بلاغة الآيات:
1- قولُه تعالَى: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ هذا انتقالٌ إلى توضيحِ بَعضِ أحوالِ المنافِقِينَ الَّتي لا يُبرِزونها إذا جاؤوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولكنَّها تَبرُزُ مِن مُشاهَدتِهم؛ وجُملةُ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ معطوفةٌ على جُملةِ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [المنافقون: 3] ، واقِعةٌ موقِعَ الاحتراسِ والتَّتميمِ [88] الاحتراس: هو التَّحرُّزُ مِن الشَّيءِ والتَّحفُّظُ منه، وهو نوعٌ مِن أنواعِ إطنابِ الزِّيادةِ، وهو أن يكونَ الكلامُ محتملًا لشَيءٍ بعيدٍ، فيُؤتى بكلامٍ يَدفعُ ذلك الاحتمالَ. أو الإتيانُ في كلامٍ يوهِمُ خلافَ المقصودِ بما يَدفَعُ ذلك الوهمَ، ويُسمِّيه بعضُهم: التَّكميلَ. يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 245)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (3/208)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/64)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/251)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 49). التَّتميم: مِن أنواعِ إطنابِ الزِّيادةِ، وهو الإتيانُ بكلمةٍ أو كلامٍ مُتمِّمٍ للمقصودِ، أو لزِيادةٍ حَسنةٍ، بحيثُ إذا طُرِحَ من الكلام نقَصَ معناه في ذاتِه، أو في صِفاتِه. أو: هو الإتيانُ في كلامٍ لا يُوهِمُ غيرَ المرادِ بفَضلةٍ تُفيدُ نُكتةً. أو: هو إردافُ الكلامِ بكَلمةٍ تَرفعُ عنه اللَّبسَ، وتُقرِّبُه للفَهمِ. ومِن أمثلةِ التَّتميمِ قولُه تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [النساء: 124] ؛ فقوله: وَهُوَ مُؤْمِنٌ تتميمٌ في غايةِ الحُسنِ. ومنه قولُه تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة: 206] ؛ وذلك أنَّ العِزَّةَ محمودةٌ ومذمومةٌ، فلمَّا قال: بِالْإِثْمِ اتَّضحَ المعنى وتَمَّ، وتبيَّن أنَّها العزَّةُ المذمومةُ المُؤثَّمُ صاحِبُها. يُنظر: ((تحرير التَّحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 127)، ((التِّبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 217)، ((تفسير أبي حيان)) (1/120) و(2/332، 333)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدِّين درويش (1/44)، ((مفاتيح التَّفسير)) لأحمد سعد الخطيب (1/240، 241). والفَرقُ بيْنَ الاحتِراسِ والتَّتميمِ: أنَّ الاحتِراسَ يجبُ أنْ يكونَ لرَفْعِ إيهامِ خِلافِ المقصودِ، وأمَّا التَّتميمُ فإنَّه يكونُ في كلامٍ لا يُوهِمُ خِلافَ المقصودِ؛ فالنِّسبةُ بيْنَهما إذَنْ هي التَّبايُنُ. يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 245)، ((خِزانة الأدب)) لابن حِجَّة الحَمَوي (2/ 486)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (1/50). ؛ لدَفْعِ إيهامِ مَن يَغُرُّه ظاهرُ صُوَرِهم، وأُتْبِعَ انتفاءُ فِقهِ عقولِهِم بالتَّنبيهِ على عدمِ الاغترارِ بحُسنِ صوَرِهم؛ فإنَّها أجسامٌ خاليةٌ عن كمالِ الأنفُسِ، وتُفِيدُ مع الاحتِراسِ تنبيهًا على دخائلِهِم، بحيث لو حُذِفَ حرْفُ العطفِ مِن الجُملتَينِ، لَصَحَّ وُقوعُهما مَوقِعَ الاستئنافِ الابتدائيِّ، ولكن أُوثِرَ العطفُ للتَّنبيهِ على أنَّ هاتَيْنِ صِفتانِ تُحسَبانِ كمالًا وهُما نَقيصتانِ؛ لعدمِ تناسُقِهما مع ما شأنُه أنْ يكونَ كمالًا؛ فإنَّ جمالَ النَّفْسِ كجمالِ الخِلقةِ إنَّما يحصُلُ بالتَّناسُبِ بيْنَ المَحاسِنِ، وإلَّا فرُبَّما انقلَبَ الحَسنُ مُوجِبَ نَقْصٍ [89] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/238، 239). .
- واللَّامُ في قولِه: لِقَوْلِهِمْ لتَضمينِ تَسْمَعْ معْنى: تُصِغْ أيُّها السَّامعُ؛ إذ ليس في الإخبارِ بالسَّماعِ للقولِ فائدةٌ لولا أنَّه ضُمِّن معْنى الإصغاءِ لوعْيِ كَلامِهم [90] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/239). .
- وجُملةُ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ مُستأنَفةٌ استِئنافًا بَيانيًّا جَوابًا عن سُؤالٍ يَنشَأُ عن وصْفِ حُسنِ أجسامِهم وذَلاقةِ كَلامِهم؛ فإنَّه في صُورةِ مدْحٍ، فلا يُناسِبُ ما قبْلَه مِن ذمِّهم، فيَترقَّبُ السَّامعُ ما يَرِدُ بعْدَ هذا الوصفِ. ويجوزُ أنْ تكونَ الجُملةُ حالًا مِن ضَميرَيِ الغَيبةِ في قولِه: رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [91] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/239، 240). .
- قولُه: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ تشبيهٌ تمثيليٌّ، والمُشبَّهُ به هو الخُشُبُ المنصوبةُ المُسنَدةُ إلى الحائطِ، ووجْهُ الشَّبهِ كَونُ الجانبَيْنِ أشباحًا خاليةً عن العِلمِ والنَّظرِ، ولم يَكتفِ بالتَّشبيهِ بالخُشبِ، بلْ جعَلَها مُسنَدةً إلى الحائطِ، لا انتِفاعَ بها؛ لأنَّها إذا كانت في سقفٍ أو مكانٍ يُنتفَعُ بها، وأمَّا إذا كانت غيرَ مُنتفَعٍ بها فإنَّها تكونُ مُهمَلةً مُسنَدةً إلى الحيطانِ أو مُلقاةً على الأرضِ قد صُفِفَتْ. أو شُبِّهوا بالخُشُبِ الَّتي هي الأصنامُ وقد أُسنِدَتْ إلى الحيطانِ، أو شُبِّهوا بالخُشبِ المُسنَّدةِ في حُسنِ المرْأى وعدَمِ الجَدْوى، أُفِيدَ بها أنَّ أجسامَهم المُعجَبَ بها ومَقالَهم المُصغَى إليه خاليانِ عن النَّفعِ كخُلوِّ الخُشبِ المُسنَّدةِ عن الفائدةِ. وقيل: الجملةُ التَّشبيهيَّةُ وصْفٌ لهُمْ بالجُبنِ والخَوَرِ، ويدُلُّ عليه قولُه: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ. ويُمكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ وجْهَ الشَّبهِ هو عُزوبُ أحلامِهِم، وفراغُ قلوبِهم مِنَ الإيمانِ [92] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/540)، ((تفسير البيضاوي)) (5/214)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (15/429)، ((تفسير أبي حيان)) (10/180)، ((تفسير أبي السعود)) (8/ 252)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/240)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/99، 100). . وقيل غيرُ ذلك [93] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/548). .
- وفي قولِه: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ تَشبيهٌ تَمثيليٌّ أيضًا، أي: أنَّهم -لجُبنِهم وهَلَعِ نُفوسِهم واضطرابِ قلوبِهم- إذا نادى مُنادٍ في المُعسكَرِ أو انْفلَتَتْ دابَّةٌ أو أُنْشِدَتْ ضالَّةٌ وَجَفَتْ قلوبُهم، وزايَلَهم رُشدُهم، وحَسِبوا أنَّ هناك شرًّا يتربَّصُ بهم، وكيدًا ينتظرُ الإيقاعَ بأرواحِهم [94] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/100). !
- قولُه: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ لَمَّا أخبرَه تعالَى بعداوتِهم، أمَرَه بحَذَرِهم، فلا يَثِقُ بإظهارِ موَدَّتِهم، ولا بلِينِ كلامِهم [95] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/181). .
- يجوزُ أنْ تكونَ هذه الجُملةُ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ استِئنافًا بيانيًّا ناشِئًا عن جُملةِ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ؛ لأنَّ تلك الجملةَ لغرابةِ معناها تُثِيرُ سؤالًا عن سبَبِ هلَعِهم، وتخوُّفِهم مِن كلِّ ما يُتخيَّلُ منه بأسُ المُسلِمينَ، فيُجابُ بأنَّ ذلك لأنَّهم أعداءٌ أَلِدَّاءُ للمُسلِمينَ، يَنظُرونَ للمُسلِمينَ بمِرآةِ نُفوسِهم، فكما هُمْ يَترَبَّصونَ بالمُسلِمينَ الدَّوائرَ، ويَتمنَّوْنَ الوقيعةَ بهم، في حِينِ يُظهِرونَ لهمُ الموَدَّةَ، كذلك يَظنُّونَ بالمُسلِمينَ التَّربُّصَ بهم، وإضمارَ البَطشِ بهم، ويَجوزُ أنْ تكونَ الجُملةُ بمَنزلةِ العِلَّةِ لجُملةِ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ على هذا المعنى أيضًا. ويجوزُ أنْ تكونَ استِئنافًا ابتدائيًّا لذِكرِ حالةٍ مِن أحوالِهم تَهُمُّ المسلمينَ مَعرفتُها؛ ليَترتَّبَ عليها تَفريعُ فَاحْذَرْهُمْ، وعلى كلِّ التَّقاديرِ فنَظْمُ الكلامِ وافٍ بالغرَضِ مِن فَضْحِ دخائلِهِم [96] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/252)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/241). .
- قولُه: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ التَّعريفُ في الْعَدُوُّ تعريفُ الجِنسِ الدَّالُّ على معْنى كَمالِ حقيقةِ العدُوِّ فيهم؛ فهمُ الكامِلونَ المُبالِغونَ في العَداوةِ، والرَّاسِخونَ فيها؛ لأنَّ أَعْدَى الأعادي العدُوُّ المُتظاهِرُ بالموالاةِ، وهو مدَّاحٌ وتحتَ ضُلوعِه الدَّاءُ الدَّوِيُّ، وعلى هذا المعنى رُتِّبَ عليه الأمْرُ بالحَذَرِ منهم [97] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/252)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/241). .
- قولُه: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ تَذييلٌ؛ فإنَّه جمَعَ على الإجمالِ ما يُغْني عن تَعدادِ مَذامِّهم، مَسوقٌ للتَّعجيبِ مِن حالِ تَوغُّلِهم في الضَّلالةِ والجهالةِ بعُدولِهم عن الحقِّ، فافتُتِحَ التَّعجيبُ منهم بجُملةٍ أصْلُها دُعاءٌ بالإهلاكِ والاستئصالِ، ولكنَّها غَلَبَ استعمالُها في التَّعجُّبِ أو التَّعجيبِ مِن سُوءِ الحالِ الَّذي جرَّه صاحبُه لنفْسِه؛ فإنَّ كثيرًا مِن الكَلِمِ الَّتي هي دُعاءٌ بسُوءٍ تُستعمَلُ في التَّعجيبِ مِن فِعلٍ أو قولٍ مَكروهٍ، مِثلُ قولِهم: ثَكِلَتْه أُمُّه، ووَيْلُ أُمِّه، وترِبَتْ يَمينُه. واستعمالُ ذلك في التَّعجُّبِ للمُلازَمةِ بيْن بُلوغِ الحالِ في السُّوءِ وبيْن الدُّعاءِ على صاحبِه بالهلاكِ؛ إذ لا نفْعَ له ولا للنَّاسِ في بَقائِه، ثمَّ الملازمةِ بيْن الدُّعاءِ بالهلاكِ وبيْن التَّعجُّبِ مِن سُوءِ الحالِ، فهي مُلازَمةٌ بمَرتبتَينِ كِنايةٌ رَمزيَّةٌ. و(أنَّى) هنا اسمُ استفهامٍ، والاستفهامُ هنا مُستعمَلٌ في التَّعجيبِ؛ لأنَّ الأمرَ العجيبَ مِن شأْنِه أنْ يُستفهَمَ عن حالِ حُصولِه، فالاستفهامُ عنه مِن لَوازمِ أُعجوبتِه؛ فجُملةُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ بَيانٌ للتَّعجيبِ الإجماليِّ المُفادِ بجُملةِ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ؛ فهو تعجيبٌ مِن حالِهِم، أي: كيف يُصرَفونَ عن الحقِّ إلى ما هُمْ عليه مِنَ الكفرِ والضَّلالِ [98] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/541)، ((تفسير البيضاوي)) (5/214)، ((تفسير أبي حيان)) (10/181)، ((تفسير أبي السعود)) (8/252)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/242). ؟!
- وقَاتَلَهُمُ اللَّهُ كَلمةُ ذمٍّ وتوبيخٍ، وهو دعاءٌ عليهم وطلَبٌ مِن ذاتِه تعالَى أنْ يَلعنَهُم ويُخزيَهُم، أو تَعليمٌ للمُؤمِنينَ أنْ يَدعُوا عليهم بذلك، ومَن قاتَلَه اللهُ فهو مغلوبٌ؛ لأنَّه تعالَى هو القاهِرُ لكلِّ مُعانِدٍ [99] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/541)، ((تفسير البيضاوي)) (5/214)، ((تفسير أبي حيان)) (10/181)، ((تفسير أبي السعود)) (8/252)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/241). .
2- قولُه تعالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ هذا حالُ المنافقينَ في العِنادِ، ومُجافاةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، والإعراضِ عن التَّفكُّرِ في الآخِرةِ، بَلْهَ الاستِعدادَ للفوزِ فيها، وتَعَالَوْا طلَبٌ مِنَ المُخاطَبِ بالحضورِ عِندَ الطَّالِبِ، وأصلُه فِعلُ أمْرٍ مِنَ التَّعالي، وهو تكلُّفُ العُلُوِّ، أيِ: الصُّعودِ، وتُنُوسِيَ ذلك، وصار لِمُجرَّدِ طلَبِ الحضورِ. وهذا الطَّلَبُ يجعَلُ تَعَالَوْا مُشعِرٌ بأنَّ هذه حالةٌ مِن أحوالِ انفرادِهم في جماعتِهم، فهي ثالثُ الأغراضِ مِن بيانِ مُختلِفِ أنواعِ تلك الأحوالِ، وقدِ ابتُدِئَتْ بـ إِذَا كما ابتُدِئَ الغرَضانِ السَّابِقانِ بـ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ [المنافقون: 1] ، وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ [100] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/243). [المنافقون: 4] .
- قولُه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ، أي: اذهَبوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسَلُوهُ الاستِغفارَ لكم، وهذا يدُلُّ دَلالةَ اقتِضاءٍ [101] دلالةُ الاقتضاءِ: هي دلالةُ اللفظِ على مقصودٍ محذوفٍ لا بدَّ مِن تقديرِه؛ لتوقُّفِ الصدقِ أو الصحةِ عليه. يُنظر: ((إجابة السائل شرح بغية الآمل)) لابن الأمير (ص: 355)، ((مذكرة في أصول الفقه)) للشنقيطي (ص: 283). على أنَّ المرادَ: تُوبوا مِنَ النِّفاقِ، وأَخْلِصوا الإيمانَ، وسَلُوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِيَستغفِرَ لكم ما فَرَطَ منكم، فكانَ الَّذي قال لهم ذلك مُطَّلِعًا على نِفاقِهم [102] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/243). .
- قولُه: لَوَّوْا قُرِئَ بتَشديدِ الواوِ الأولى مُضاعَف (لَوَى)؛ للدَّلالةِ على الكثرةِ؛ فيَقْتَضي كثرةَ اللَّيِّ منهم، أي: لَوَّى جمعٌ كثيرٌ منهم رُؤوسَهم، وقُرِئَ بتَخفيفِ الواوِ الأولى اكتِفاءً بإسنادِ الفِعلِ إلى ضميرِ الجماعةِ [103] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/541)، ((تفسير ابن عاشور)) (28/244). قرأ نافعٌ، ورَوْحٌ عن يعقوبَ بتخفيفِ الواوِ الأُولى، وقرأ الباقونَ بتشديدِها. يُنظر: ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/388). .
- وجُملةُ يَصُدُّونَ جملةٌ حاليَّةٌ، وأُتِيَ بالمضارعِ ليَدُلَّ على استِمرارِهم [104] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/182). .
3- قولُه تعالَى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
- قولُه: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ جُملةٌ مُعترِضةٌ بيْنَ حِكايةِ أحوالِهم، نشأَتْ لِمُناسَبةِ قولِه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ [المنافقون: 5] إلخ [105] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/244). .
- وتركيبُ: (سواءٌ عليه أكذا أمْ كذا)، ونَحْوِه ممَّا جَرَى مَجْرَى المَثَلِ، فيَلزَمُ هذه الكلماتِ مع ما يُناسِبُها مِن ضمائِرِ المُخبَرِ عنه. ومدلولُه استِواءُ الأمْرَينِ لدَى المجرورِ بحرفِ (على)؛ ولذلك يُعقَبُ بجُملةٍ تُبيِّنُ جِهةَ الاستواءِ؛ كجُملةِ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [106] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/244). .
- و(على) مِن قولِه: عَلَيْهِمْ بمعنى تمكُّنِ الوصفِ؛ فالمعنى: سواءٌ فيهم [107] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/245). .
- وهمزةُ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أصلُها همزةُ استفهامٍ، وهو استفهامٌ مُستعمَلٌ كِنايةً عن قِلَّةِ الاعتناءِ بكِلا الحالَيْنِ بقرينةِ لفظِ سَوَاءٌ، أي: سواءٌ عِندَهمُ استغفارُكَ لهم وعدَمُه، فـ (على) للاستِعلاءِ الَّذي هو التَّمكُّنُ والتَّلبُّسُ؛ فتَؤُولُ إلى معنى (عِندَ) [108] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/245). .
- وجُملةُ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ جُملةٌ مُستأنَفةٌ استِئنافًا ابتدائيًّا عن حالٍ مِن أحوالِهم [109] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/245). .
- وجُملةُ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ مُعترِضةٌ بيْنَ جُملةِ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ وجُملةِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا [المنافقون: 7] ، وهي وعيدٌ لهم، وجزاءٌ على استخفافِهِم بالاستغفارِ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم [110] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/245). .
- وجُملةُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ تعليلٌ لانتفاءِ مغفرةِ اللهِ لهم بأنَّ اللهَ غضِبَ عليهم، فحرَمَهمُ اللُّطْفَ والعِنايةَ [111] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/245). .
- قولُه: الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ، أي: الكامِلينَ في الفِسقِ، الخارجينَ عن دائرةِ الاستصلاحِ، المُنهمِكينَ في الكفرِ والنِّفاقِ، والمرادُ: إمَّا هُم بأعيانِهِم، والإظهارُ في موقعِ الإضمارِ لبيانِ غُلُوِّهِم في الفِسقِ. أوِ الجِنسُ، وهم داخِلونَ في زُمْرَتِهم دُخولًا أوَّليًّا [112] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/253). .