موسوعة التفسير

سورةُ غافِرٍ
الآيات (36-40)

ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ

غريب الكلمات:

صَرْحًا: أي: بِناءً وقَصرًا عاليًا، وأصلُ (صرح): يدُلُّ على ظُهورِ الشَّيءِ وبُروزِه [610] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 333)، ((تفسير ابن جرير)) (18/255)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/347)، ((المفردات)) للراغب (ص: 482). .
تَبَابٍ: أي: بُطلانٍ وخَسارٍ وذَهابٍ، والتَّبابُ: الاستِمرارُ في الخُسرانِ [611] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 387)، ((تفسير ابن جرير)) (20/328)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 155)، ((المفردات)) للراغب (ص: 162). .
مَتَاعٌ: أي: مَنفعةٌ ومُتعةٌ قليلةٌ غيرُ باقيةٍ، والمَتاعُ والمُتعةُ: ما يُنتفَعُ به انتِفاعًا قليلًا غيرَ باقٍ، ثمَّ يَنقضي عن قَريبٍ، وأصلُ (متع): يدُلُّ على مَنفعةٍ وامتدادِ مُدَّةٍ في خَيرٍ [612] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/293)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 804). .
الْقَرَارِ: أي: المُستَقَرِّ الَّذي لا يَزولُ، وأصلُ (قرر) هنا: يدُلُّ على تمكُّنٍ [613] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((المفردات)) للراغب (ص: 662). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ تعالى: وقال فِرعَونُ لهامانَ: يا هامانُ ابْنِ لي بِناءً عظيمًا مُرتَفِعًا؛ لَعَلِّي أصِلُ إلى طُرُقِ السَّمواتِ وأبوابِها المُوصِلةِ إلى إلهِ موسى، فأنظُرَ إليه، وإنِّي لَأظُنُّ موسى كاذِبًا في دَعواه أنَّ في السَّماءِ إلهًا! وكذلك زُيِّنَ لِفِرعَونَ سُوءُ عَمَلِه، وصُرِفَ عن طريقِ الحَقِّ، وما كَيْدُ فِرعَونَ إلَّا في خَسارٍ وهَلاكٍ!
وقال الَّذي آمَنَ ناصِحًا لِقَومِه: يا قَومِ اتَّبِعوني أُبَيِّنْ لكم طريقَ الحَقِّ، ويا قَومِ إنَّما هذه الحياةُ الدُّنيا مَتاعٌ، وإنَّ الدَّارَ الآخِرةَ هي دارُ الاستِقرارِ والخُلودِ؛ مَن عَمِلَ في الدُّنيا سَيِّئةً فلا يُجزى في الآخِرةِ إلَّا سَيِّئةً مِثلَها، ومَن عَمِلَ صالحًا وهو مؤمِنٌ بالله ورُسُلِه فأولئك يَدخُلونَ الجنَّةَ، يُرزَقونَ فيها بلا حِسابٍ ولا عَدَدٍ.

تفسير الآيات:

وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا وَصَف اللهُ تعالى فِرعَونَ بكَونِه مُتكَبِّرًا جبَّارًا؛ بيَّنَ أنَّه أبلَغَ في البَلادةِ والحَماقةِ إلى أنْ قَصَد الصُّعودَ إلى السَّمَواتِ [614] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/514). !
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا.
أي: وقال فِرعَونُ لهامانَ: يا هامانُ ابْنِ لي بِناءً عَظيمًا شاهِقًا [615] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/324)، ((الوسيط)) للواحدي (4/13)، ((تفسير ابن عطية)) (4/560)، ((تفسير ابن كثير)) (7/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738). .
كما قال الله تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ [القصص: 38] .
... لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37).
... لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى.
أي: رجاءَ الوُصولِ لطُرُقِ السَّمواتِ وأبوابِها الَّتي تُوصِلُني إلى إلهِ موسى فأنظُرَ إليه [616] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/326)، ((الوسيط)) للواحدي (4/13)، ((تفسير السمعاني)) (5/21)، ((تفسير الرازي)) (27/516)، ((تفسير ابن كثير)) (7/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738). قال ابن الجوزي في معنى الأسبابِ: (قال ابنُ عبَّاسٍ وقَتادةُ: يعني: أبوابَها. وقال أبو صالحٍ: طُرُقَها. وقال غيرُه: المعنى: لَعَلِّي أبلُغُ الطُّرقَ مِن سماءٍ إلى سماءٍ. وقال الزَّجَّاجُ: لَعَلِّي أبلُغُ ما يؤدِّيني إلى السَّمَواتِ). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/38). ويُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/375). وممَّن قال بأنَّ المرادَ: الأبوابُ: السَّمعانيُّ، وابنُ القيِّمِ. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/21)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 189). وممَّن قال بأنَّ المرادَ: الطُّرقُ: الواحديُّ، والنيسابوري، والشوكاني. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/13)، ((تفسير النيسابوري)) (6/36)، ((تفسير الشوكاني)) (4/564). قال الرَّسْعَني: (قوله: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ يعني: أبوابَها وطُرقَها، وهذا قولُ عامَّةِ المفسِّرينَ واللُّغَويِّينَ). ((تفسير الرسعني)) (6/618). وذهب ابنُ جريرٍ إلى العُمومِ دونَ تخصيصٍ؛ فذكَر أنَّ السَّببَ هو كلُّ ما تُسُبِّبَ به إلى الوُصولِ إلى ما يُطلَبُ؛ مِن مَنزِلٍ أو بابٍ أو طريقٍ وغيرِ ذلك، فالمعنى: لَعَلِّي أبْلُغُ مِن أسبابِ السَّمواتِ أسبابًا أتَسَبَّبُ بها إلى رؤيةِ إلهِ موسى. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/326). !
كما قال تعالى: فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ [القصص: 38] .
وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا.
أي: وإنِّي لَأظُنُّ موسى كاذبًا في دَعْواه أنَّ في السَّماء إلهًا [617] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/714)، ((تفسير ابن جرير)) (20/327)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/375)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّة (6/468)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738). قال ابن كثير: (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا يحتملُ هذا معنيَينِ؛ أحدُهما: وإنِّي لَأظُنُّه كاذبًا في قولِه: إنَّ للعالَمِ ربًّا غيري. والثَّاني: في دَعْواه أنَّ اللهَ أرسَلَه. والأوَّلُ أشْبَهُ بظاهِرِ حالِ فِرعونَ؛ فإنَّه كان يُنكِرُ ظاهرَ إثباتِ الصَّانعِ، والثَّاني أقرَبُ إلى اللَّفظِ؛ حيث قال: فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى، أي: فأسألَه هل أرسَلَه أمْ لا؟ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا أي: في دَعْواه ذلك. وإنَّما كان مقصودُ فِرعونَ أن يَصُدَّ النَّاسَ عن تصديقِ موسى عليه السَّلامُ، وأن يَحُثَّهم على تكذيبِه). ((البداية والنهاية)) (2/90). وقال الذهبي: (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا يعني: أظُنُّ مُوسى كاذِبًا أنَّ إلهَه في السَّماءِ). ((العرش)) (2/20). ويُنظر: ((التوحيد)) لابن خزيمة (1/263)، ((الإبانة)) لأبي الحسن الأشعري (ص: 106)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/216)، ((تفسير الألوسي)) (12/323). !
وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ.
أي: وهكذا زُيِّنَ لِفِرعَونَ عَمَلُه السَّيِّئُ، فرأَى الباطِلَ حَسَنًا [618] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/327)، ((تفسير القرطبي)) (15/315)، ((تفسير ابن كثير)) (7/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/148). قال ابنُ جرير: (يقولُ الله تعالى ذِكرُه: وهكذا زَيَّن اللهُ لفِرعَونَ -حينَ عَتَا عليه وتَمرَّد- قبيحَ عَمَلِه، حتَّى سَوَّلَتْ له نفْسُه بُلوغَ أسبابِ السَّمواتِ؛ لِيَطَّلِعَ إلى إلهِ مُوسى). ((تفسير ابن جرير)) (20/327). وقال القرطبي: (وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ أي: الشِّركُ والتَّكذيبُ). ((تفسير القرطبي)) (15/315). !
وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ.
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
في قَولِه تعالى: وَصُدَّ قِراءتانِ:
1- قِراءةُ وَصُدَّ بضَمِّ الصَّادِ على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه، أي: مُنِعَ مِن طريقِ الحَقِّ [619] قرأ بها عاصمٌ، وحمزةُ، والكِسائيُّ، ويعقوبُ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/298). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 315)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 632)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 96). .
2- قِراءةُ وَصَدَّ بفَتحِ الصَّادِ إسنادًا إلى الفاعِلِ، فقيل: المعنى: صَدَّ نَفْسَه عن الحَقِّ. وقيل: صَدَّ غَيْرَه عن الحَقِّ [620] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/298). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 315)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 632)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 96). قال ابنُ القيِّم: (صَدَّ بفتح الصَّادِ، ويحتمِلُ وجهَينِ؛ أحدُهما: أعرَضَ، فيَكونُ لازِمًا. والثَّاني: يكونُ صَدَّ غَيرَه، فيكونُ مُتعدِّيًا، والقِراءتانِ كالآيتَينِ؛ لا يَتناقَضانِ). ((شفاء العليل)) (ص: 96). وذكر ابنُ عثيمين أنَّها تَشملُ المعنيَينِ. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 303). .
وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ.
أي: ومُنِعَ فِرعَونُ، وصُرِفَ عن طَريقِ الحَقِّ [621] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/327)، ((تفسير ابن كثير)) (7/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738). .
وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ.
أي: وما احتيالُ فِرعَونَ الَّذي احتاله للاطِّلاعِ إلى إلهِ موسى -بزَعْمِه- إلَّا في خَسارٍ وهَلاكٍ لا يَنالُ به شَيئًا مِمَّا أرادَه [622] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/328)، ((الوسيط)) للواحدي (4/14)، ((تفسير ابن كثير)) (7/144)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/148). قال الماوَرْدي: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ فيه وجْهانِ؛ أحدُهما: في خُسرانٍ. قاله ابنُ عبَّاسٍ. الثَّاني: في ضلالٍ. قاله قَتادةُ. وفيه وجْهانِ: أحدُهما: في الدُّنيا؛ لِما أطْلَعَه الله عليه مِن هلاكِه. الثَّاني: في الآخِرةِ؛ لِمَصيرِه إلى النَّارِ. قاله الكَلْبيُّ). ((تفسير الماوردي)) (5/157). وقال ابن عطيَّة: (وتَبُّ فِرعَونَ ظاهِرٌ؛ لأنَّه خَسِرَ مالَه في الصَّرحِ وغَيرِه، وخَسِرَ مُلكَه، وخَسِرَ نَفْسَه، وخُلِّدَ في جهنَّمَ). ((تفسير ابن عطية)) (4/560). وقال ابنُ عاشور: (المرادُ بكَيدِه: ما أمَرَ به مِن بناءِ الصَّرحِ، والغايةُ منه، وسُمِّيَ كيدًا؛ لأنَّه عَمَلٌ ليس المرادُ به ظاهِرَه، بل أُريدَ به الإفضاءُ إلى إيهامِ قَومِه كَذِبَ موسى عليه السَّلامُ). ((تفسير ابن عاشور)) (24/148). .
وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38).
أي: وقال الَّذي آمَنَ ناصِحًا لِقَومِه: يا قَومِ إنِ اتَّبَعتُموني أُبَيِّنْ لكم الطَّريقَ الصَّحيحَ الَّذي تَصِلونَ به إلى الجنَّةِ [623] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/329)، ((الوسيط)) للواحدي (4/14)، ((تفسير القرطبي)) (15/316)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 311، 312). .
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39).
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ.
أي: يا قَومِ ما هذه الحياةُ الدُّنيا إلَّا مَتاعٌ قَليلٌ فانٍ لا يَبقَى [624] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/329)، ((الوسيط)) للواحدي (4/14)، ((تفسير القرطبي)) (15/317)، ((تفسير ابن كثير)) (7/145)، ((لطائف المعارف)) لابن رجب (ص: 28)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738). .
وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ.
أي: وإنَّ الدَّارَ الآخِرةَ هي دارُ الاستِقرارِ والخُلودِ؛ إمَّا في نعيمِ الجنَّةِ، أو عذابِ النَّارِ؛ فاعمَلوا لآخِرتِكم الَّتي لا زَوالَ لها، ولا انتِقالَ منها [625] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/329)، ((تفسير القرطبي)) (15/317)، ((تفسير ابن كثير)) (7/145)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738). .
ثُمَّ بَيَّن كيفَ تحصُلُ المُجازاةُ في الآخرةِ [626] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/518). ، فقال:
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40).
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا.
أي: مَن عَمِلَ في الدُّنيا سَيِّئةً مِن كُفرٍ أو شِركٍ أو مَعصيةٍ، فلا يَجزيه اللهُ في الآخِرةِ إلَّا سَيِّئةً واحِدةً مِثلَها بلا زيادةٍ، فيُعاقِبُه بما يَسوؤُه؛ جَزاءً بما عَمِلَ [627] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/330)، ((تفسير القرطبي)) (15/317)، ((تفسير ابن كثير)) (7/145)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/73، 74)، ((تفسير الشوكاني)) (4/565)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738). قال الشوكاني: (والظَّاهِرُ شمولُ الآيةِ لكلِّ ما يُطلَقُ عليه اسمُ السَّيِّئةِ). ((تفسير الشوكاني)) (4/565). .
كما قال تعالى: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل: 90] .
وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.
أي: ومَن عَمِلَ مِن العبادِ -سواءٌ كان ذكرًا أو أنثى- عمَلًا صالِحًا، بامتِثالِ أمْرِ اللهِ واجتِنابِ نَهْيِه، وهو مُؤمِنٌ باللهِ ورُسُلِه: فأولئك يَدخُلونَ الجنَّةَ في الآخِرةِ [628] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/330)، ((الوسيط)) للواحدي (4/14)، ((تفسير الشوكاني)) (4/565)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 317-319). .
كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء: 124] .
يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ.
أي: يُرزَقونَ فيها ثوابًا كَثيرًا لا نَفادَ له، بلا حَدٍّ ولا عَدٍّ [629] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/145)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/75)، ((تفسير السعدي)) (ص: 738)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/151). وممَّن قال بهذا المعنى المذكورِ في الجملةِ: ابنُ كثير، والبِقاعي، والسعدي، وابن عاشور. يُنظر: المصادر السابقة. قال قَتادةُ: (لا واللهِ ما هناكم مِكْيالٌ ولا ميزانٌ). يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/331). وقيل: المعنى: أنَّهم يُرزَقونَ في الجنَّةِ بغيرِ تَبِعةٍ عليهم. وممَّن قال بهذا المعنى في الجملةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمان، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/714)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 319). قال ابنُ عثيمين: (يعني: لا يُحاسَبون عليه، ولا يَنقُدونَ له ثمنًا... لا يُطلَبُ مِن الإنسانِ عِوَضٌ، ولا يَلحَقُه تَبِعةٌ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 319، 322). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى حكايةً عن فِرعونَ: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا أنَّ رؤساءَ الضَّلالِ وأئمَّةَ الضَّلالِ يَدْعُونَ النَّاسَ إلى الضَّلالِ بكُلِّ ما يَستطيعونَ، ويُحاوِلونَ أنْ يَحُولوا بيْنَهم وبيْنَ الحَقِّ، وقَولُ فِرعَونَ: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ أي: موسى كَاذِبًا في أنَّ له إلهًا غيري؛ قال هذا تمويهًا على أصحابِه، وخوفًا أنْ يَقَعَ في نُفوسِهم شَيءٌ حينَ أمَر وزيرَه أنْ يَبنيَ له صَرحًا، قال: وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا، وفِرعَونُ في هذه المقالةِ كاذِبٌ؛ فهو لا يَظُنُّ أنَّ موسى كاذِبٌ؛ فلا تَغْتَرَّ برُؤساءِ الضَّلالِ وأئمَّةِ الضَّلالِ وما يقولونَ مِن التَّمويهِ والدَّجَلِ، وليس هذا مقصورًا على أئمَّةِ السُّلطةِ الَّذين لهم السُّلطةُ، بل حتَّى على أئمَّةِ الدَّعوةِ الَّذين يَدْعُون النَّاسَ إلى أفكارِهم الهَدَّامةِ وأخلاقِهم السَّافلةِ؛ تَجِدُ عندَهم مِن التَّمويهِ والتَّضليلِ ما يُوجِبُ أنْ يكونَ فَخًّا يَقَعُ به مَن ليس له بَصيرةٌ [630] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 308). .
2- قَولُ الله تعالى: وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ عبَّر بالفِعلِ إشارةً إلى أنَّه يَنبغي لأدنى أهلِ الإيمانِ ألَّا يَحقِرَ نَفْسَه عن الوَعظِ [631] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/71). .
3- في قَولِه تعالى: أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ أنَّه يَنبغي للدَّاعِيةِ إذا دعا إلى شَيءٍ أنْ يُبَيِّنَ ما يكونُ به تَرغيبُ المَدعُوِّ؛ حتَّى يَنشَطَ ويَفعَلَ [632] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 314). .
4- قَولُ الله تعالى: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ فيه تَفصيلُ سَبيلِ الرَّشادِ، وأنَّها العُدولُ عمَّا يَفنى إلى ما يَبقى [633] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/72). ، فتضَمَّنَتْ هذه الآيةُ فائدتَينِ؛ هما: الزُّهْدُ في الدُّنيا، والرَّغبةُ في الآخرةِ [634] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 315). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ فيه التَّحقيرُ للدُّنيا، والتَّصغيرُ لِشَأنِها؛ لأنَّ الإخلادَ إليها أصلُ الشَّرِّ كُلِّه، ومنه يَتشَعَّبُ ما يُؤدِّي إلى سَخَطِ اللهِ تعالى [635] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/72). .
6- في قَولِه تعالى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ... الآيةَ: أنَّه في مَقامِ التَّهديدِ يَنبغي أنْ يُبدَأَ بما يدُلُّ على التَّهديدِ قبْلَ أنْ يُبدَأَ بما يدُلُّ على التَّرغيبِ؛ لأنَّه هنا بَدَأ بالسَّيِّئةِ ثمَّ أعقَبَ بالصَّالحِ، وانظُرْ إلى قَولِ اللهِ تبارك وتعالى في مَقامِ ذِكْرِ الأحكامِ الشَّرعيَّة، قال: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 98] ، ولَمَّا أراد جلَّ وعلا أنْ يَتحدَّثَ عن نَفْسِه ويُبَيِّنَ كَمالَ صِفاتِه قال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49، 50]؛ فلِكُلِّ مَقامٍ مَقالٌ، فالإنسانُ ينبغي له أنْ يُرَتِّبَ المعانيَ حَسَبَ ما تقتضيه الحالُ؛ لا يُلْقِي الحديثَ على عَواهِنِه [636] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 320). يُقالُ: رَمَى الكلامَ على عَواهِنِه: أي: لم يُبالِ أصابَ أمْ أخطأَ، ولم يَتَدبَّرْه، وأورَدَه مِن غيرِ فِكرٍ ورَوِيَّةٍ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (6/2169)، ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (35/439). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ تعليلُه بالتَّرَجِّي الَّذي لا يكونُ إلَّا في المُمكِنِ: دَليلٌ على أنَّه كان يُلَبِّسُ على قَومِه وهو يَعرِفُ الحَقَّ؛ فإنَّ عاقِلًا لا يَعُدُّ ما رامَه في عِدادِ المُمكِنِ العاديِّ [637] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/68). !
2- في قَولِه تعالى: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ حُجَّةٌ على المعتزلةِ -ومَن وافقهم- لِمَا يَزعُمونَ أنَّه سُبحانَه ليس بنَفْسِه في السَّماءِ! وهذا المعنى مِن قَولِ فِرعَونَ -وفِرعَونُ كافرٌ- قد قَطَعَ كلَّ رَيبٍ أنَّه لا مَحالةَ في السَّماءِ؛ إذ مُحالٌ أنْ يقولَ فِرعَونُ إلَّا بعدَ أنْ سَمِعَ موسى عليه السَّلامُ يَدْعوه إلى مَن هو في السَّماءِ [638] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/47). قال الذهبي: (لو لم يكُنْ موسى عليه السَّلامُ يدعوه إلى إلهٍ في السَّماءِ لَما قال هذا؛ إذ لو كان موسى قال له: إنَّ الإلهَ الَّذي أدعوك إليه ليس في السَّماءِ، لَكان هذا القَولُ مِن فِرعَونَ عبَثًا، ولَكان بِناؤُه القَصرَ جُنونًا). ((العرش)) (2/20). .
3- في قَولِه تعالى: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَبتَلي العبدَ فيُزَيِّنُ له سوءَ عمَلِه، ويدُلُّ لهذا قَولُ اللهِ تبارك وتعالى: كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ [639] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 308). [الأنعام: 108] .
4- في قَولِه تعالى: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ حُجَّةٌ على المعتزلةِ فيما ذُكِرَ مِن التَّزيينِ لفِرعَونَ سوءَ عمَلِه؛ فإنْ كان أراد به أنَّه سُبحانَه هو الَّذي زَيَّنَ له، كما قال: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ [النمل: 4] فهو ما يُريدونَ رَدَّه، وإنْ أراد أنَّ الشَّيطانَ زَيَّنَ له، كقَولِه: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [النمل: 24] فهو تَبَعٌ للهِ في ذلك؛ إذْ لا يجوزُ أنْ يكونَ اللهُ جلَّ جَلالُه تَبَعًا له [640] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/48). .
5- قَولُ الله تعالى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا فيه سُؤالٌ: كيف يَصِحُّ هذا الكَلامُ، مع أنَّ كُفرَ ساعةٍ يُوجِبُ عِقابَ الأبَدِ؟
الجوابُ: أنَّ الكافِرَ يَعتَقِدُ في كُفرِه كَوْنَه طاعةً وإيمانًا؛ فلهذا السَّبَبِ يكونُ الكافِرُ على عَزمٍ أن يَبقَى مُصِرًّا على ذلك الاعتِقادِ أبدًا؛ فلا جَرَمَ كان عِقابُه مُؤَبَّدًا، بخِلافِ الفاسِقِ: فإنَّه يَعتقِدُ فيه كَوْنَه خِيانةً ومَعصيةً، فيَكونُ على عَزمٍ ألَّا يبقَى مُصِرًّا عليه؛ فلا جَرَمَ كان عِقابُ الفاسِقِ مُنقَطِعًا [641] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/518). .
6- قَولُ الله تعالى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا فيه دَليلٌ على أنَّ الجِناياتِ تُغرَّمُ بمِثْلِها [642] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/58). . وهذه الآيةُ أصلٌ كبيرٌ في عُلومِ الشَّريعةِ فيما يَتعَلَّقُ بأحكامِ الجِناياتِ؛ فإنَّه يَقتَضي أن يكونَ المِثْلُ مَشروعًا، وأن يكونَ الزَّائِدُ على المِثْلِ غيرَ مَشروعٍ؛ فالأحكامُ الكثيرةُ في بابِ الجناياتِ على النُّفوسِ وعلى الأعضاءِ وعلى الأموالِ: يمكِنُ تَفريعُها على هذه الآيةِ [643] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/518). .
7- قَولُ الله تعالى: فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ واقِعٌ في مُقابَلةِ قَولِه: إِلَّا مِثْلَهَا، يعني: أنَّ جَزاءَ السَّيِّئةِ له حِسابٌ وتقديرٌ؛ لِئَلَّا يَزيدَ على الاستِحقاقِ، فأمَّا جزاءُ العَمَلِ الصَّالِحِ فَبِغَيرِ تقديرٍ ولا حِسابٍ، بل ما شِئتَ مِن الزِّيادةِ على الحَقِّ والكَثرةِ والسَّعةِ، وهذا يدُلُّ على أنَّ جانِبَ الرَّحمةِ والفَضلِ راجِحٌ على جانِبِ القَهرِ والعِقابِ [644] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/519). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الزمخشري)) (4/168). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ هذه مَقالةٌ أُخرى لِفِرْعونَ في مَجلسٍ آخَرَ غيرِ المجلِسِ الَّذي حاجَّه فيه مُوسى؛ ولذلك عُطِفَ قولُه بالواوِ [645] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/145). .
- قولُه: ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ انتصَبَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ على البدَلِ المُطابِقِ لقولِه: الْأَسْبَابَ، وجِيءَ بأُسلوبٍ مِن الإجمالِ ثمَّ التَّفصيلِ؛ للتَّشويقِ إلى المرادِ بالأسبابِ؛ تَفخيمًا لِشأْنِها وشأْنِ عمَلِه؛ لأنَّه أمْرٌ عَجيبٌ؛ لِيُورَدَ على نفْسٍ مُتشَوِّقةٍ إلى مَعرفتِه، وهي نفْسُ هامانَ [646] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/167)، ((تفسير البيضاوي)) (5/58)، ((تفسير أبي حيان)) (9/258)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 502)، ((تفسير أبي السعود)) (7/276)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/146)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/490). .
- وقولُه: ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ، حيث قال في سورةِ (القَصَصِ): فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [القصص: 38] بحذْفِ أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ، وذكَرَها هنا؛ وذلك لأنَّ ما في (القَصَصِ) تَقَدَّمَه مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38] ، مِن غَيرِ ذِكرِ أرضٍ وغَيرِها؛ فناسَبَه الحذْفُ، وما هنا تَقدَّمَه: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ [غافر: 26] ؛ فناسَبَه مُقابَلتُه بالسَّماءِ في قولِه: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ [647] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 431). [غافر: 36، 37].
- وجُملةُ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا مُعترِضةٌ؛ للاحتِراسِ مِن أنْ يَظُنَّ هامانُ وقَومُه أنَّ دَعوةَ مُوسى أوهَنَت منه يَقينَه بدِينِه وآلهتِه، وأنَّه يَرومُ أنْ يَبحَثَ بَحثَ مُتأمِّلٍ ناظِرٍ في أدلَّةِ المعرفةِ، فحقَّقَ لهم أنَّه ما أراد بذلك إلَّا نفْيَ ما ادَّعاهُ مُوسى بدَليلِ الحسِّ. وجِيءَ بحَرْفِ التَّوكيدِ المعزَّزِ بلامِ الابتِداءِ في وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ؛ لِيَنْفِيَ عن نفْسِه اتِّهامَ وَزيرِه إيَّاهُ بتَزلزُلِ اعتِقادِه في دِينِه، والمعنى: أنِّي أفعَلُ ذلك لِيَظهَرَ كذِبُ مُوسى [648] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/147). .
- والظَّنُّ هنا مُستعمَلٌ في مَعنى اليقينِ والقطْعِ؛ ولذلك سمَّى اللهُ عَزْمَه هذا كَيْدًا في قولِه: وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ [649] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/147). .
- وقولُه: وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ عطْفٌ على جُملةِ وَقَالَ فِرْعَوْنُ؛ لِبَيانِ حالِ اعتِقادِه وعمَلِه، بعْدَ أنْ بيَّنَ حالَ أقوالِه، والمعنى: أنَّه قال قولًا مُنبعِثًا عن ضَلالِ اعتِقادٍ، ومُغريًا بفَسادِ الأعمالِ؛ ولهذا الاعتبارِ -اعتِبارِ جَميعِ أحوالِ فِرعونَ- لم تُفصَلْ هذه الجُملةُ عن الَّتي قبْلَها؛ إذ لم يُقصَدْ بها ابتِداءُ قصَّةٍ أُخرى، وهذا يُسمَّى بالتَّوسُّطِ بيْنَ كَمالَيِ الاتِّصالِ والانقِطاعِ في بابِ الفَصْلِ والوَصْلِ مِن عِلمِ المعاني [650] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/147). .
- وافتِتاحُ الجُملةِ بلَفظِ (كَذَلِكَ)، أي: مِثلَ ذلك التَّزيينِ -أي: تَزْيينِ عَمَلِ فِرعونَ- زُيِّنَ له سُوءُ عمَلِه: مُبالَغةٌ في أنَّ تَزْيينَ عمَلِه له بلَغَ مِن القُوَّةِ في نَوعِه ما لا يُوجَدُ له شَبَهٌ يُشَبَّهُ به، فمَنْ أراد تَشبيهَه فلْيُشَبِّهْه بعَينِه! وبُنِيَ فِعلُ زُيِّنَ لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُه؛ لأنَّ المقصودَ مَعرفةُ مَفعولِ التَّزيينِ لا مَعرفةُ فاعِلِه، أي: حصَلَ له تَزيينُ سُوءِ عَمَلِه في نفْسِه، فحَسِبَ الباطلَ حقًّا، والضَّلالَ اهتِداءً [651] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/147) . .
- وتَعريفُ السَّبيلِ في قولِه: وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ للعهْدِ، أي: سَبيلِ اللهِ، أو سَبيلِ الخَيرِ، أو سَبيلِ الهُدى، ويجوزُ أنْ يكونَ التَّعريفُ للدَّلالةِ على الكَمالِ في النَّوعِ، أي: صُدَّ عن السَّبيلِ الكاملِ الصَّالحِ [652] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/148). .
- وجُملةُ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ عطْفٌ على جُملةِ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ [653] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/148). .
2- قولُه تعالَى: وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ
- قولُه: وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ هذا مَقالٌ في مَقامٍ آخَرَ قالَه مُؤمنُ آلِ فِرعونَ، فهذه المقالاتُ المعطوفةُ بالواوِ مَقالاتٌ مُتفرِّقةٌ، فابتدَأَ مَوعظتَه بنِدائِهم؛ لِيَلْفِتَ إليه أذهانَهم، ويَسْتصغيَ أسماعَهم، وبعُنوانِ أنَّهم قَومُه؛ لِتَصْغى إليه أفْئدتُهم [654] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/148). .
- ورتَّبَ خُطْبتَه على أُسلوبِ تَقديمِ الإجمالِ ثمَّ تَعقيبِه بالتَّفصيلِ؛ فابتدَأَ بقولِه: اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ. وسَبيلُ الرَّشادِ مُجمَلٌ، وهو على إجمالِه ممَّا تَتوقُ إليه النُّفوسُ؛ فرَبْطُ حُصولِه باتِّباعِهم إيَّاه ممَّا يُقبِلُ بهم على تَلَقِّي ما يُفسِّرُ هذا السَّبيلَ، ويَسْترعي أسماعَهم إلى ما يقولُه؛ إذ لعلَّه سَيأْتيهم بما تَرغَبُه أنفُسُهم؛ إذ قد يَظُنُّون أنَّه نقَّحَ رأْيَه، ونخَلَ مَقالَه، وأنَّه سَيأْتي بما هو الحقُّ الملائمُ لهم [655] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/168)، ((تفسير أبي حيان)) (9/258)، ((تفسير أبي السعود)) (7/277)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/148، 149). .
- قولُه: أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ الرَّشادُ نَقيضُ الغَيِّ، وفيه تَعريضٌ شَبيهٌ بالتَّصريحِ أنَّ ما عليه فِرعونُ وقَومُه هو سَبيلُ الغَيِّ [656] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/168)، ((تفسير البيضاوي)) (5/58)، ((تفسير أبي السعود)) (7/277). .
3- قولُه تعالَى: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ
- قولُه: يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ أعاد النِّداءَ تأْكيدًا لإقبالِهم؛ إذ لاحَتْ بَوارِقُه، فأكمَلَ مُقدِّمتَه بتَفصيلِ ما أجمَلَه؛ يُذكِّرُهم بأنَّ الحياةَ الدُّنيا مَحدودةٌ بأجَلٍ غيرِ طَويلٍ، وأنَّ وراءَها حياةً أبَديَّةً؛ لأنَّه عَلِمَ أنَّ أشَدَّ دِفاعِهم عن دِينِهم مُنبعِثٌ عن مَحبَّةِ السِّيادةِ والرَّفاهيةِ، وذلك مِن مَتاعِ الدُّنيا الزَّائلِ، وأنَّ الخَيرَ لهم هو العمَلُ للسَّعادةِ الأبَديَّةِ، وقد بنَى هذه المُقدِّمةَ على ما كانوا عليه مِن مَعرفةِ أنَّ وراءَ هذه الحَياةِ حَياةً أبَديَّةً فيها حَقيقةُ السَّعادةِ والشَّقاءِ، وفيها الجزاءُ على الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ بالنَّعيمِ أو العذابِ؛ إذ كانت دِيانتُهم تُثبِتُ حياةً أُخرى بعْدَ الحياةِ الدُّنيا، ولكنَّها حرَّفَت مُعظَمَ وَسائلِ السَّعادةِ والشَّقاوةِ، فهذه حقائقُ مُسَلَّمةٌ عِندَهم على إجْمالِها، وهي مِن نوعِ الأصولِ الموضوعةِ في صِناعةِ الجدَلِ، وبذلك تمَّتْ مُقدِّمةُ خُطْبتِه، وتَهيَّأتْ نُفوسُهم لِبَيانِ مَقصدِه المفسِّرِ لإجمالِ مُقدِّمتِه [657] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/149). .
- وكرَّرَ قَولَه: يَا قَوْمِ؛ زيادةً في استِعطافِهم بكَونِهم أهلَه، فهو غيرُ مُتَّهَمٍ في نُصحِهم؛ لأنَّه لا يُريدُ لهم إلَّا ما يُريدُ لِنَفْسِه [658] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (17/72). .
- والقصْرُ المُستفادُ مِن قَولِه: إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ قَصْرُ مَوصوفٍ على صِفةٍ، أي: لا صِفةَ للدُّنيا إلَّا أنَّها نفْعٌ مُؤقَّتٌ، وهو قصْرُ قلْبٍ [659] تقدم تعريفه (ص: 128). ؛ لِتَنزيلِ قَومِه في تَهالُكِهم على مَنافِعِ الدُّنيا مَنزِلةَ مَن يَحسَبُها مَنافِعَ خالدةً [660] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/149). .
- وفيه تفسيرُ ما أجْملَه في قولِه: أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، حيثُ افتَتَحَ بذمِّ الدُّنيا وتَصغيرِ شأنِها؛ لأنَّ الإخلادَ إليها منه يَتشعَّبُ جميعُ ما يُؤدِّي إلى سَخطِ اللهِ، ويَجلِبُ الشقاوةَ في العاقبةِ، وثنَّى بتعظيمِ الآخِرةِ، والاطِّلاعِ على حقيقتِها، وأنَّها هي الوطنُ والمُستقَرُّ، وذَكَر الأعمالَ سيِّئَها وحسَنَها وعاقبةَ كلٍّ منهما؛ ليُثبِّطَ عمَّا يُتلِفُ، ويُنشِّطَ لِمَا يُزلِفُ، ثمَّ وازَنَ بيْنَ الدَّعْوتَينِ: دَعوةٍ إلى دِينِ اللهِ الَّذي ثَمَرتُه النَّجاةُ، ودَعوتِهم إلى اتِّخاذِ الأندادِ الَّذي عاقِبَتُه النَّارُ، وحذَّر، وأنْذَر، واجتهَد في ذلك واحتشَدَ [661] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/168)، ((تفسير أبي حيان)) (9/258)، ((تفسير أبي السعود)) (7/277). .
- والقَصرُ المُستفادُ مِن ضَميرِ الفصْلِ في قولِه: وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ قصْرُ قلْبٍ، أي: لا الدُّنيا، نَظيرُ القصْرِ في قولِه: إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وهو مُؤكِّدٌ للقصْرِ في قولِه: إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ مِن تأْكيدِ إثباتِ ضِدِّ الحُكْمِ لِضِدِّ المحكومِ عليه [662] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/149، 150). .
4- قولُه تعالَى: مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ
- جُمْلتَا مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً إلى آخِرِهما، بَيانٌ لِجُملةِ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [663] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/149). .
- قولُه: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ لَعلَّ تَقسيمَ العُمَّالِ، وجَعْلَ الجزاءِ جُملةً اسميَّةً مُصَدَّرةً باسمِ الإِشارةِ، وتفضيلَ الثَّوابِ؛ لِتَغليبِ الرَّحمةِ، وجَعْلَ العمَلِ عُمْدةً، والإيمانِ حالًا؛ للدَّلالةِ على أنَّه شَرْطٌ في اعتبارِ العمَلِ، وأنَّ ثَوابَه أعلى مِن ذلك [664] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/58)، ((تفسير أبي السعود)) (7/277). .
- وقولُه: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَيانٌ لِمَا في (مَن) مِن الإبهامِ مِن جانبِ احتِمالِ التَّعميمِ؛ فلَفْظُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مُرادٌ به عُمومُ النَّاسِ بذِكرِ صِنْفَيهم؛ تَنصيصًا على إرادةِ العُمومِ [665] وذكَر ابنُ عاشورٍ أنَّه ليس المقصودُ به إفادةَ مُساواةِ الأنثى للذَّكَرِ في الجزاءِ على الأعمالِ؛ إذ لا مُناسَبةَ له في هذا المقامِ، لكِنْ جَعَل ابنُ عُثيمينَ مِن فوائِدِ الآيةِ مُساواةَ الأنثَى للذَّكَرِ في الجزاءِ على الأعمالِ، واشتِراكَهما في الثَّوابِ والعِقابِ، وجَعَل نظيرَ هذه الآيةِ قولَه تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [آل عمران: 195]. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة غافر)) (ص: 321). ؛ وتَعريضًا بفِرعونَ وخاصَّتِه أنَّهم غيرُ مُفلَتِينَ مِن الجزاءِ [666] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/151). .
- قولُه: فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ جِيءَ باسمِ الإشارةِ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ المُشارَ إليه يَستحِقُّ ما سيُذكَرُ بعْدَ اسمِ الإشارةِ مِن أجْلِ ما ذُكِرَ قبْلَ اسمِ الإشارةِ مِن الأوصافِ، وهي عمَلُ الصَّالحاتِ مع الإيمانِ، زِيادةً على استِفادةِ ذلك مِن تَعليقِه على الجُملةِ الشَّرطيَّةِ [667] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/151). .
- وتَقديمُ المُسنَدِ إليه فَأُولَئِكَ على المُسنَدِ الفِعليِّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ في جُملةِ جَوابِ الشَّرطِ؛ لإفادةِ الحَصْرِ، والمعنى: أنَّكم إنْ مُتُّمْ على الشِّركِ والعمَلِ السَّيِّئِ لا تَدخُلُونها [668] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (24/151). .
- قولُه: بِغَيْرِ حِسَابٍ كِنايةٌ على سَعةِ الرِّزقِ ووَفْرَتِه، وهو واقعٌ في مُقابَلةِ إِلَّا مِثْلَهَا [669] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/168)، ((تفسير أبي السعود)) (7/277)، ((تفسير ابن عاشور)) (24/151). .