقَولُه تعالى: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ: «الظَّالِمينَ»: مَنصوبٌ على الاشتِغالِ بفِعلٍ محذوفٍ يُفَسِّرُه أَعَدَّ لَهُمْ مِن حيثُ المعنى، لا مِن حيثُ اللَّفظُ؛ لأنَّ (أَعَدَّ) يتعدَّى باللَّامِ، تقديرُه: وعَذَّبَ الظَّالِمينَ، أو: أَوْعَدَ، ونحوُ ذلك. وجملةُ أَعَدَّ مُفَسِّرةٌ للفِعلِ المقَدَّرِ؛ فلا محلَّ لها مِن الإعرابِ [305] يُنظر: ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1261)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/626، 627)، ((تفسير الألوسي)) (15/184، 185)، ((الجدول في إعراب القرآن)) لمحمود صافي (29/195). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى موبِّخًا المشرِكين ومنكِرًا عليهم: إنَّ مُشْرِكي قُرَيشٍ يُحِبُّونَ الحَياةَ الدُّنيا العاجِلةَ، ويَترُكونَ خَلْفَ ظُهورِهم يومَ القيامةِ الثَّقيلَ بأهوالِه وشَدائِدِه، نحنُ خَلَقْناهم وأحْكَمْنا خِلْقَتَهم، وإذا شِئْنا بَعَثْناهم يومَ القيامةِ، وأعَدْنا أجسامَهم مِن جَديدٍ مِثْلَما كانوا في الدُّنيا.
ثمَّ يحُضُّ اللهُ سُبحانَه على طاعتِه، ويحذِّرُ مِن مَعصيتِه، فيقولُ: إنَّ آياتِ هذه السُّورةِ تَذكيرٌ للنَّاسِ؛ لِيَتَّعِظوا بها ويَعْتَبِروا، فمَن شاء سَلَك طَريقًا يُوصِلُه إلى اللهِ تعالى، بالإيمانِ به، والتَّوبةِ إليه، وطاعتِه.
ثمَّ يبيِّنُ سُبحانَه نُفوذَ مَشيئتِه، وأنَّها فوقَ كلِّ مَشيئةٍ، فيقولُ: وما تَشاؤُونَ -أيُّها النَّاسُ- اتِّباعَ طَريقِ الحَقِّ إلَّا أن يَشاءَ اللهُ لكم ذلك، إنَّ اللهَ تعالى كان عَليمًا فلا يَخْفَى عليه شَيءٌ، حكيمًا فيَضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه الصَّحيحِ اللَّائِقِ به، يُدخِلُ اللهُ تعالى مَن يَشاءُ مِن عِبادِه في رَحمتِه، وأعَدَّ للظَّالِمينَ عَذابًا مُؤلِمًا.

تفسير الآيات:

إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا خاطَبَ رَسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم بالتَّعظيمِ والنَّهيِ والأمرِ؛ عَدَل إلى شَرْحِ أحوالِ الكُفَّارِ والمتمَرِّدينَ [306] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/760). .
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ.
أي: إنَّ مُشْرِكي قُرَيشٍ يُحِبُّونَ الحَياةَ الدُّنيا، فهم حَرِيصونَ على البَقاءِ فيها، والتَّمَتُّعِ بمَلَذَّاتِها [307] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/574)، ((تفسير القرطبي)) (19/150)، ((تفسير ابن كثير)) (8/294)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/157). .
قال تعالى: كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ [القيامة: 20، 21].
وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا.
أي: ويَترُكونَ خَلْفَ ظُهورِهم يومَ القيامةِ الثَّقيلَ بأهوالِه وشَدائِدِه؛ فلا يَعمَلونَ له، ولا يَسْتَعِدُّونَ له، ولا يَعْبَؤونَ به [308] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/574)، ((تفسير ابن كثير)) (8/294)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/158)، ((تفسير الشوكاني)) (5/427). قال السمعاني: (يجوزُ أن يكونَ سَمَّاه ثقيلًا؛ لشِدَّةِ الهَولِ والفَزَعِ فيه، ويجوزُ أن يكونَ سَمَّاه ثقيلًا؛ لفَصلِ القضاءِ فيه بيْنَ العِبادِ وعَدْلِه معهم، وهو في غايةِ الثِّقَلِ عليهم إلَّا مَن تَدارَكَه اللهُ بفَضْلِه). ((تفسير السمعاني)) (6/123). .
قال الله تعالى: فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر: 8 - 10].
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنه لَمَّا كان الإخبارُ عنهم بأنَّهم (يَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) يَتضمَّنُ أنَّهم يُنكِرونَ وُقوعَ ذلك اليَومِ، وكان الباعثُ لهم على إنكارِه شُبهةَ استِحالةِ إعادةِ الأجسادِ بعْدَ بِلاها وفَنائِها، وكان الكلامُ السَّابقُ مَسوقًا مَساقَ الذَّمِّ لهم، والإنكارِ عليهم؛ جِيءَ هنا بما هو دَليلٌ للإنكارِ عليهم، وإبطالٌ لِشُبهتِهم، ببَيانِ إمكانِ إعادةِ خَلْقِهم، فالَّذي خَلَقَهم أوَّلَ مرَّةٍ يُعيدُهم [309] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/409). . فلَمَّا كان تَركُهم لليَومِ الثَّقيلِ على وَجهِ التَّكذيبِ الَّذي هو أقبَحُ التَّركِ، وكان تكذيبُهم لاعتقادِهم عدَمَ القدرةِ عليه؛ قال دالًّا على الإعادةِ بالابتداءِ مِن بابِ الأَولى [310] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/158). :
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ.
أي: نحنُ خَلَقْنا أولئك المُشرِكينَ وأحْكَمْنا خِلْقَتَهم، فرَبَطْنا أجزاءَ أجسادِهم بالعِظامِ والأوتارِ والأعصابِ والعُروقِ وغَيرِها؛ فصارت أجزاءُ أبدانِهم مُحكَمةً مَشدودًا بَعضُها إلى بَعضٍ [311] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/575، 577)، ((تفسير الزمخشري)) (4/675)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 35)، ((تفسير ابن كثير)) (8/294)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/158، 159)، ((تفسير السعدي)) (ص: 903)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/ 409، 410). قال القرطبي: (الكَلامُ خَرَج مَخْرَجَ الامتِنانِ عليهم بالنِّعَمِ حينَ قابَلوها بالمعصيةِ، أي: سَوَّيتُ خَلْقَك، وأحكَمْتُه بالقُوى، ثمَّ أنت تَكفُرُ بي!). ((تفسير القرطبي)) (19/152). وقال السعدي: (وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ أي: أحكَمْنا خِلقتَهم بالأعصابِ، والعروقِ، والأوتارِ، والقُوى الظَّاهرةِ والباطنةِ، حتَّى تمَّ الجسمُ واستكمل، وتمكَّن مِن كلِّ ما يُريدُه، فالَّذي أوجَدَهم على هذه الحالةِ قادرٌ على أن يُعيدَهم بعدَ مَوتِهم لجزائِهم، والَّذي نقلَهم في هذه الدَّارِ إلى هذه الأطوارِ، لا يَليقُ به أن يَترُكَهم سُدًى، لا يُؤْمَرونَ ولا يُنْهَوْن، ولا يُثابونَ ولا يُعاقَبون). ((تفسير السعدي)) (ص: 903). .
وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا.
أي: وإذا شِئْنا بَعَثْناهم يومَ القيامةِ، وأعَدْنا أجسامَهم مِن جَديدٍ مِثْلَما كانوا في الدُّنيا [312] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/675)، ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (1/76)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 197، 198)، ((تفسير ابن كثير)) (8/294)، ((تفسير السعدي)) (ص: 903). وممَّن ذهب إلى هذا القَولِ المذكورِ: الزمخشريُّ، وابنُ تيميَّةَ، وابنُ القيِّم، وابنُ كثير، والسعديُّ. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: المعنى: وإذا شِئْنا أهلَكْنا المُشرِكين، وجِئْنا بآخَرِينَ خَيرٍ منهم، فيَكونونَ أطْوَعَ وأتْقَى لله منهم في الدُّنيا. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ في الجملةِ: ابنُ جرير، والسمرقنديُّ، وابنُ أبي زَمَنِين، والنَّسَفيُّ، وأبو حيَّانَ، والشوكانيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/577)، ((تفسير السمرقندي)) (3/529)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/76)، ((تفسير النسفي)) (3/582)، ((تفسير أبي حيان)) (10/369)، ((تفسير الشوكاني)) (5/427). ويُنظر أيضًا: ((الوسيط)) للواحدي (4/406). .
قال تعالى: وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ [الواقعة: 60 - 62] .
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا شَرَح أحوالَ السُّعَداءِ وأحوالَ الأشقياءِ، قال بَعْدَه: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا، والمعنى: إنَّ هذه السُّورةَ بما فيها مِنَ التَّرتيبِ العَجيبِ، والنَّسَقِ البَعيدِ، والوَعدِ والوَعيدِ، والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ: تَذكِرةٌ للمُتأمِّلينَ، وتَبصِرةٌ للمُستَبصِرينَ؛ فمَن شاء الخِيَرَةَ لِنَفْسِه في الدُّنيا والآخِرةِ اتَّخَذ إلى رَبِّه سَبيلًا [313] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/761). .
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ.
أي: إنَّ آياتِ هذه السُّورةِ تَذكيرٌ للنَّاسِ؛ لِيَتَّعِظوا بها ويَعْتَبِروا [314] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/577)، ((تفسير القرطبي)) (19/152)، ((تفسير ابن كثير)) (8/294)، ((تفسير السعدي)) (ص: 903). .
فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا.
أي: فمَن شاء سَلَك طَريقًا يُوصِلُه إلى اللهِ تعالى، وإلى جَنَّتِه ورِضوانِه، بالإيمانِ به، والتَّوبةِ إليه، وطاعتِه [315] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/578)، ((تفسير القرطبي)) (19/152)، ((تفسير ابن كثير)) (8/294)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/160)، ((تفسير السعدي)) (ص: 903)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/411، 412). .
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ناطَ اختيارَهم سَبيلَ مَرضاةِ اللهِ بمَشيئتِهم، أعقَبَه بالتَّنبيهِ إلى الإقبالِ على طَلَبِ مَرضاةِ اللهِ؛ للتَّوسُّلِ برِضاه إلى تيسيرِ سُلوكِ سُبُلِ الخَيرِ لهم؛ لأنَّهم إذا كانوا منه بمحَلِّ الرِّضا والعنايةِ، لَطَف بهم، ويسَّرَ لهم ما يَعسُرُ على النُّفوسِ، مِن المُصابَرةِ على تَرْكِ الشَّهَواتِ المُهلِكةِ [316] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/412). .
وأيضًا لَمَّا أثبَتَ لهم المشيئةَ الَّتي هي مَناطُ التَّكليفِ، وكان رُبَّما ظَنَّ ظانٌّ أو ادَّعى مُدَّعٍ في خَلْقِ الأفعالِ، كما قال أهلُ الاعتزالِ؛ قال نافيًا عنهم الاستِقلالَ [317] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/160). :
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.
أي: وما تَشاؤُونَ -أيُّها النَّاسُ- اتِّباعَ طَريقِ الحَقِّ إلَّا أن يَشاءَ اللهُ لكم ذلك؛ فلا أحَدَ يَقدِرُ على هِدايةِ نَفْسِه [318] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/578)، ((تفسير القرطبي)) (19/152)، ((تفسير ابن كثير)) (8/295). .
قال تعالى: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: 213] .
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا.
أي: إنَّ اللهَ تعالى مُتَّصِفٌ أزَلًا وأبَدًا بالعِلْمِ التَّامِّ، فلا يَخْفى عليه شَيءٌ، ومِن ذلك عِلْمُه بمَن يَستَحِقُّ الهِدايةَ فيُيَسِّرُها له، ومَن يَستَحِقُّ الغَوايةَ فيَصرِفُه عن الهُدى، وهو متَّصِفٌ أزَلًا وأبَدًا بالحِكْمةِ البالِغةِ، فيَضَعُ كُلَّ شَيءٍ في مَوضِعِه الصَّحيحِ اللَّائِقِ به، ومِن ذلك الهِدايةُ والإضلالُ [319] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/578)، ((تفسير القرطبي)) (19/152)، ((تفسير ابن كثير)) (8/295)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/162)، ((تفسير السعدي)) (ص: 903)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/163). .
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31).
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ.
أي: يُدخِلُ اللهُ مَن يَشاءُ مِن عِبادِه في رَحمتِه بتَوفيقِه لسُلوكِ طَريقِه المُستَقيمِ الموصِلِ إلى جَنَّتِه [320] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/578)، ((تفسير القرطبي)) (19/153)، ((تفسير ابن كثير)) (8/295)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/162)، ((تفسير السعدي)) (ص: 903). .
وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
أي: وأعدَّ اللهُ تعالى للظَّالِمينَ أنفُسَهم بالشِّركِ وتَرْكِ التَّوبةِ: عَذابًا مُؤلِمًا مُوجِعًا [321] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/578)، ((تفسير القرطبي)) (19/153)، ((تفسير السعدي)) (ص: 903). .

الفوائد التربوية:

في قَولِه تعالى: إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا إخبارٌ منه سُبحانَه عمَّا يَمنعُ العبدَ مِن إيثارِ ما فيه سَعادتُه في الدُّنيا والآخِرةِ، وهو حُبُّ العاجِلةِ، وإيثارُها على الآخِرةِ؛ تَقديمًا لداعي الحِسِّ على داعي العَقلِ [322] يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (1/75). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ صَحَّ به ما قاله أهلُ السُّنَّةِ مِن أنَّ للعَبدِ مَشيئةً لا تُؤَثِّرُ إلَّا بمشيئةِ اللهِ تعالى وتحريكِها لقُدرةِ العَبدِ، وانتفى مَذهَبُ القَدَريَّةِ الَّذين يَقولونَ: إنَّا نحن نَخلُقُ أفعالَنا! ومَذهَبُ الجَبْرِيَّةِ القائِلينَ: لا فِعْلَ لنا أصلًا [323] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/161). !
2- في قَولِه تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إثباتُ المشيئَتَينِ: مَشيئةِ الرَّبِّ، ومَشيئةِ العَبدِ، وفيها بيانُ أنَّ مَشيئةَ العَبدِ تابِعةٌ لمشيئةِ الرَّبِّ [324] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/238). .
3- يجبُ أنْ نَقْرِنَ كلَّ آيةٍ جاءتْ بلَفظِ المَشيئةِ أو جاءتْ مُعَلَّقةً؛ أنْ نَقْرِنَها بالحِكْمةِ؛ لِقَولِه تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [325] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/81). . فالقاعدةُ: أنَّ كلَّ فِعلٍ لله تعالى مُعلَّقٌ بالمشيئةِ؛ فإنَّه مَقرونٌ بالحِكمةِ، وليس شيءٌ مِن فِعلِه سُبحانَه مُعلَّقًا بالمشيئةِ المجرَّدةِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لا يشرعُ ولا يفعلُ إلَّا لحِكمةٍ [326] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/371). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا يدُلُّ على أنَّه جَفَّ القَلَمُ بما هو كائِنٌ؛ لأنَّ معنى أَعَدَّ: أنَّه عَلِمَ ذلك وقضى به، وأخبَرَ عنه وكتَبَه في اللَّوحِ المحفوظِ، ومَعلومٌ أنَّ التَّغييرَ على هذه الأشياءِ مُحالٌ [327] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/762). .

بلاغة الآيات :

1- قولُه تعالَى: إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا تَعليلٌ للنَّهيِ عن إطاعةِ الكافِرينَ في قولِه: وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا [الإنسان: 24] ، أي: لأنَّ خُلُقَهم الانصبابُ على الدُّنيا مع الإعراضِ عن الآخرةِ؛ إذْ همْ لا يُؤمِنون بالبَعثِ، فلو أطاعَهم لَتَخلَّقَ بخُلقِهم؛ قال تعالَى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ الآيةَ [النساء: 89] ؛ فمَوقعُ (إنَّ) مَوقعُ التَّعليلِ، وهي بمَنزلةِ فاءِ السَّببيَّةِ [328] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/273)، ((تفسير أبي السعود) (9/76)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/407). .
- و(هؤلاء) إشارةٌ إلى حاضِرينَ في ذِهنِ المُخاطَبِ؛ لكَثرةِ الحديثِ عنهم، وقدْ عُلِمَ بالاستِقراءِ مِن القُرآنِ أنَّه إذا أُطلِقَ (هؤلاء) دونَ سَبْقِ ما يكونُ مُشارًا إليه، فالمَقصودُ به المشرِكون [329] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/407). .
- وصِيغةُ المُضارِعِ في يُحِبُّونَ تدُلُّ على تَكرُّرِ ذلك، أي: أنَّ ذلك دَأبُهم ودَيْدَنُهم، لا يُشارِكون مع حُبِّ العاجِلةِ حُبَّ الآخرةِ [330] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/407). .
- ومُتعلَّقُ يُحِبُّونَ مُضافٌ مَحذوفٌ، تَقديرُه: نَعيمَ أو مَنافعَ؛ لأنَّ الحُبَّ لا يَتعلَّقُ بذاتِ الدُّنيا [331] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/408). .
- والعاجِلةُ: صِفةٌ لمَوصوفٍ مَحذوفٍ مَعلومٍ مِن المقامِ، تَقديرُه: الحياةَ العاجِلةَ، أو الدَّارَ العاجلةَ [332] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/407). .
- وفي إيثارِ ذِكرِ الدُّنيا بوَصْفِ الْعَاجِلَةَ تَوطئةٌ للمَقصودِ مِن الذَّمِّ؛ لأنَّ وَصْفَ العاجِلةِ يُؤذِنُ بأنَّهم آثَرُوها لأنَّها عاجلةٌ، وفي ذلك تَعريضٌ بتَحميقِهم؛ إذْ رَضُوا بالدُّونِ؛ لأنَّه عاجلٌ، وليس ذلك مِن شِيَمِ أهلِ التَّبصُّرِ، فقَولُه: وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا واقعٌ مَوقعَ التَّكميلِ لمَناطِ ذَمِّهم وتَحميقِهم؛ لأنَّهم لو أحَبُّوا الدُّنيا مع الاستعدادِ للآخرةِ لَمَا كانوا مَذمومينَ [333] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/408). .
- وصِيغةُ المُضارِعِ في وَيَذَرُونَ تَقْتضي أنَّهم مُستمِرُّون على ذلك، وأنَّ ذلك مُتجدِّدٌ فيهم ومُتكرِّرٌ لا يَتخلَّفون عن ذلك التَّركِ؛ لأنَّهم لا يُؤمِنونَ بحُلولِ ذلك اليَومِ [334] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/408). .
- واليَومُ الثَّقيلُ: هو يومُ القيامةِ، وُصِفَ بالثَّقيلِ؛ لشِدَّةِ ما يَحصُلُ فيه مِن المَتاعبِ والكُروبِ، فهو كالشَّيءِ الثَّقيلِ الَّذي لا يُستطاعُ حمْلُه [335] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/675)، ((تفسير البيضاوي)) (5/273)، ((تفسير أبي حيان)) (10/369)، ((تفسير أبي السعود)) (9/76)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/408)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/329). .
- والآيةُ مِن الاحتباكِ [336] الاحْتِبَاك: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لِدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخِرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القُرآنِ وعناصِرِ إعجازِه، وهو مِن ألْطَفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). : ذَكَر الحُبَّ والعاجِلةَ أوَّلًا؛ دَلالةً على ضِدِّهما ثانيًا، والتَّرْكَ والثِّقلَ ثانيًا؛ دَلالةً على ضِدِّهما أوَّلًا، وسرُّ ذلك: أنَّ ما ذكَره أدَلُّ على سَخافةِ العَقلِ بعَدَمِ التَّأمُّلِ للعواقِبِ [337] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/158). .
2- قولُه تعالَى: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا
- قولُه: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ فيه افتتاحُ الجُملةِ بالمُبتدأِ المُخبَرِ عنه بالخبَرِ الفِعليِّ دونَ أنْ تُفتتَحَ بـ (خَلَقْناهم) أو (نحن خالِقون)؛ لإفادةِ تَقَوِّي الخبَرِ وتَحقيقِه بالنَّظرِ إلى المَعنِيِّينَ بهذا الكلامِ، وإنْ لم يكُنْ خِطابًا لهم، ولكنَّهم هم المَقصودُ منه. وتَقويةُ الحُكمِ بِناءٌ على تَنزيلِ أولئك المَخلوقينَ مَنزِلةَ مَن يشُكُّ في أنَّ اللهَ خَلَقَهم؛ حيثُ لم يَجْرُوا على مُوجبِ العِلمِ، فأنْكَروا أنَّ اللهَ يُعيدُ الخلْقَ بعْدَ البِلى، فكأنَّهم يُسنِدون الخلْقَ الأوَّلَ لغيرِه. وتَقوِّي الحُكمِ يَترتَّبُ عليه أنَّه إذا شاء بدَّلَ أمثالَهم بإعادةِ أجسادِهِم؛ فلذلك لم يُحتَجْ إلى تَأكيدِ جُملةِ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ؛ استِغناءً بتَولُّدِ مَعناها عن معْنى الَّتي قبْلَها، وإنْ كان هو أَولى بالتَّقويةِ على مُقتضى الظَّاهرِ. وهذا التَّقَوِّي هنا مُشعِرٌ بأنَّ كَلامًا يَعقُبُه هو مَصبُّ التَّقَوِّي [338] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/409). .
- وقولُه: وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا إخبارٌ بأنَّ اللهَ قادرٌ على أنْ يُبدِلَهم بناسٍ آخَرينَ، فحُذِفَ مَفعولُ شِئْنَا لدَلالةِ جَوابِ (إذا) عليه، كما هو الشَّأنُ في فِعلِ المَشيئةِ غالبًا، واجتِلابُ (إذا) في هذا التَّعليقِ للدَّلالةِ على تَحقُّقِ القُدرةِ وقُوَّةِ الدَّاعيةِ؛ لأنَّ شأنَ (إذا) أنْ تُفيدَ اليَقينَ بوُقوعِ ما قُيِّدَ بها، بخِلافِ حرْفِ (إنْ)؛ فهو إيماءٌ إلى أنَّ حُصولَ هذه المَشيئةِ مُستقرَبُ الوُقوعِ [339] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/273)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/214)، ((تفسير أبي السعود)) (9/76)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/410). .
- ويَجوزُ أنْ يكونَ هذا بمَنزلةِ النَّتيجةِ لقولِه: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ إلخ، ويُحمَلُ الشَّرطُ على التَّحقُّقِ؛ قال تعالَى: وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [الذاريات: 6]. ويجوزُ أنْ يكونَ قولُه: وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَهديدًا لهم على إعراضِهم وجُحودِهم للبَعثِ، أي: لو شِئْنا لَأهلَكْناهم وخَلَقْنا خَلْقًا آخَرَ مِثلَهم، ويكون (إذا) مُرادًا به تَحقُّقُ التَّلازُمِ بيْنَ شَرطِ (إذا) وجَوابِها، أي: الجُملةِ المضافِ إليها، والجُملةِ المُتعلِّقِ بها [340] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/410). .
- وفِعلُ التَّبديلِ يَقتضي مُبدَّلًا ومُبدَّلًا به، وأيُّهما اعتَبَرْتَه في مَوضعِ الآخَرِ صَحَّ؛ لأنَّ كلَّ مُبدَّلٍ بشَيءٍ هو أيضًا مُبدَّلٌ به ذلك الشَّيءُ، ولا سيَّما إذا لم يكُنْ في المَقامِ غرَضٌ ببَيانِ المَرغوبِ في اقتنائِه، والمَسموحِ ببَذْلِه مِن الشَّيئينِ المُستبدَلينِ، فحُذِفَ مِن الكلامِ هنا مُتعلَّقُ بَدَّلْنَا -وهو المَجرورُ بالباءِ-؛ لأنَّه أَولَى بالحذْفِ، وأُبقِيَ المفعولُ [341] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/410). .
- وانتصَبَ تَبْدِيلًا على المفعولِ المطلَقِ المؤكِّدِ لعامِلِه؛ للدَّلالةِ على أنَّه تَبديلٌ حَقيقيٌّ، وللتَّوصُّلِ بالتَّنوينِ إلى تَعظيمِه وأُعُجوبتِه [342] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/411). .
3- قولُه تعالَى: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا استِئنافٌ ابتدائيٌّ للانتِقالِ مِن بَسْطِ التَّذكيرِ والاستِدلالِ إلى فَذْلكةِ [343] الفَذْلَكة: مِن فَذْلَكَ حِسابَه فَذْلَكةً، أي: أنْهاهُ وفَرَغ منه، وذكَر مُجمَلَ ما فُصِّل أوَّلًا وخُلاصتَه. والفَذْلَكةُ كلمةٌ منحوتةٌ كـ (البَسملةِ) و(الحَوقَلةِ)، مِن قولِهم: (فذَلِكَ كذَا وكذَا عددًا). ويُرادُ بالفَذْلَكةِ: النَّتيجةُ لِمَا سبَق مِن الكلام، والتَّفريعُ عليه، ومنها فَذْلَكةُ الحسابِ، أي: مُجمَلُ تفاصيلِه، وإنهاؤُه، والفراغُ منه، كقولِه تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعدَ قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] . يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (27/293)، ((كناشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). الغرَضِ وحَوصلتِه؛ إشعارًا بانتهاءِ المَقصودِ، وتَنبيهًا إلى فائدتِه، ووَجْهِ الانتفاعِ به، والحثِّ على التَّدبُّرِ فيه، واستثمارِ ثَمرتِه، وباعتبارِ ما تَفرَّعَ عن هذه الجُملةِ مِن قولِه: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ... [الإنسان: 29] إلخ، يُقوِّي مَوقعَ الفَذلكةِ للجُملةِ [344] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/411). .
- وتَأكيدُ الكلامِ بحَرْفِ (إنَّ)؛ لأنَّ حالَ المُخاطَبِينَ عدَمُ اهتمامِهم بها، فهم يُنكِرون أنَّها تَذكرةٌ [345] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/411). .
- قولُه: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ليس على جِهةِ التَّخييرِ، بلْ على جِهةِ التَّحذيرِ مِن اتِّخاذِ غيرِ سَبيلِ اللهِ تعالَى [346] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/370). .
- وأُطلِقَت التَّذكرةُ هنا على الموعظةِ بالإقلاعِ عن عمَلٍ سيِّئٍ والإقبالِ على عمَلٍ صالحٍ، وعلى وُضوحِ الخَيرِ والشَّرِّ لِمَن تَذكَّرَ -أي: تَبصَّرَ- بتَشبيهِ حالةِ المُعرِضِ عن الخيرِ المشغولِ عنه بحالةِ النَّاسي له؛ لأنَّ شَأنَه ألَّا يُفرِّطَ فيه إلَّا مَن كان ناسيًا؛ لِما فيه مِن نفْعٍ له [347] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/411). .
- وفُرِّعَ على قولِه: إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ الحثُّ على سُلوكِ سَبيلِ مَرضاةِ اللهِ بقولِه: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا، أي: ليس بعْدَ هذه التَّذكرةِ إلَّا العملُ بها إذا شاء المُتذكِّرُ أنْ يَعمَلَ بها، ففي قولِه: فَمَنْ شَاءَ حثٌّ على المُبادَرةِ بذلك؛ لأنَّ مَشيئةَ المَرءِ في مُكْنَتِه، فلا يَمنَعُه منها إلَّا سُوءُ تَدبيرِه، وهذا حثٌّ وتَحريضٌ فيه تَعريضٌ بالمشرِكين بأنَّهم أبَوْا أنْ يَتذكَّروا عِنادًا وحسَدًا [348] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/411). .
- قولُه: فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا مَفعولُ شَاءَ مَحذوفٌ، أي: الخيرَ لنفْسِه، وحُسنَ العاقبةِ [349] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/676)، ((تفسير أبي حيان)) (10/370)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/328). .
- لا يَختلِفُ العُقلاءُ في شَرَفِ ما يُوصِلُ إلى الرَّبِّ سُبحانَه، أي: إلى إكرامِه؛ لأنَّ ذلك قَرارةُ الخَيراتِ، ولذلك عُبِّرَ برَبٍّ مُضافًا إلى ضَميرِ فَمَنْ شَاءَ؛ إذ سَعادةُ العبْدِ في الحُظْوةِ عندَ ربِّه [350] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/412). .
4- قولُه تعالَى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا جُملةُ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَتميمٌ واحتراسٌ [351] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/412). والتَّتميمُ: مِن أنواعِ إطنابِ الزِّيادةِ، وهو الإتيانُ بكلمةٍ أو كلامٍ مُتمِّمٍ للمقصودِ، أو لزِيادةٍ حَسنةٍ، بحيثُ إذا طُرِحَ مِن الكلامِ نقَصَ معناه في ذاتِه، أو في صِفاتِه. أو هو الإتيانُ في كلامٍ لا يُوهِمُ غيرَ المرادِ بفَضلةٍ تُفيدُ نُكتةً. أو هو إردافُ الكلامِ بكَلمةٍ تَرفعُ عنه اللَّبسَ، وتُقرِّبُه للفَهمِ، ومِن أمثلةِ التَّتميمِ قولُه تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [النساء: 124] ؛ فقولُه: وَهُوَ مُؤْمِنٌ تتميمٌ في غايةِ الحُسنِ. ومنه قولُه تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206] ؛ وذلك أنَّ العِزَّةَ محمودةٌ ومذمومةٌ، فلمَّا قال: بِالْإِثْمِ اتَّضحَ المعنى وتَمَّ، وتبيَّن أنَّها العِزَّةُ المذمومةُ المُؤثَّمُ صاحِبُها. والاحتِراسُ: هو التَّحرُّزُ مِن الشَّيءِ والتَّحفُّظُ منه، وهو نَوعٌ مِن أنواعِ إطنابِ الزِّيادةِ، وهو أن يكونَ الكلامُ محتملًا لشَيءٍ بعيدٍ، فيُؤتَى بكلامٍ يَدفَعُ ذلك الاحتِمالَ. أو الإتيانُ في كلامٍ يوهِمُ خلافَ المقصودِ بما يدفَعُ ذلك الوهمَ، ويُسمِّيه البعضُ: التَّكميلَ. والفَرقُ بيْنَ الاحتِراسِ والتَّتميمِ: أنَّ الاحتِراسَ يجبُ أنْ يكونَ لرَفْعِ إيهامِ خِلافِ المقصودِ، وأمَّا التَّتميمُ فإنَّه يكونُ في كلامٍ لا يُوهِمُ خِلافَ المقصودِ؛ فالنِّسبةُ بيْنَهما إذَنْ هي التَّبايُنُ. يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/64)، ((تفسير أبي حيان)) (1/120) و(2/333)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/251)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/44)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (1/49 - 51، 240 - 241). .
- وحُذِفَ مَفعولُ تَشَاءُونَ لإفادةِ العُمومِ، والتَّقديرُ: وما تَشاؤونَ شَيئًا أو مَشيئًا، أو الطَّاعةَ، وعُمومُ الأشخاصِ يَستلزِمُ عُمومَ الأحوالِ والأزمنةِ، أي: ما تَشاؤونَ شَيئًا في وَقتٍ مِن الأوقاتِ، أو في حالٍ مِن الأحوالِ [352] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/412، 413). .
- قولُه: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا عُلِّلَ ارتباطُ حُصولِ مَشيئتِهم بمَشيئةِ اللهِ بأنَّ اللهَ عَليمٌ حَكيمٌ، أي: عَليمٌ بوَسائلِ إيجادِ مَشيئتِهم الخيرَ، حَكيمٌ بدَقائقِ ذلك ممَّا لا تَبلُغُ إلى مَعرفةِ دَقائقِه بالكُنْهِ عُقولُ النَّاسِ؛ لأنَّ هنالك تَصَرُّفاتٍ عُلويَّةً لا يَبلُغُ النَّاسُ مَبلَغَ الاطِّلاعِ على تَفصيلِها، ولكنْ حَسْبُهم الاهتداءُ بآثارِها، وتَزكيةُ أنفُسِهم للصَّدِّ عن الإعراضِ عن التَّدبُّرِ فيها [353] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/413). .
- و(ما) نافيةٌ، والاستِثناءُ مِن عُمومِ الأشياءِ المَشيئةِ وأحوالِها وأزْمانِها. ولَمَّا كان ما بعْدَ أداةِ الاستِثناءِ حرْفَ مَصدرٍ، تَعيَّنَ أنَّ المُستثنى يُقدَّرُ مَصدرًا، أي: إلَّا شَيْءَ اللهِ (بمعْنى مَشيئتِه)، وهو صالحٌ لاعتبارِ المعْنى المَصدريِّ، ولاعتبارِ الحالةِ، ولاعتبارِ الزَّمانِ؛ لأنَّ المَصدرَ صالحٌ لإرادةِ الثَّلاثةِ باختلافِ التَّأويلِ؛ فإنْ قُدِّرَ مُضافٌ كان المعْنى: إلَّا حالَ مَشيئةِ اللهِ، أو إلَّا زمَنَ مَشيئتِه، وإنْ لم يُقدَّرْ مُضافٌ كان المعْنى: لا مَشيئةَ لكمْ في الحقيقةِ إلَّا تَبعًا لمَشيئةِ اللهِ، وإيثارُ اجتلابِ (أنِ) المَصدريَّةِ مِن إعجازِ القرآنِ. ويجوزُ أنْ يكونَ فِعلَا تَشَاءُونَ ويَشَاءَ اللَّهُ مُنزَّلينِ مَنزلةَ اللَّازِمِ، فلا يُقدَّرُ لهما مَفعولانِ، ويكونَ الاستِثناءُ مِن أحوالٍ، أي: وما تَحصُلُ مَشيئتُكم في حالٍ مِن الأحوالِ إلَّا في حالِ حُصولِ مَشيئةِ اللهِ، وفي هذا كلِّه إشارةٌ إلى دِقَّةِ كُنْهِ مَشيئةِ العبْدِ تُجاهَ مَشيئةِ اللهِ؛ ففي الآيةِ تَنبيهُ النَّاسِ إلى هذا المعْنى الخَفيِّ؛ ليَرقُبُوه في أنفُسِهم فيَجِدوا آثارَه الدَّالَّةَ عليه قائمةً مُتوافرةً؛ ولهذا أُطنِبَ وَصْفُ هذه المشيئةِ بالتَّذييلِ بقولِه: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا، فهو تَذييلٌ أو تَعليلٌ لجُملةِ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ [الإنسان: 31] ، أي: لأنَّه واجبٌ له العِلمُ والحكمةُ، فهو أعلَمُ، فمَن شاء أنْ يُدخِلَه في رَحمتِه، ومَن شاء أبْعَدَه عنها. وهذا إطنابٌ لم يَقَعْ مِثلُه في قولِه تعالَى في سُورةِ (عَبَسَ) [11، 12]: كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ؛ لأنَّ حُصولَ التَّذكُّرِ مِن التَّذكرةِ أقرَبُ وأمكَنُ مِن العملِ بها، المُعبَّرِ عنه بالسَّبيلِ المُوصلةِ إلى اللهِ تعالَى؛ فلذلك صُرِفَت العِنايةُ والاهتمامُ إلى ما يَلوحُ بوَسيلةِ اتِّخاذِ تلك السَّبيلِ [354] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/413، 414). .
- قولُه: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ بتاءِ الخِطابِ على الالتفاتِ مِن الغَيبةِ إلى الخِطابِ [355] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/415). والالتفات: هو نقْلُ الكلامِ مِن أسلوبٍ إلى أسلوبٍ آخَرَ؛ تجديدًا لنشاطِ السَّامعِ، وصيانةً لخاطرِه مِن الملالِ والضَّجرِ بدوامِ الأسلوبِ الواحدِ على سمعِه، كالانتقالِ مِن الخِطابِ إلى الغيبةِ، أو تغييرِ ضميرِ المتكلِّمِ نفسِه تارةً يجعلُه تاءً على جهةِ الإخبارِ عن نفسِه، وتارةً يجعلُه كافًا، فيجعلُ نفسَه مخاطبًا، وتارةً يجعلُه هاءً، فيُقيمُ نفسَه مقامَ الغائبِ. وشرطُه أنْ يكونَ الضَّميرُ في المتنقلِ إليه عائدًا في نفسِ الأمرِ إلى الملتفِّ عنه، وللمتكلِّمِ والخطابِ والغيبةِ مقامات، والمشهورُ أنَّ الالتفاتَ هو الانتقالُ مِن أحدِها إلى الآخرِ بعدَ التَّعبيرِ بالأوَّلِ. يُنظر: ((البرهان)) للزركشي (3/314)، ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 200 - 201). .
5- قولُه تعالَى: يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا بَيانٌ لأحكامِ مَشيئتِه تعالى المُترتِّبةِ على عِلمِه وحِكمتِه [356] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/76). . فالجملةُ مُستأنَفةٌ استئنافًا بَيانيًّا ناشئًا عن جُملةِ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الإنسان: 30] ؛ إذ يَتساءلُ السَّامعُ عن أثَرِ مَشيئةِ اللهِ في حالِ مَن اتَّخَذَ إلى ربِّه سَبيلًا، ومَن لم يتَّخِذْ إليه سَبيلًا، فيُجابُ بأنَّه يُدخِلُ في رَحمتِه مَن شاء أنْ يَتَّخِذَ إليه سَبيلًا، وأنَّه أعدَّ لِمَن لم يَتَّخِذْ إليه سَبيلًا عَذابًا أليمًا، وأولئك هم الظَّالِمونَ. ويَجوزُ أنْ تكونَ الجُملةُ خبَرَ (إنَّ) في قولِه: إِنَّ اللَّهَ [الإنسان: 30] ، وتكونَ جُملةُ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان: 30] مُعترِضةً بيْن اسمِ (إنَّ) وخبَرِها، أو حالًا، وهي على التَّقديرينِ مُنبِئةٌ بأنَّ إجراءَ وَصفَيِ العليمِ الحكيمِ على اسمِ الجَلالةِ مُرادٌ به التَّنبيهُ على أنَّ فِعلَه كلَّه -مِن جَزاءٍ برَحمةٍ أو بعَذابٍ- جارٍ على حسَبِ عِلمِه وحِكمتِه [357] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/416). .
- وانتَصَبَ وَالظَّالِمِينَ على أنَّه مَفعولٌ لفِعلٍ مَحذوفٍ يدُلُّ عليه المذكورُ على طَريقةِ الاشتغالِ، والتَّقديرُ: أوعَدَ الظَّالِمين، أو كافَأَ، أو نحْوُ ذلك ممَّا يُقَدِّرُه السَّامعُ مُناسِبًا للفِعلِ المذكورِ بعْدَه [358] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/676)، ((تفسير البيضاوي)) (5/273)، ((تفسير أبي حيان)) (10/370)، ((تفسير أبي السعود)) (9/76)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/416)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (10/328). .
- الآيةُ مِن الاحتباكِ [359] الاحْتِبَاك: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لِدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخِرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القُرآنِ وعناصِرِ إعجازِه، وهو مِن ألْطَفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). : ذَكَر الإدخالَ والرَّحمةَ أوَّلًا؛ دَلالةً على الضِّدِّ ثانيًا، والعذابَ ثانيًا؛ دَلالةً على الثَّوابِ أوَّلًا، وسرُّ ذلك: أنَّ ما ذكَرَه أَولى بترغيبِ أهلِ العَدلِ فيه، وإن ساءت حالُهم في الدُّنيا، وبترهيبِ أهلِ الظُّلمِ منه، وإن حَسُنَت حالُهم في الدُّنيا [360] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/163). .