موسوعة التفسير

سورةُ النَّملِ
الآيات (71-75)

ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ

غَريبُ الكَلِماتِ:

رَدِفَ لَكُمْ: أي: اقتَرَب لكم، ودنا منكم، وأصلُ (ردف): يدُلُّ على اتِّباعِ الشَّيءِ [1004] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 326)، ((تفسير ابن جرير)) (18/113)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 240)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/503)، ((المفردات)) للراغب (ص: 349)، ((تفسير القرطبي)) (13/230)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 325). .
تُكِنُّ: أي: تُخفي، مِن أكننتُ الشَّيءَ: إذا ستَرْتَه وصُنتَه، وأصلُ (كنن): يدُلُّ على سَترٍ وصَونٍ [1005] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 164)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/123)، ((المفردات)) للراغب (ص: 726)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 34)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 132). .

المعنى الإجماليُّ:

يخبرُ الله تعالى عن استبعادِ المشركينَ ليومِ القيامةِ، فيقولُ: ويَقولُ المُشرِكون: متى هذا الوعدُ بالعذابِ إن كنتُم صادقين في قَولِكم؟!
ثمَّ يأمُرُ اللهُ تعالى رسولَه بالرَّدِّ عليهم، فيقولُ: قُلْ -يا محمَّدُ- لهم: قد دنا لكم بعضُ ما كنتُم تَستَعجِلونَه مِن العذابِ.
ثمَّ يبيِّنُ سبحانَه بعضَ مظاهرِ فضلِه على النَّاسِ وشمولِ عِلمِه، فيقولُ: وإنَّ ربَّك -يا محمَّدُ- لَذو فَضلٍ على النَّاسِ بعدَمِ تَعجيلِ عِقابِهم، والإحسانِ إليهم مع ظُلمِهم، ولكنَّ أكثَرَهم لا يَشكُرونَ اللهَ على ما أنعَمَ عليهم.
وإنَّ ربَّك -يا محمَّدُ- لَيعلَمُ ما يُخفونَه في صُدورِهم وما يُظهِرونَه، وما مِن شَيءٍ غائبٍ في السَّماءِ والأرضِ إلَّا يَعلَمُه اللهُ، وهو مُثبَتٌ في اللَّوحِ المَحفوظِ.

تَفسيرُ الآياتِ:

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71).
أي: ويقولُ المُشرِكون: متى سيأتينا عَذابُ اللهِ -يا محمَّدُ- إنْ كنتُم صادِقينَ فيما تَعِدونَنا به مِن العذابِ [1006] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/113)، ((الوسيط)) للواحدي (3/384)، ((تفسير القرطبي)) (13/229)، ((تفسير السعدي)) (ص: 609)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/27). وممَّن فسَّر الوعدَ المذكورَ بالعذابِ: ابنُ جرير، والواحدي، والقرطبي، والسعدي، وابنُ عاشور. يُنظر: المصادر السابقة. وممَّن قال بهذا القولِ أيضًا: مقاتلُ بنُ سليمان، ويحيى بنُ سلام. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/316)، ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/561). وقيل: المرادُ به: وُقوعُ البعثِ بعدَ الموتِ ومجيءُ يومِ القيامةِ. وممَّن قال بذلك في الجملةِ: السمرقنديُّ، وابنُ كثيرٍ. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/591)، ((تفسير ابن كثير)) (6/209). وممَّن اختار في الجملةِ أنَّ المرادَ: العذابُ، والسَّاعةُ، والبعثُ، والمجازاةُ: ابنُ عطية، والبِقاعي، والشربيني. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/269)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/210)، ((تفسير الشربيني)) (3/72). ؟!
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا استعجلَتْ قُرَيشٌ بأمرِ الساعةِ، أو بالعذابِ الذي وُعِدوا به، وسألوا عن وقتِه على سبيلِ الاستِهزاءِ، قيل له: (قلْ: عسى أنْ يكونَ رَدِفَكم بعضُه) [1007] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/265). .
قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72).
أي: قُلْ -يا محمَّدُ- لهؤلاء المُشرِكينَ: قد دنا لكم [1008] قال ابن عطية: (ورَدِفَ معناه: قرُب وأَزِفَ، قاله ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه، ولكنَّها عبارةٌ عمَّا يجيءُ بعْدَ الشَّيءِ قريبًا منه، ولِكَونِه بمعنَى هذه الأفعالِ الواقعةِ تعدَّى بحرفٍ، وإلَّا فبابُه أن يَتجاوَزَ بنفْسِه). ((تفسير ابن عطية)) (4/269). وقال ابن كثير: (إنَّما دخَلت «اللام» في قولِه: رَدِفَ لَكُمْ؛ لأنَّه ضُمِّن معنى «عَجِل لكم»، كما قال مجاهدٌ في روايةٍ عنه: قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ: عجِل لكم). ((تفسير ابن كثير)) (6/209). وقال البِقاعي: (ولَمَّا قصَر الفعلَ وضمَّنه معنى ما يَتعدَّى باللَّامِ لأجْلِ الاختصاصِ قال: لَكُمْ، أي: لأجْلِكم خاصَّةً). ((نظم الدرر)) (14/210). بعضُ العذابِ الَّذي تَستعجِلونَ وُقوعَه [1009] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/113)، ((الوسيط)) للواحدي (3/384)، ((تفسير الزمخشري)) (3/381)، ((تفسير القرطبي)) (13/230)، ((تفسير ابن كثير)) (6/209)، ((تفسير السعدي)) (ص: 609)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/27). قال ابنُ عاشورٍ: (وهذا إشارةٌ إلى ما سيحُلُّ بهم يومَ بدرٍ). ((تفسير ابن عاشور)) (20/27). وممَّن قال بنحوِ ذلك: الواحديُّ، والزمخشري، والقرطبي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (3/384)، ((تفسير الزمخشري)) (3/381)، ((تفسير القرطبي)) (13/230). .
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73).
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ.
أي: وإنَّ ربَّك -يا محمَّدُ- لَذو فَضلٍ كبيرٍ على النَّاسِ، بإمهالِهم والإحسانِ إليهم مع ظُلمِهم أنفُسَهم [1010] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/115)، ((تفسير القرطبي)) (13/230)، ((تفسير ابن كثير)) (6/209)، ((تفسير السعدي)) (ص: 609)، ((تفسير ابن عاشور)) (20/28). .
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ.
أي: ولكنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يَشكُرونَ اللهَ على نِعَمِه، ويُشرِكون معه غيرَه في العبادةِ، ويَستعجِلونَ عَذابَه [1011] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/115)، ((تفسير القرطبي)) (13/230)، ((تفسير ابن كثير)) (6/209)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/211). .
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان الإمهالُ قد يكونُ مِن الجَهلِ بذُنوبِ الأعداءِ، قال نافيًا لذلك [1012] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/211). :
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74).
أي: وإنَّ ربَّك -يا محمَّدُ- لَيعلَمُ ما يُخفونَه في قُلوبِهم، وما يُظهِرونَه مِن أقوالِهم وأفعالِهم، لا يخفَى عليه منها شَيءٌ [1013] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/115)، ((تفسير السمرقندي)) (2/591)، ((الوسيط)) للواحدي (3/384)، ((تفسير القرطبي)) (13/230)، ((تفسير ابن كثير)) (6/209)، ((تفسير الألوسي)) (10/228). قال البقاعي: (صُدُورُهُمْ أي: النَّاسِ كلِّهم، فضلًا عن قومِك). ((نظم الدرر)) (14/211). وقال الألوسي: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ أي: ما تُخفيه مِن الأسرارِ الَّتي مِن جُملتِها عداوتُك وَمَا يُعْلِنُونَ أي: وما يُظهِرونَه مِن الأقوالِ والأفعالِ الَّتي من جُملتِها ما حُكيَ عنهم؛ فليس تأخيرُ عُقوبتِهم لخَفاءِ حالِهم عليه سُبحانَه؛ فيُجازيهم على ذلك). ((تفسير الألوسي)) (10/228). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/115). .
وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75).
أي: وما مِن شَيءٍ مَخفيٍّ عن العبادِ في السَّماءِ والأرضِ إلَّا يَعلَمُه اللهُ، وهو مثبَتٌ في كتابٍ واضحٍ بيِّنٍ، وهو اللَّوحُ المحفوظُ [1014] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/116)، ((تفسير القرطبي)) (13/231)، ((تفسير ابن كثير)) (6/209)، ((البحر المديد)) لابن عجيبة (4/215)، ((تفسير السعدي)) (ص: 609). قال القرطبي: (ما مِن خَصلةٍ غائبةٍ عن الخَلقِ إلَّا واللهُ عالِمٌ بها، قد أثبَتَها في أمِّ الكتابِ عندَه، فكيف يخفى عليه ما يُسِرُّ هؤلاء وما يُعلِنونَه؟! وقيل: أيْ: كُلُّ شَيءٍ هو مُثبَتٌ في أمِّ الكتابِ، يُخرِجُه للأجَلِ المؤجَّلِ له، فالَّذي يَستعجِلونَه مِن العذابِ له أجَلٌ مَضروبٌ لا يتأخَّرُ عنه ولا يتقَدَّمُ عليه). ((تفسير القرطبي)) (13/231). قال البيضاوي: (مُبِينٍ بَيِّنٌ، أو مُبِينٌ ما فيه لِمَن يُطالِعُه). ((تفسير البيضاوي)) (4/167). وقال ابنُ عجيبة: (المُبِينُ: الظَّاهِرُ البَيِّنُ لِمَن ينظُرُ فيه مِن الملائكةِ. أو: مُبينٌ لِما فيه مِن تفاصيلِ المقدوراتِ. والله تعالى أعلمُ). ((البحر المديد)) (4/215). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/116). ممَّن اختار أنَّ معنى مُبِينٍ: بَيِّنٌ ظاهرٌ: مقاتلُ بن سليمان، وابن أبي زمنين، والواحدي، والزمخشري، والنسفي، وجلال الدين المحلي، والشربيني. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/316)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (3/310)، ((البسيط)) للواحدي (17/294)، ((تفسير الزمخشري)) (3/382)، ((تفسير النسفي)) (2/620)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 503)، ((تفسير الشربيني)) (3/73). قال ابن جرير: (يعني بقولِه: مُبِينٍ أنَّه يَبِينُ لِمَنْ نَظَر إليه، وقَرَأ ما فيه مِمَّا أثْبَت فيه رَبُّنا جلَّ ثَناؤُه). ((تفسير ابن جرير)) (18/116). وقال ابن عاشور: (والمُبِينُ: المُفَصَّلُ؛ لأنَّ الشَّيءَ المُفَصَّلَ يكونُ بَيِّنًا واضحًا). ((تفسير ابن عاشور)) (20/29). .
كما قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] .
وقال سُبحانَه: وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [يونس: 61] .
وقال عزَّ وجلَّ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج: 70] .

الفَوائِدُ التَّربويَّةُ:

في قَولِه تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ تحذيرُ هؤلاء -وغيرِهم أيضًا- مِن أنْ يُكِنُّوا في صدورِهم ما لا يَرضاه اللهُ، لأنَّ إخبارَ اللهِ بأنَّه يَعْلَمُ ذلك معناه التَّحذيرُ؛ أنْ نَحْذَرَ مِن أنْ نُكِنَّ في صُدورِنا ما لا يرضاه اللهُ عزَّ وجلَّ [1015] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 419). .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- في قَولِه تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ إبطالُ قَولِ مَن قال: «إنَّه لا نعمةَ للهِ على الكفارِ» [1016] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (24/570). !
2- في قَولِه تعالى: قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ أنَّ البلاءَ مُوكَلٌ بالمنطقِ، وأنَّ الإنسانَ إذا استعجلَ الشَّرَّ وَقَعَ فيه؛ لِقَولِه: عَسَى أَنْ يَكُونَ، وعسى -كما قال ابنُ عبَّاسٍ- إذا جاءتْ في كلامِ اللهِ فهي للوُجوبِ [1017] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/376). ؛ لأنَّ معناها التوقُّعُ، وأنَّ هذا أمرٌ قد حان وقتُه؛ إذْ إنَّ التَّرجِّيَ بالنِّسبةِ إلى اللهِ غيرُ ممكِنٍ؛ لأنَّ التَّرجِّيَ طلبُ ما فيه عُسرٌ، ولا شَيءَ عسيرٌ على اللهِ عزَّ وجلَّ [1018] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 416). وينظر أيضًا: ((تحفة المودود)) لابن القيم (ص: 122-125) .
3- قَولُه تعالى: عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ فيه سَعَةُ حِلْمِ اللهِ، فقد قال: بَعْضُ دونَ الجميعِ، وهذا مِن حِلْمِ اللهِ تعالى على عبادِه [1019] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 416). .
4- العقلُ يدُلُّ على وجوبِ شُكرِ المُنعِمِ؛ لِقَولِه تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ وهذا على سبيلِ الذَّمِّ، فيكونُ مَن لا يَشكرُ مذمومًا عقلًا ونقلًا [1020] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- الفاتحة والبقرة)) (3/197). .
5- قال الله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ أشار بصِفةِ الرُّبوبيَّةِ المضافةِ إلى نبيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى إمهالِهم؛ إحسانًا إليه، وتَشريفًا له [1021] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (14/211). .
6- قولُه تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ فيه أنَّ عِلْمَ اللهِ تعالى بما بَطَن كعِلْمِه بما ظَهَر؛ لقولِه: مَا تُكِنُّ ووَمَا يُعْلِنُونَ، فلا فرقَ بيْنَ هذا وهذا عندَ اللهِ؛ فالآيةُ فيها بيانُ سَعَةِ عِلمِ اللهِ، وأنَّه لا يخفى عليه شَيءٌ [1022] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 419). .
7- قَولُه تعالى: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ فيه كتابةُ اللهِ تعالى كلَّ شيءٍ في اللَّوحِ المحفوظِ، ويَلزمُ مِن الكتابةِ العِلمُ؛ لأنَّه لا يُكتبُ المجهولُ [1023] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 420). ! فالآيةُ فيها إثباتُ مرتبتَينِ مِن مراتبِ القضاءِ والقَدَرِ؛ هما: العِلمُ، والكتابةُ [1024] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 420). ويُنظر أيضًا: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 29)، ((أعلام السنة المنشورة)) لحافظ حكمي (ص: 78 - 89). .
8- في قَولِه تعالى: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ الرَّدُّ على القَدَرِيَّةِ الَّذين يُنكِرون القَدَرَ، ويقولون: إنَّ اللهَ لا يعلمُ ما يَعمَلُه العبادُ إلَّا بعدَ وُقوعِه منهم [1025] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النمل)) (ص: 420). !

بلاغةُ الآياتِ:

1- قوله تعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
- قولُه: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ فيه التَّعبيرُ بالمُضارِعِ؛ للدَّلالةِ على تَجدُّدِ ذلك القولِ منهم، أي: لم يَزالوا يقولونَ [1026] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/27). .
- قولُه: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ الاستِفهامُ بـ مَتَى تَهكُّمٌ منهم؛ بقَرينةِ قولِه: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [1027] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/27). .
2- قولُه تعالى: قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ أمَر اللهُ نَبيَّه بالجوابِ عن قولِهم؛ لأنَّ هذا مِن عِلْمِ الغَيبِ الَّذي لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ ومَن أطْلَعه على شَيءٍ منه مِن عِبادِه المُصطفَينَ. والجوابُ جارٍ على الأسلوبِ الحكيمِ بحمْلِ استِفهامِهم على حقيقةِ الاستفهامِ؛ تَنبيهًا على أنَّ حقَّهم أنْ يَسألوا عن وَقتِ الوعيدِ؛ لِيَتقدَّموه بالإيمانِ [1028] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/27). .
- قولُه: قُلْ عَسَى ... (عسى) و(لعلَّ) و(سوف) في وَعدِ الملوكِ ووَعيدِهم يَدُلُّ على صِدقِ الأمرِ وجِدِّه وما لا مَجالَ للشَّكِّ بعْدَه، وإنَّما يَعْنُون بذلك: إظهارَ وَقارِهم، وأنَّهم لا يَعجَلون بالانتقامِ؛ لإدلالِهم بقَهْرِهم وغَلَبتِهم، ووُثوقِهم أنَّ عَدُوَّهم لا يَفوتُهم، وأنَّ الرَّمزةَ إلى الأغراضِ كافيةٌ مِن جِهَتِهم؛ فعلى ذلك جَرى وعْدُ اللهِ ووَعيدُه [1029] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/381)، ((تفسير البيضاوي)) (4/166)، ((تفسير أبي السعود)) (6/298). .
- وإيثارُ ما عليهِ النَّظمُ الكريمُ على أنْ يُقالَ: (عَسى أنْ يَرْدَفَكم...) إلخ؛ لِكَونِه أدَلَّ على تَحقُّقِ الوعدِ [1030] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/298). .
- قولُه: بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ فيه حذْفُ مُتعلَّقِ تَسْتَعْجِلُونَ؛ للرِّعايةِ على الفاصلةِ، والتَّقديرُ: تَستعجِلون به [1031] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/27). .
3- قولُه تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ مَوقِعُ هذا مَوقعُ الاستِدراكِ على قولِه: عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ [النمل: 72] ، أي: إنَّ تأخيرَ العذابِ عنهم هو مِن فضْلِ اللهِ عليهم. وهذا خبرٌ خاصٌّ بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ تَنبيهًا على أنَّ تأخيرَ الوعيدِ أثَرٌ مِن آثارِ رَحمةِ اللهِ؛ لأنَّ أزمنةَ التَّأخيرِ أزمنةُ إمهالٍ، فهُم فيها بنِعمةٍ؛ لأنَّ اللهَ ذو فضْلٍ على النَّاسِ كلِّهم [1032] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/28). .
- والتَّعبيرُ بـ لَذُو فَضْلٍ يدُلُّ على أنَّ الفضلَ مِن شُؤونِه. وتَنكيرُ فَضْلٍ؛ للتَّعظيمِ. والتَّأكيدُ بـ (إنَّ) واللَّامِ منظورٌ فيه إلى حالِ النَّاسِ لا إلى حالِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ فالتَّأكيدُ واقعٌ مَوقعَ التَّعريضِ بهم، بقَرينةِ قولِه: وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ. و(لكنَّ) استِدراكٌ ناشئٌ عن عُمومِ الفضلِ منه تعالى؛ فإنَّ عُمومَه وتَكرُّرَه يَستحِقُّ بأنْ يَعلَمَه النَّاسُ، فيَشْكُروه، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَشْكُرون كهؤلاء الَّذين قالوا: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ [النمل: 71] ؛ فإنَّهم يَستعجِلون العذابَ تَهكُّمًا وتَعجيزًا في زَعمِهم، غيرَ قادرينَ قَدْرَ نِعمةِ الإمهالِ [1033] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/28). .
4- قولُه تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ استئنافٌ بَيانيٌّ؛ لأنَّ قولَه: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [النمل: 73] يُثيرُ سُؤالًا في نُفوسِ المؤمنينَ أنْ يَقولوا: إنَّ هؤلاء المُكذِّبين قد أضْمَروا المكْرَ وأعْلَنوا الاستِهزاءَ، فحالُهم لا يَقْتضي إمهالَهم. فيُجابُ بأنَّ الذي أمْهَلَهم مُطَّلِعٌ على ما في صُدورِهم وما أعْلَنوه، وأنَّه أمْهَلَهم مع عِلْمِه بهم؛ لحِكمةٍ يَعلَمُها. وفيه إشارةٌ إلى أنَّهم يُكِنُّون أشياءَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ وللمؤمنينَ. وهذا الاستئنافُ لَمَّا كان ذا جِهةٍ مِن معنَى وَصْفِ اللهِ بإحاطةِ العِلْمِ، عُطِفَت جُملتُه على جُملةِ وَصْفِ اللهِ بالفضلِ؛ فحصَلَ بالعطْفِ غرَضٌ ثانٍ مُهِمٌّ، وحصَلَ معنى الاستئنافِ البَيانيِّ مِن مَضمونِ الجُملةِ [1034] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/28). .
- والتَّأكيدُ بـ (إنَّ) واللَّامِ في قولِه: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ... مَنظورٌ فيه إلى حالِ النَّاسِ لا إلى حالِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ؛ فالتَّأكيدُ واقعٌ مَوقِعَ التَّعريضِ بهم. ويجوزُ أنْ يكونَ لتَنزيلِ السَّائلِ مَنزلةَ المُتردِّدِ؛ وذلك تَلويحٌ بالعِتابِ [1035] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/29). .
- وفي قولِه: مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ أسنَدَ الإعلانَ إلى ذَواتِهم؛ لأنَّ الإعلانَ مِن أفعالِ الجَوارحِ. ولَمَّا كان المُضمَرُ في الصَّدرِ هو الدَّاعيَ لِمَا يَظهَرُ على الجَوارحِ، والسَّببَ في إظهارِه؛ قُدِّمَ الإكنانُ على الإعلانِ [1036] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/266). . وقيل: إنَّما قُدِّمَ الإسرارُ على الإعلانِ؛ للإيذانِ بافْتِضاحِهِم، ووُقوعِ ما يَحْذَرونه مِن أوَّلِ الأمرِ، والمُبالَغةِ في بَيانِ شُمولِ عِلْمِه تعالى المُحيطِ لجَميعِ المعلوماتِ، كأنَّ عِلْمَه بما يُسِرُّونه أقْدَمُ منه بما يُعْلِنونه، مع كَونِهما في الحقيقةِ على السَّوِيَّةِ [1037] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/118، 6/299). .
- وفيه: إيذانٌ بأنَّ لهم قبائحَ غيرَ ما يُظْهِرونَه، وأنَّه تعالى يُجازِيهم على الكلِّ [1038] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/299). .
5- قولُه تعالى: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ عطْفٌ على جُملةِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ [النمل: 74] ، وهو في معنَى التَّذييلِ للجُملةِ المذكورةِ؛ لأنَّها ذُكِرَ منها عِلْمُ اللهِ بضَمائرِهم، فذُيِّلَ ذلك بأنَّ اللهَ يَعلَمُ كلَّ غائبةٍ في السَّماءِ والأرضِ، وإنَّما جاء مَعطوفًا؛ لأنَّه جديرٌ بالاستِقلالِ بذاتِه مِن حيثُ إنَّه تَعليمٌ لِصِفةِ عِلْمِ اللهِ تعالى، وتَنبيهٌ لهم مِن غَفْلتِهم عن إحاطةِ عِلْمِ اللهِ لِمَا تُكِنُّ صُدورُهم وما يُعلِنون [1039] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (20/29). .
- قولُه: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أي: ما مِن شَيءٍ سِرٍّ في السَّمواتِ والأرضِ وعلانيةٍ؛ فاكْتَفَى بذِكْرِ السِّرِّ عن مُقابِلِه. وسُمِّيَ الشَّيءُ الذي يَغِيبُ ويَخفى (غائبةً) و(خافيةً)؛ فكانتِ التَّاءُ فيهما بمَنزلتِها في (العاقبةِ) و(العافيةِ). ويجوزُ أنْ يَكونَا صِفَتينِ، وتاؤهما للمُبالَغةِ، كأنَّه قال: وما مِن شَيءٍ شديدِ الغَيبوبةِ والخفاءِ، إلَّا وقد عَلِمَه اللهُ وأحاط به [1040] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/384)، ((تفسير أبي حيان)) (8/267). .