موسوعة التفسير

سورةُ مُحمَّدٍ
الآيات (7-11)

ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ

غريب الكلمات:

فَتَعْسًا: أي: عِثارًا وسُقوطًا وهَلاكًا، يُقالُ للعاثِرِ: تَعْسًا: إذا لم يُريدوا قيامَه، وأصلُ (تعس): يدُلُّ على الكَبِّ .
فَأَحْبَطَ: أي: فأبطَلَ وأذهَبَ الأجرَ، وأصلُ (حبط): يدُلُّ على بُطْلانٍ .
عَاقِبَةُ: أي: خاتمةُ. وعاقبةُ كلِّ شَيءٍ: آخرُه، أو: ما يُؤدِّي إليه السَّببُ المتقدِّمُ، والعاقِبةُ تختصُّ بالثَّوابِ إذا أُطلِقتْ، وقد تُستعمَلُ في العقوبةِ إذا أُضيفَتْ، وأصلُ (عقب): تأخيرُ شَيءٍ، وإتيانُه بعدَ غَيرِه .
دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: أي: أهلَكَهم. وأصلُ التَّدميرِ: إدخالُ الهلاكِ على المُهلَكِ، وأصلُ (دمر): يدُلُّ على الدُّخولِ في البَيتِ وغيرِه .
مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا: أي: وَلِيُّهم وناصِرُهم، والمَوْلَى: الوَلِيُّ القَريبُ، والحَليفُ، والنَّاصِرُ، وأصلُ (ولي): يدُلُّ على القُرْبِ .

المعنى الإجمالي:

يُبشِّرُ الله تعالى المؤمنينَ بنَصرِه إذا نصَروا دينَه، فيقولُ: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إن تَنصُروا دينَ الله ورسولَه يَنصُرْكم اللهُ، ويُثبِّتْ أقدامَكم عندَ قِتالِ أعدائِكم.
ثمَّ يَتوعَّدُ اللهُ تعالَى الكافِرينَ بالخَيبةِ والخُسْرانِ، فيقولُ: والَّذين كَفَروا بالحَقِّ فخِزْيًا لهم وهلاكًا، وسُقوطًا لا قيامَ بَعْدَه، وجَعَل اللهُ أعمالَهم باطِلةً.
ثمَّ يُبيِّنُ الله سبحانَه الأسبابَ الَّتي أدَّتْ بهم إلى الخُسرانِ، فيقولُ: ذلك الإتْعاسُ للكافِرينَ بسَبَبِ أنَّهم كَرِهوا القُرآنَ الَّذي أنزَلَه اللهُ، فأبطَلَ اللهُ أعمالَهم.
ثمَّ يُوبِّخُ الكافِرينَ على عدمِ الاعتبارِ بمصيرِ الَّذين مِن قَبْلِهم، فيقولُ: أفلَمْ يَسِرِ المُشرِكونَ في الأرضِ فيَنظُروا كيف كانت نهايةُ الكُفَّارِ الَّذين مِن قبْلِهم، أهلَكَهم اللهُ واستأصَلَهم، ولِغَيرِهم مِنَ الكُفَّارِ أمثالُ تلك العاقِبةِ مِن الهلاكِ والدَّمارِ إن لم يُؤمِنوا.
ذلك النَّصرُ للمُؤمِنينَ والهَلاكُ للكافِرينَ بسَبَبِ أنَّ اللهَ يَتولَّى المؤمنينَ ويَنصُرُهم، وأنَّ الكافِرينَ لا وَلِيَّ لهم يَتولَّاهم ويَنصُرُهم.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا ذَكرَ اللهُ تعالى القِتالَ، تشَوَّفَ السَّامعُ إلى حالِ المُقاتِلِ مِنَ النَّصرِ والخِذلانِ؛ فأجابَ بما يُعرِّفُ بشَرطِ النَّصرِ .
وأيضًا لَمَّا ذكَرَ أنَّه لو شاءَ اللهُ لَانتصَرَ منهم، عُلِمَ منْه أنَّ ما أمَرَ به المُسلِمينَ مِن قِتالِ الكُفَّارِ إنَّما أرادَ منه نَصْرَ الدِّينِ بقَطْعِ شَوكةِ أعْدائِه الَّذين يَصُدُّونَ النَّاسَ عنه؛ أتْبَعَهُ بالتَّرغيبِ في نَصْرِ اللهِ، والوعْدِ بتَكفُّلِ اللهِ لهم بالنَّصرِ إنْ نَصَروه، وبأنَّه خاذِلٌ الَّذين كَفَروا بسَبَبِ كَراهيتِهم ما شَرَعَه مِن الدِّينِ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ.
أي: يا أيُّها الَّذين آمَنوا إن تَنصُروا دينَ الله ورسولَه يَنصُرْكم اللهُ .
كما قال الله تبارك وتعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40] .
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.
أي: ويُثبِّتْ أقدامَكم عندَ قِتالِ الكُفَّارِ؛ فلا تخافونَ منهم، ولا تَفِرُّونَ مهما كَثُرَ عَددُهم وقَوِيَتْ عُدَّتُهم .
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه تعالى لَمَّا قال: وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7] ، جاز أنْ يُتوهَّمَ أنَّ الكافِرَ أيضًا يَصبِرُ ويَثبُتُ للقِتالِ؛ فيَدومُ القِتالُ والحِرابُ والطِّعانُ والضِّرابُ، وفيه المَشقَّةُ العَظيمةُ، فقال تعالى: لكمُ الثَّباتُ، ولهمُ الزَّوالُ والتَّغيُّرُ والهَلاكُ؛ فلا يكونُ الثَّباتُ؛ ففي الآيةِ زِيادةٌ في تَقويةِ قُلوبِ المُؤمِنين .
وأيضًا لَمَّا ذَكرَ أهلَ الإيمانِ؛ بيَّن ما لأهلِ الكُفرانِ ، فقال:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ.
أي: والَّذين كَفَروا بالحَقِّ فخِزيًا لهم وشَقاءً وهَلاكًا، وعِثارًا وسُقوطًا لا قيامَ بَعدَه .
وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ.
أي: وجَعَل اللهُ أعمالَهم باطِلةً لا نَفْعَ فيها .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا بيَّنَ اللهُ تعالى ما صنَعَ بالمُشرِكينَ؛ لِيَجتَرئَ به حِزبُه عليهم- بيَّنَ سَبَبه؛ لِيُجتَنَبَ .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9).
أي: ذلك الإتْعاسُ للكافِرينَ وإضلالُ أعمالِهم بسَبَبِ أنَّهم كَرِهوا القُرآنَ الَّذي أنزَلَه اللهُ، فأبغَضُوه ولم يَقبَلوه ولم يَتَّبِعوه؛ فأبطَلَ اللهُ أعمالَهم، فلا يَنتَفِعونَ منها في الدُّنيا، ولا في الآخِرةِ !
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا كان لا يَستَهينُ بهذه القَضايا، ويَجترِئُ مِثلَ هذه البَلايا إلَّا مَن أمِنَ العُقوبةَ، ولا يأمَنُ العُقوبةَ إلَّا مَن أعرَضَ عنِ اللهِ سُبحانَه وتعالى، وكان يَكْفي في الصَّدِّ عنِ الأمْرَيْنِ وقائِعُه تعالى بالأُمَمِ الخالِيَةِ مِن أجْلِ تَكْذيبِ رُسُلِه، ومُناصَبةِ أولِيائِه، والاعتِداءِ على حُدودِه؛ قال تعالى :
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
أي: أفلم يُسافِرِ المُشرِكونَ في الأرضِ فيَنظُروا كيف كانت نهايةُ الكُفَّارِ الَّذين مِن قَبْلِهم بسَبَبِ كُفرِهم ؟
دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
أي: أهلَكَ اللهُ مَنازِلَهم وأموالَهم، وأبادَهم واستأصَلَهم .
وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا.
أي: ولِغَيرِهم مِنَ الكُفَّارِ أمثالُ تلك العاقِبةِ مِن الهلاكِ والدَّمارِ إن لم يُؤمِنوا .
كما قال تعالى: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [المرسلات: 16 - 18].
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا بَيَّنَ اللهُ تعالى أنَّه يُعْلي أولياءَه، ويُذِلُّ أعداءَه؛ بيَّنَ عِلَّتَه، فقال :
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا.
أي: ذلك النَّصرُ للمُؤمِنينَ والإهلاكُ للكافِرينَ بسَبَبِ أنَّ اللهَ يَتولَّى الَّذين آمَنوا فيَنصُرُهم .
كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ... [البقرة: 257] .
وقال سُبحانَه: بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ * سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران: 150، 151].
وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ.
أي: وبسَبَبِ أنَّ الكافِرينَ لا وَلِيَّ لهم يَتولَّاهم فيَنصُرهم .
كما قال تعالى: وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [العنكبوت: 25].
وقال سُبحانَه: وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الشورى: 46] .
وعن البراءِ رَضِيَ اللهُ عنه في حديثِ غَزوةِ أُحُدٍ: ((... قال أبو سُفْيانَ: لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم، فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أجيبُوه. قالوا: ما نقولُ؟ قال: قولوا: اللهُ مَوْلانا ولا مَوْلَى لكم )) .

الفوائد التربوية:

1- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ هذا أمرٌ منه تعالى للمُؤمِنينَ أن يَنصُروا اللهَ بالقيامِ بدينِه، والدَّعوةِ إليه، وجِهادِ أعدائِه -على قولٍ في التَّفسيرِ-، والقَصدِ بذلك وَجْهَ اللهِ؛ فإنَّهم إذا فعَلوا ذلك نصَرَهم اللهُ وثَبَّت أقدامَهم، فهذا وعدٌ مِن كريمٍ صادقِ الوَعدِ أنَّ الَّذي يَنصُرُه بالأقوالِ والأفعالِ سيَنصُرُه مَولاه، ويُيَسِّرُ له أسبابَ النَّصرِ مِن الثَّباتِ وغَيرِه .
2- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ دليلٌ على أنَّ مَنِ استَشعَرَ التَّقوى في مَقاصِدِه، وأخلَصَ النِّيَّةَ لله في أعمالِه؛ لم يُسْلِمْه اللهُ إلى عَدُوِّه، ولم يُعْلِه عليه، وكان الظَّفَرُ له على مَن ناوَأَه .
3- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ فيه وَعيدٌ للأُمَّةِ بأنَّها إن تخلَّت عن نَصرِ اللهِ، والجهادِ في سَبيلِه، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ؛ وكَلَها سُبحانَه إلى نَفْسِها، وتخلَّى عن نَصرِها، وسلَّط عليها عَدُوَّها، ولقد وُجِدَ بعضُ ذلك مِن تسَلُّطِ الفَسَقةِ لَمَّا وُجِدَ التَّهاوُنُ في بعضِ ذلك، والتَّواكُلُ فيه .
4- قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ فيه أنَّ الَّذين يَرتَكِبونَ جميعَ المعاصي ممَّن يتَسَمَّونَ باسمِ المُسلِمينَ، ثمَّ يقولونَ: إنَّ اللهَ سيَنصُرُنا- مَغررونَ؛ لأنَّهم لَيسُوا مِن حِزبِ اللهِ المَوعودينَ بنَصرِه !
5- قَولُه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فيه الحَثُّ على السَّيرِ في الأرضِ، والنَّظرِ في أحوالِ الأممِ السَّابقةِ والاعتبارِ؛ وجْهُ الدَّلالةِ: أنَّ اللهَ وَبَّخَهم على عدَمِ السَّيرِ والنَّظرِ والاعتبارِ .
6- قيلَ في قَولِه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا: يَصِحُّ أن يُقالَ: إنَّ هذه أرْجى آيةٍ في القُرآنِ الكريمِ؛ ذلك بأنَّه سُبحانَه يقولُ: بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا، ولم يَقُلْ: مَوْلى الزُّهَّادِ والعُبَّادِ وأصْحابِ الأوْرادِ والاجتِهادِ؛ فالمُؤمِنُ -وإنْ كان عاصِيًا- مِن جُملةِ الَّذين آمَنوا .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ أنَّ العَهدَ الموَثَّقَ بيْنَ اللهِ وبيْنَ عِبادِه بالنَّصرِ هو أنْ يكونَ النَّصرُ مُتبادَلًا .
2- في قَولِه تعالى: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ .
3- تَركُ امتِثالِ الطَّاعةِ إنْ كان سَبَبُه كراهةَ ما جاء به الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فهذا كفرٌ مُخرِجٌ عن المِلَّةِ، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ، وإنْ كان تكاسُلًا وكراهةً لهذا العَمَلِ نَفْسِه، لا لأنَّ الرَّسولَ جاء به؛ فهذا لا يُخرِجُ مِن الملَّةِ، وهذه مَسألةٌ يجِبُ التَّفَطُّنُ لها .
4- في قَولِه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ثبوتُ الأسبابِ .
5- في قَولِه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا أنَّ سُنَّةَ اللهِ في الخَلقِ واحِدةٌ؛ فالَّذي أهلكَ الأممَ السَّابقةَ بذُنوبِهم يُهلِكُ بعضَ هذه الأُمَّةِ أيضًا بذُنوبِهم .
6- في قَولِه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا إنذارُ المكذِّبِينَ لِرَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ اللهَ ذَكَر كيف كان عاقِبةُ الَّذين مِن قَبْلِهم، وكان عاقِبتَهم الدَّمارُ والهلاكُ. والمعنى: لا تَظُنُّوا أنَّ الدَّمارَ الَّذي لَحِقَ المكذِّبينَ السَّابِقينَ أنَّه خاصٌّ بهم، بل إذا كَذَّبتُم أصابَكم ما أصابَهم .
7- أخبَر اللهُ تعالى في كتابِه أنَّه وليُّ المُؤمِنينَ، وأنَّه يَتولَّى الصَّالِحينَ، وذلك يَتضَمَّنُ أنَّه يَتولَّى مَصالِحَهم في الدُّنيا والآخِرةِ، ولا يَكِلُهم إلى غَيرِه، ومِن ذلك قَولُه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ، وقولُه: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] .
8- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ فيه سُؤالٌ: كيفَ الجَمعُ بيْنَ قَولِه تعالى: لَا مَوْلَى لَهُمْ، وبينَ قَولِه: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ [يونس: 30] ؟
الجوابُ: أنَّ (المولى) ورد بمعنى: السَّيِّدِ والرَّبِّ والنَّاصِرِ؛ فحيث قال: لَا مَوْلَى لَهُمْ أراد: لا ناصِرَ لهم، وحيثُ قال: مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أي: ربِّهم ومالِكِهم، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ [النساء: 1] ، وقال: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 26] . فالمرادُ بالمَولَى في هذا الموضعِ مِن سورةِ (محمَّدٍ): الوليُّ والنَّاصرُ، والمعنى: أنَّ اللهَ يَنصُرُ الَّذين يَنصُرون دِينَه، وهمُ الَّذين آمَنوا، ولا يَنصُرُ الَّذين كَفَروا به فأشْرَكوا معه في إلهيَّتِه، وإذا كان لا يَنصُرُهم فلا يَجِدونَ نَصيرًا؛ لأنَّه لا يَستطيعُ أحدٌ أنْ يَنصُرَهم على اللهِ؛ فنفْيُ جِنسِ المَولى لهم بهذا المعنَى مِن مَعاني المَولى؛ فقولُه: وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ أفادَ شَيئينِ: أنَّ اللهَ لا يَنصُرُهم، وأنَّه إذا لم يَنصُرْهم فلا ناصِرَ لهم. وأمَّا إثْباتُ المَولى لِلمُشرِكين في قَولِه تَعالى: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ إلى قَولِه: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [يونس: 28-30] ، فذلك المَولى بمَعنًى آخَرَ، وهو معنَى: المالِكِ والرَّبِّ؛ فلا تَعارُضَ بيْنَهما .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ
- افتُتِحَ التَّرغيبُ بنِدائهِم بصِلةِ الإيمانِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا؛ اهتِمامًا بالكلامِ، وإيماءً إلى أنَّ الإيمان يَقْتضي منْهم ذلك، والمَقصودُ تَحْريضُهم على الجِهادِ في المُستقبَلِ بعْدَ أنِ اجْتَنَوا فائدتَه مُشاهَدةً يَومَ بَدْرٍ .
- وفي قَولِه: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ جِيءَ في الشَّرْطِ بحَرْفِ (إنْ) الَّذي الأصلُ فيه عَدَمُ الجَزْمِ بوُقوعِ الشَّرطِ؛ للإشارةِ إلى مَشقَّةِ الشَّرْطِ وشِدَّتِه؛ لِيُجعَلَ المَطلوبُ به كالَّذي يُشَكُّ في وَفائِه به .
2- قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ هذا مُقابِلُ قَولِه: وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 4] ؛ فإنَّ المُقاتِلينَ في سَبيلِ اللهِ همُ المُؤمِنون، فهذا عطْفٌ على جُملةِ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [محمد: 4] الآيةَ .
- والتَّعْسُ: الشَّقاءُ، ومِن بَدائعِ القُرآنِ وُقوعُ فَتَعْسًا لَهُمْ في جانِبِ الكُفَّارِ في مُقابَلةِ قَولِه للمُؤمنينَ: وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد: 7] . وانتصَبَ فَتَعْسًا على المَفعولِ المُطلَقِ بَدَلًا مِن فِعلِه، والتَّقديرُ: فتَعِسوا تَعْسَهم، وهو مِن إضافةِ المَصدرِ إلى فاعِلِه، وقُصِدَ مِن الإضافةِ اختِصاصُ التَّعْسِ بهم. ويَجوزُ أنْ يَكونَ فَتَعْسًا لهم مُستعمَلًا في الدُّعاءِ عليهم؛ لِقَصْدِ التَّحقيرِ والتَّفظيعِ، وذلك مِن استِعمالاتِ هذا المُركَّبِ، وحينَئذٍ يَتعيَّنُ في الآيةِ فِعلُ قَولٍ مَحذوفٍ، تَقديرُه: فقال اللهُ: تَعْسًا لهم، أو فيُقالُ: تَعْسًا لهم .
- قولُه: وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ المُرادُ بأعمالِهم: الأعمالُ الَّتي يَرْجُون منها النَّفْعَ في الدُّنيا؛ لأنَّهم لمْ يَكونوا يَرْجُون نَفْعَها في الآخِرةِ؛ إذْ هم لا يُؤمِنون بالبَعثِ، وإنَّما كانوا يَرْجُون مِن الأعمالِ الصَّالحةِ رِضا اللهِ ورِضا الأصنامِ؛ لِيَعيشوا في سَعةِ رِزْقٍ، وسَلامةٍ، وعافيةٍ، وتَسلَمَ أولادُهم وأنْعامُهم؛ فالأعْمالُ المُحبَطةُ بَعضُ الأعمالِ المُضلَّلةِ، وإحْباطُها هو عَدَمُ تَحقُّقِ ما رَجَوه منْها؛ فهو أخَصُّ مِن إضْلالِ أعْمالِهم في قَولِه تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 1] أوَّلَ السُّورةِ. والمَقصودُ مِن ذِكرِ هذا الخاصِّ بعْدَ العامِّ التَّنبيهُ على أنَّهم لم يَنتَفِعوا بها؛ لِئلَّا يَظُنَّ المُؤمِنون أنَّها قدْ تُخفِّفُ عنْهم مِن العَذابِ؛ فقدْ كانوا يَتساءَلون عن ذلك، والمَعنى: أنَّهم لو آمَنوا بما أنزَل اللهُ، لَانتَفَعوا بأعْمالِهم الصَّالحةِ في الآخِرةِ -وهي المَقصودُ الأهَمُّ- وفي الدُّنيا على الجُملةِ. وقد حصَلَ مِن ذِكرِ هذا الخاصِّ بعْدَ العامِّ تأْكيدُ الخبرِ المَذكورِ .
- والإتيانُ باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ في قَولِه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ؛ لِتَمْييزِ المُشارِ إليه أكمَلَ تَمْييزٍ؛ تَنْويهًا به .
- قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أي: كَرِهوا القُرآنَ؛ لِمَا فيه مِن التَّوحيدِ والتَّكاليفِ المُخالِفةِ لِما ألِفُوه واشْتَهَتْه أنفُسُهم، وهو تَخصيصٌ وتَصريحٌ بسَببيَّةِ الكُفْرِ بالقُرآنِ لِلتَّعْسِ والإضلالِ .
- وذكَرَ الإحباطَ معَ ذِكرِ الإضلالِ المرادِ هو منه، فقال: فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ؛ إشْعارًا بأنَّه يَلزَمُ الكُفرَ بالقُرآنِ، ولا يَنفَكُّ عنه بحالٍ .
3- قَولُه تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا تَفريعٌ على جُملةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ [محمد: 8] الآيةَ .
- والاسْتِفهامُ في قَولِه: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ تَقريريٌّ، والمعنى: أليس تَعْسُ الَّذين كَفَروا مَشهودًا عليه بآثارِه مِن سُوءِ عاقِبةِ أمْثالِهم الَّذين كانوا قبْلَهم يَدِينونَ بمِثلِ دِينِهم ؟
- وجُملةُ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ استِئنافٌ بَيانيٌّ، وهذا تَعريضٌ بالتَّهديدِ .
- وفِعلُ دَمَّرَ مُتعَدٍّ إلى المُدمَّرِ بنَفْسِه، يُقالُ: دمَّرَهم اللهُ، وإنَّما عُدِّيَ في الآيةِ بحَرْفِ الاستِعلاءِ؛ لِلْمبالَغةِ في قُوَّةِ التَّدميرِ، فحُذِفَ مَفعولُ دَمَّرَ لِقَصْدِ العُمومِ، ثمَّ جُعِلَ التَّدميرُ واقعًا عليهم، فأفادَ مَعنى: دمَّرَ كلَّ ما يَختَصُّ بهم، وهو المَفعولُ المَحذوفُ، وأنَّ التَّدميرَ واقعٌ عليهم؛ فهُمْ مِن مَشمولِه .
- وجُملةُ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا اعتِراضٌ بيْنَ جُملةِ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ وبيْنَ جُملةِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا [محمد: 11] ، والمُرادُ بالكافرينَ: كُفَّارُ مكَّةَ، والمعنى: ولِكُفَّارِكم أمثالُ عاقِبةِ الَّذين مِن قبْلِهم مِن الدَّمارِ، وهذا تَصريحٌ بما وقَعَ به التَّعريضُ في قَولِه: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ لِلتَّأْكيدِ بالتَّعميمِ ثمَّ الخُصوصِ .
- وعلى أنَّ المُرادَ بالكافرينَ المُتقدِّمونَ؛ فيكونُ قولُه: وَلِلْكَافِرِينَ بطَريقِ وَضْعِ الظَّاهِرِ مَوضِعَ المُضمَرِ، كأنَّه قِيلَ: دمَّرَ اللهُ عليهم في الدُّنيا، ولهُمْ في الآخِرةِ أمْثالُها، وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ . أو يَكونُ عَدَلَ عن أنْ يقولَ: (ولهؤلاء)، إلى قَولِه: وَلِلْكَافِرِينَ؛ تَعميمًا، وتَعليقًا للحُكمِ بالوَصفِ، وهو: العَراقةُ في الكُفرِ؛ فكان فيه بِشارةٌ بأنَّ بَعضَهم سيُنْجيهِ اللهُ تعالى مِن أسْبابِ الهَلاكِ؛ لكَونِه ليس عَريقًا في الكُفرِ؛ لأنَّه لم يُطبَعْ عليه .
- وقولُه: أَمْثَالُهَا أي: أمْثالُ عَواقبِهم أو عُقوباتِهم، لكنْ لا على أنَّ لهؤلاءِ أمْثالَ ما لأولئك وأضْعافَه، بلْ مِثْلَه، وإنَّما جُمِعَ باعْتِبارِ مُماثَلتِه لِعَواقِبَ مُتعدِّدةٍ حَسَبَ تَعدُّدِ الأُمَمِ المُعذَّبةِ . فاللهُ تعالى اسْتأصَلَ الكافرينَ مَرَّاتٍ حتَّى استَقرَّ الإسلامُ؛ فاسْتأْصَلَ صَناديدَهم يَومَ بَدْرٍ بالسَّيفِ، ويومَ حُنَينٍ بالسَّيفِ أيضًا، وسلَّطَ عليهم الرِّيحَ يومَ الخَنْدقِ فهَزَمَهم، وسلَّطَ عليهم الرُّعبَ والمَذلَّةَ يومَ فتْحِ مكَّةَ، وكُلُّ ذلك مُماثِلٌ لِما سَلَّطه على الأُمَمِ في الغايةِ منه، وهو نَصرُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ودينِه، وقد جعَلَ اللهُ ما نصَرَ به رَسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم أعلى قيمةً؛ بكَونِه بيَدِه وأيْدي المؤمِنينَ مُباشَرةً بسُيوفِهم، وذلك أنْكى للعَدُوِّ .
4- قَولُه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
- قولُه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا فيه الإتيانُ باسمِ الإشارةِ ذَلِكَ؛ لِتَمْييزِ المُشارِ إليه أكمَلَ تَمْييزٍ؛ تَنْويهًا به . واسمُ الإشارةِ هذا مُنصَرِفٌ إلى مَضمونِ قَولِه: وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد: 10] ، بتَأْويلِ: ذلك المذكورُ -على قولٍ-؛ لأنَّه يَتضمَّنُ وَعيدًا لِلمُشرِكين بالتَّدميرِ، وفي تَدْميرِهم انتِصارٌ لِلمُؤمِنينَ على ما لَقُوا منهم مِن الأضرارِ؛ فأُفِيدَ أنَّ ما تَوعَّدَهم اللهُ به مُسبَّبٌ على أنَّ اللهَ نَصيرُ الَّذين آمَنوا، وهو المَقصودُ مِن التَّعليلِ، وما بعْدَه تَتْميمٌ .