موسوعة التفسير

سورةُ النُّورِ
الآيات (6-10)

ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ

غريب الكلمات:

وَيَدْرَأُ: أي: يَدْفعُ، وأصْلُ (درأ): دَفْعُ الشَّيءِ [159] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 301)، ((تفسير ابن جرير)) (2/119)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/271). .

المعنى الإجمالي:

بعْدَ أن بيَّن الله تعالى حُكمَ القذفِ بصِفةٍ عامَّةٍ، يُبيِّنُ حُكمَ القذفِ إذا ما حدَث بيْنَ الزَّوجينِ، فيقولُ: والذين يَرمونَ زوجاتِهم بالزِّنا، وليس لهم شهودٌ يَشهدون بما رمَوهنَّ به مِن الزِّنا إلا أنفُسُهم، فشهادةُ أحدِهم التي تُزيلُ عنه حدَّ القَذفِ أن يَحلِفَ بالله أربعَ مرَّاتٍ إنَّه صادقٌ فيما رماها به مِن الزِّنا، ويَحلفُ في المرَّةِ الخامسةِ بأنَّ لعنةَ الله عليه إن كان كاذبًا فيما رماها به. ويدفَعُ عن الزوجةِ المقذوفةِ حدَّ الزنا -وهو الرجمُ حتى الموتِ- أن تَحلِفَ أربعَ مرَّاتٍ إنَّه لكاذبٌ في اتِّهامه لها بالزِّنا، وتحلفُ في المرَّة الخامسةِ باستحقاقِها غضَبَ اللهِ إن كان زوجُها صادقًا في اتِّهامه لها بالزِّنا. ويُبيِّنُ تعالى أنَّه لولا فَضْلُه عليكم ورحمتُه، لعاجَلَكم بالعقوبةِ، وأنَّ اللهَ توَّابٌ لِمَن تاب مِن عبادِه، حكيمٌ فيما شرَعَ مِنَ الأحكامِ، ومِن جملتِها حُكمُ اللِّعانِ.

تفسير الآيات:

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ الله تعالى رمْيَ المُحصَناتِ، دخَلَ في عمومِه الزوجُ إذا رمى زوجتَه، ولمَّا كان له أحكامٌ خاصَّةٌ، والقرائِنُ تدُلُّ على أنَّه لا يَرمي زوجتَه إلَّا إذا كان صادِقًا؛ لأنَّ زناها مصيبةٌ وعارٌ عليه هو، والإنسانُ لا يَذْكرُ عيبًا يَعودُ عليه- جعَل اللهُ تعالى له مَخرَجًا إذا قذَفَ زوجتَه، بتشريعِ حُكمِ اللِّعانِ [160] يُنظر: ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 51). .
سَببُ النُّزولِ:
عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رضِيَ اللهُ عنْهما: ((أنَّ عُوَيْمِرًا أتَى عاصِمَ بنَ عَدِيٍّ، وكان سيِّدَ بَني عَجْلانَ، فقال: كيف تقولونَ في رَجُلٍ وجَدَ مع امرأتِه رَجُلًا: أيقتُلُه فتَقْتُلونه، أمْ كيف يَصنَعُ؟ سَلْ لي رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك. فأتَى عاصِمٌ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، فَكَرِهَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المسائِلَ، فسألَهُ عُوَيْمِرٌ، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كَرِهَ المسائلَ وعابَهَا، قال عُوَيْمِرٌ: واللهِ لا أنْتَهي حتَّى أسأَلَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ذلك، فجاء عُوَيْمِرٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ، رجُلٌ وجَدَ مع امرأتِه رجُلًا: أيقتُلُه فتَقْتُلونه، أمْ كيف يصنَعُ؟ فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قد أنزَلَ اللهُ القُرآنَ فيك وفي صاحِبَتِكَ، فأمَرَهُما رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمُلاعَنةِ بما سمَّى اللهُ في كِتابِه، فلاعَنَها، ثمَّ قال: يا رسولَ اللهِ، إنْ حبَسْتُها فقد ظلَمْتُها، فطلَّقَها، فكانتْ سُنَّةً لِمَن كان بَعْدَهما في المُتلاعنَينِ، ثمَّ قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: انْظُروا؛ فإنْ جاءتْ به أسْحَمَ [161] أسْحَمَ: أي: أسودَ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/348). ، أدْعَجَ العينَينِ [162] أدْعَجَ العينَينِ: أي: شديدَ سَوادِهما. يُنظر: (((فتح الباري)) لابن حجر (1/117). ، عظيمَ الألْيَتَينِ، خَدَلَّجَ السَّاقينِ [163] خَدَلَّجَ السَّاقينِ: أي: مُمتلئَ السَّاقَينِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/15)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/110). ؛ فلا أحسبُ عُويمرًا إلَّا قد صدَقَ عليها، وإنْ جاءت به أُحيمِرَ كأنَّه وَحَرَةٌ [164] كأنَّه وَحَرَةٌ: الوَحَرةُ: حَشرةٌ من حَشراتِ الأرض تُشبِهُ الحرباءَ، وهي حمراءُ، وإذا دبَّت على اللَّحْمِ وَحَر، أي: اشْتَدَّ حماه. يُنظر: ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للهروي (222)، ((تفسير غريب ما في الصحيحين)) للحميدي (134). ، فلا أحسبُ عُويمرًا إلَّا قد كذَبَ عليها. فجاءت به على النَّعتِ الَّذي نعَتَ به رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن تَصديقِ عُويمرٍ، فكان بَعْدُ يُنسَبُ إلى أُمِّهِ )) [165] رواه البخاري (4745) واللفظ له، ومسلم (1492). .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ هِلالَ بنَ أُميَّةَ قذَفَ امرأتَه [166] قال ابنُ حَجَرٍ: (في هذه الرِّوايةِ أنَّ آياتِ اللِّعانِ نزَلَت في قِصَّةِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ، وفي حديثِ سَهلِ بنِ سَعدٍ الماضي أنَّها نزَلَت في عُوَيمرٍ... وقد اختلف الأئمَّةُ في هذا الموضِعِ؛ فمنهم مَن رجَّح أنَّها نزلت في شأنِ عُوَيمرٍ، ومنهم مَن رجَّح أنَّها نزلت في شأنِ هلالٍ، ومنهم مَن جمَع بيْنهما بأنَّ أوَّلَ مَن وقع له ذلك هلالٌ، وصادف مجيءُ عويمرٍ أيضًا؛ فنَزَلت في شأنِهما معًا في وقتٍ واحدٍ، وقد جنح النوويُّ إلى هذا، وسبَقَه الخطيبُ... ويؤيِّدُ التعَدُّدَ أنَّ القائِلَ في قِصَّةِ هلالٍ: سَعدُ بنُ عُبادةَ... والقائِلَ في قِصَّةِ عُوَيمرٍ: عاصِمُ بنُ عَدِيٍّ...  ولا مانِعَ أن تتعدَّدَ القِصَصُ ويتَّحِدَ النُّزولُ... ويحتَمِلُ أنَّ النُّزولَ سَبق بسببِ هلالٍ، فلما جاء عويمرٌ ولم يكُنْ عَلِمَ بما وقع لهلالٍ أعلمَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحُكمِ...  وجنح القُرطبيُّ إلى تجويزِ نُزولِ الآيةِ مرَّتينِ، قال: وهذه الاحتمالاتُ وإن بَعُدت أَولى من تغليطِ الرُّواةِ الحُفَّاظِ. وقد أنكَرَ جماعةٌ ذِكْرَ هلالٍ فيمن لاعَنَ ... وكلامُ الجَميعِ مُتعَقَّبٌ). ((فتح الباري)) (8/450، 451). ويُنظر: ((المفهم لما أَشكل من تلخيص كتاب مسلم)) للقرطبي (4/300)، ((شرح النووي على مسلم)) (10/120)، ((المحرر في أسباب نزول القرآن)) للمزيني (2/719-742). عندَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَريكِ ابنِ سَحْماءَ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: البيِّنَةَ، أو حَدٌّ في ظَهْرِكَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إذا رأى أحدُنا على امرأتِه رجُلًا، يَنطلِقُ يلْتمِسُ البيِّنَةَ؟! فجعَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: البيِّنَةَ، وإلَّا حَدٌّ في ظَهْرِكَ، فقال هِلالٌ: والَّذي بعثَكَ بالحقِّ إنِّي لصادِقٌ؛ فلَيُنزِلَنَّ اللهُ ما يُبرِّئُ ظَهْري مِن الحدِّ، فنزَلَ جبريلُ وأنزَلَ عليه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور: 6 - 9] ، فانصرَفَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأرسَلَ إليها، فجاء هِلالٌ فشَهِدَ، والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ اللهَ يَعلَمُ أنَّ أحَدَكما كاذِبٌ؛ فهلْ منْكما تائبٌ؟ ثمَّ قامتْ فشَهِدَتْ، فلمَّا كانت عندَ الخامسةِ وَقَّفُوها، وقالوا: إنَّها مُوجِبةٌ، قال ابنُ عبَّاسٍ: فتلكَّأَتْ ونكَصَتْ، حتَّى ظَننَّا أنَّها ترجِعُ، ثمَّ قالت: لا أفضَحُ قَومي سائرَ اليومِ، فمَضَتْ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أبْصِروها؛ فإنْ جاءت به أكحَلَ العينَينِ [167] أَكْحَلَ العَينينِ: الكَحَل: سَوادٌ فِي أجْفانِ العَيْنِ خِلْقةً. يُنظر: ((تفسير غريب ما في الصحيحين)) للحميدي (169)، ((النهاية)) لابن الأثير (4/154). ، سابِغَ الألْيَتينِ [168] سابِغَ الألْيَتينِ: أى تامَّهما وعَظيمَهما، والأَليةُ: العَجيزَةُ والمؤخِّرةُ، للنَّاسِ وغيرِهِم. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/338)، ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (37/95). ، خَدَلَّجَ السَّاقينِ؛ فهو لشَريكِ ابنِ سَحماءَ، فجاءت به كذلك، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لولا ما مَضى مِن كِتابِ اللهِ لَكان لي ولَها شَأْنٌ )) [169] رواه البخاري (4747). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((إنَّا لَيلةَ الجُمُعةِ في المسجِدِ، إذ جاء رجُلٌ مِن الأنصارِ، فقال: لو أنَّ رجُلًا وجَدَ مع امرأتِه رجُلًا فتكلَّمَ جلَدْتُموهُ، أو قتَلَ قَتلْتُموه، وإنْ سكَتَ سكَتَ على غَيظٍ! واللهِ لَأسألَنَّ عنه رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا كان مِنَ الغدِ أتى رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسألَهَ فقال: لو أنَّ رجُلًا وجَدَ مع امرأتِه رجُلًا فتكلَّمَ جلَدْتُموهُ، أو قتَلَ قَتلْتُموه، أو سكَتَ سكَتَ على غَيظٍ؟ فقال: اللَّهُمَّ افتَحْ. وجعَلَ يَدْعو، فنزلَتْ آيةُ اللِّعانِ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ... هذه الآيات؛ فابتُلِيَ به ذلك الرَّجلُ مِن بيْنِ النَّاسِ، فجاء هو وامرأتُه إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فتلاعَنَا، فشَهِدَ الرَّجلُ أربَعَ شَهاداتٍ باللهِ إنَّه لَمِنَ الصَّادقينَ، ثمَّ لعَنَ الخامسةَ: أنَّ لَعنةَ اللهِ عليه إنْ كان مِنَ الكاذبينَ، فذهبَتْ لِتَلْعَنَ، فقال لها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَهْ [170] مَهْ: هي كَلِمةُ زَجرٍ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (3/193). ! فأبَتْ، فلعَنَتْ، فلمَّا أدبَرَا، قال: لعلَّها أنْ تَجِيءَ به أسْوَدَ جَعْدًا، فجاءت به أسوَدَ جَعْدًا) ) [171] رواه مسلم (1495). .
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ.
أي: والَّذين يَقذِفون زَوجاتِهم بالزِّنا، وليس لدَيْهم أربعةُ شُهودٍ يَشْهَدون على صِحَّةَ ما رَمَوهنَّ به غيرُ أنفُسِهم [172] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/176)، ((تفسير السمعاني)) (3/503)، ((تفسير السعدي)) (ص: 562). .
فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ.
أي: ففي تلك الحالِ يَشهَدُ الزَّوجُ أربَعَ شَهاداتٍ، يَحلِفُ فيها باللهِ فيقولُ: إنَّه لَمِنَ الصَّادقينَ فيما رَمَى به زَوجتَه مِن الزِّنا [173] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/178)، ((تفسير القرطبي)) (12/182)، ((تفسير ابن كثير)) (6/14)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/165)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/466، 467). .
وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
أي: والشَّهادةُ الخامِسةُ يقولُ فيها: إنَّ لَعنةَ اللهِ عليه واجِبةٌ وحالَّةٌ إنْ كان مِنَ الكاذبينَ فيما رَمَى به زوجتَه مِنَ الزِّنا [174] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/178)، ((تفسير ابن كثير)) (6/14)، ((تفسير السعدي)) (ص: 562)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/165). .
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ.
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا كانت هذه الأيمانُ مُقتضِيةً صِدقَ دَعوى الزَّوجِ على المرأةِ، كان مِن أثَرِ ذلك أنْ تُعتبَرَ المرأةُ زانيةً، أو أن يكونَ حَملُها ليس منه؛ فهو مِن زِنًا؛ لأنَّها في عِصمةٍ؛ فكان ذلك مُقْتضِيًا أنْ يُقامَ عليها حَدُّ الزِّنا، فلمْ تُهمِلِ الشَّريعةُ حقَّ المرأةِ، ولم تَجعَلْها مأخوذةً بأَيمانٍ قد يكونُ حالِفُها كاذِبًا فيها؛ لأنَّه يُتَّهمُ بالكذِبِ لِتَبْرئةِ نفْسِه، فجعَلَ للزَّوجةِ مُعارَضةَ أيمانِ زَوجِها، كما جعَلَ للمشهودِ عليه الطَّعنَ في الشَّهادةِ بالتَّجريحِ أو المُعارَضةِ؛ فقال تعالى [175] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/167). :
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ.
أي: ويَدفَعُ حَدَّ الزِّنا عن الزَّوجةِ أنْ تَشهَدَ أربَعَ شَهاداتٍ، تَحلِفُ فيها باللهِ فتقولُ: إنَّ زوجَها لَمِنَ الكاذبينَ فيما رَمَاها به مِنَ الزِّنا [176] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/187، 188)، ((تفسير ابن كثير)) (6/14، 15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 562)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/165)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/464). قال الرازي: (قولُه تعالى: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ الألِفُ واللَّامُ الدَّاخِلانِ على العذابِ لا يفيدانِ العُمومَ؛ لأنَّه لم يَجِبْ عليها جميعُ أنواعِ العذابِ، فوجَبَ صَرفُهما إلى المعهودِ السَّابقِ، والمعهودُ السَّابِقُ هو الحَدُّ؛ لأنَّه تعالى ذكَرَ في أوَّلِ السُّورةِ: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور: 2] ، والمرادُ منه الحَدُّ، وإذا ثبَت أنَّ المرادَ مِنَ العذابِ في قَولِه: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ هو الحَدُّ، ثبت أنَّها لو لم تلاعِنْ لحُدَّت، وأنَّها باللِّعانِ دَفَعَت الحَدَّ). ((تفسير الرازي)) (23/332). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 39). قال مكِّي: (قَولُه: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ يعني الحَدَّ، أي: يَدفَعُ عنها حَدَّ الزَّانيةِ شَهادتُها باللهِ أربَعَ شَهاداتٍ إنَّه لَمِنَ الكاذِبينَ، والخامِسةَ أنَّ غَضَبَ اللهِ عليها إن كان مِن الصَّادقينَ. وقيل: العذابُ هنا: الرَّجمُ، ومعناه: العذابُ الذي عَهِدْتُم مِن فِعْلِ نَبيِّكم؛ ولذلك أتى بالألفِ واللَّامِ. وقيل: هو الجَلدُ إن كانت غيرَ مُحصَنةٍ، والرَّجمُ إن كانت مُحصَنةً). ((الهداية الى بلوغ النهاية)) (8/5040). .
وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
أي: وتَشهَدُ المرأةُ الشَّهادةَ الخامِسةَ، فتقولُ فيها: إنَّ غضَبَ اللهِ عليها إنْ كان زَوجُها مِنَ الصَّادقينَ فيما رمَاها به مِنَ الزِّنا [177] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/188)، ((الوسيط)) للواحدي (3/307)، ((تفسير النسفي)) (2/490). ويترتَّبُ على اللِّعانِ ثُبوتُ الفُرقةِ بيْنَ الزَّوجَينِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/40)، ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (4/138)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 251(، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/82). وتحرمُ الزَّوجةُ بذلك على الزَّوجِ تَحريمًا مُؤَبَّدًا، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (4/138)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 251)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/82). .
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ.
أي: ولولا فَضْلُ اللهِ عليكم -أيُّها النَّاسُ- ورَحمَتُه بكم، وأنَّ اللهَ يجودُ على خَلْقِه بنِعَمِه، ويُنزِلُ رَحمتَه على مَن تابَ مِن عِبادِه، حَكيمٌ في قدَرِه وشَرْعِه وتَدبيرِ خلْقِه، ومِن ذلك ما شرَعَ لعِبادِه مِن حُكْمِ اللِّعانِ- لَعاجَلَكم بالعُقوبةِ على مَعاصيكم، ولفَضَحَ المُذْنِبينَ منكم، فاشْكُروا اللهَ واتَّقوهُ [178] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/188)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 758)، ((تفسير ابن كثير)) (6/15)، ((تفسير أبي السعود)) (6/159)، ((تفسير الشوكاني)) (4/13). قال السعدي: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ جوابُ الشرطِ محذوفٌ، يدُلُّ عليه سِياقُ الكلامِ، أي: لَأَحَلَّ بأحدِ المُتلاعنَينِ الكاذبِ منْهما ما دعا به على نفْسِه، ومِن رحمَتِه وفضْلِه ثبوتُ هذا الحُكمِ الخاصِّ بالزوجينِ؛ لشِدَّةِ الحاجةِ إليه، وأنْ بيَّنَ لكم شِدَّةَ الزِّنا وفظاعتَه، وفظاعةَ القذْفِ به، وأنْ شرعَ التَّوبةَ مِن هذه الكبائرِ وغيرِها). ((تفسير السعدي)) (ص: 562، 563). .

الفوائد التربوية:

1- في قولِه تعالى: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ الضَّميرُ هنا ضَميرُ غَيْبةٍ؛ إلَّا أنَّ الزَّوجَ يَجعَلُه ضَميرَ مُتكلِّمٍ؛ يعني يقولُ: (أنَّ لَعنةَ اللهِ عَلَيَّ)، ولا يقولُ: (عليه)، وهذا مِن بابِ التَّأدُّبِ في اللَّفظِ: أنَّ يُعَبَّرَ بضَميرِ الغَيْبةِ؛ لئلَّا يُضِيفَ المُتكلِّمُ اللَّعنةَ إلى نَفْسِه [179] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/290). قال النووي: (مِن آدابِ الكلامِ ... أنَّه إذا عرَضَ في الحكايةِ عن الغَيرِ ما فيه سوءٌ، واقتضَتِ الحكايةُ رُجوعَ الضَّميرِ إلى المُتكلِّمِ؛ صرَفَ الحاكي الضميرَ عن نفْسِه؛ تَصاوُنًا عن صورةِ إضافةِ السُّوءِ إلى نفْسِه). ((شرح النووي على مسلم)) (2/71) و (1/214). .
2- قَولُه تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ فيه مِن أحكامِ الحِكَمِ البالِغةِ، وآثارِ التَّفضُّلِ والرَّحمةِ ما لا يَخفى؛ أمَّا على الصَّادقِ فظاهرٌ، وأمَّا على الكاذبِ فهو إمهالُه، والسَّترُ عليه في الدُّنيا، ودَرْءُ الحدِّ عنه، وتَعريضُه للتَّوبةِ، حسْبَما يُنْبِئُ عنه التَّعرُّضُ لعُنوانِ تَوَّابيَّتِه سُبحانه، ما أعظَمَ شَأنَه، وأوسَعَ رَحْمتَه، وأدَقَّ حِكمتَه [180] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/160). !

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فيه أنَّ شَرْطَ اللِّعانِ سَبْقُ قَذْفٍ [181] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 189). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ دَليلٌ على أنَّ كلَّ زوجٍ رَمَى زَوجتَه -حُرَّةً كانتْ أو أَمَةً، مُسلِمةً أو ذِمِّيَّةً-؛ فاللِّعانُ بيْنهما واجبٌ، لا يُزِيلُه افتراقُ أحوالِ الأزواجِ، وأنَّه باسمِ الزَّوجيَّةِ لا بغيرِها [182] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/424). ، فاللِّعان إنَّما يَكونُ بيْن الزَّوجينِ، لا بيْن الرجُلِ وأجْنبيَّةٍ، ولا السَّيِّدِ وأمَتِه [183] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 189). .
3- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ عمومُ الآيةِ في قولِه: أَزْوَاجَهُمْ يَشمَلُ ما قبْلَ الدُّخولِ وما بعدَه، فلو عقَدَ على امرأةٍ ثمَّ رماها بالزِّنا، أُجْرِيَ بيْنهما اللِّعانُ؛ لأنَّها زَوجتُه [184] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 33). .
4- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ظاهِرُه يَدُلُّ على اشتِراطِ هذه الألفاظِ عندَ اللِّعانِ مِن المُلاعِنِ ومِن المُلاعِنَةِ، واشتراطِ التَّرتيبِ فيها، وألَّا يُنْقَصَ منها شَيءٌ، ولا يُبَدَّلَ شَيءٌ بشَيءٍ [185] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 562). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فيه أنَّ اللِّعانَ مُختَصٌّ بالزَّوجِ إذا رمَى امرأتَه، لا بالعَكْسِ [186] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 562). .
6- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ فيه أنَّ الشَّبهَ في الولَدِ مع اللِّعانِ لا عِبْرةَ به، كما لا يُعتبَرُ مع الفِراشِ، وإنَّما يُعتبَرُ الشَّبهُ حيث لا مُرجِّحَ إلَّا هو [187] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 562). .
7- قالَ اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ ... يؤخَذُ مِن هذه الآياتِ قاعدةٌ عظيمةٌ مِن قواعدِ الشَّرعِ، ودَلالتُها عليها في غايةِ الصَّراحةِ، والقاعِدةُ هي: (أنَّ أحكامَ الشَّرعِ تكونُ على حسَبِ الظَّاهرِ، ولو كان الواقعُ يخالِفُه)؛ لأنَّ المتلاعِنَينِ متكاذِبانِ، فالزَّوجُ يُثبِتُ أنَّ زوجتَه زانيةٌ، وهي تدَّعي أنَّه قاذِفٌ كاذبٌ، ونحن نقطَعُ أنَّ أحدَهما كاذِبٌ، كما قال الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم [188] يُنظر ما رواه البخاري (4747). ، ولو أَقَرَّ الرجُلُ لوجَبَ عليه حَدُّ القَذفِ، ولو أقرَّتِ المرأةُ لوَجبَ عليها الرَّجمُ، ومع ذلك فالشَّرعُ صَدَّقَهما في الظَّاهرِ مع الجَزمِ بأنَّ أحدَهما كاذِبٌ، وقد أشار اللهُ تعالى في آخِرِ هذه الآياتِ إلى أنَّ الأخذَ يَكونُ بالظَّاهرِ، وأنَّ ذلك رحمةٌ منه تعالى، كما قال تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ، أي: لولا ذلك لَمَا قَبِلَ منكم هذه الظَّواهرَ، والبواطنُ غيرُ صحيحةٍ [189] يُنظر: ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 54). .
8- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ استدَلَّ به مَن قال: لا لِعانَ إذا أقام الزَّوجُ البيِّنةَ بزِنَا زَوجتِه [190] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 189). .
9- قَولُ اللهِ تعالى: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ استدَلَّ به مَن قال: إنَّ اللِّعانَ شَهادةٌ لا يمينٌ [191] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 189). وهذا مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ، خلافًا للجُمهورِ مِن المالكيَّةِ والشَّافعيَّةِ والحنابلةِ الَّذينَ قالوا: إنِّ اللِّعانَ يَمينٌ وليس بشهادةٍ. يُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهُمام (4/278)، ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (3/14)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/610)، ((بداية المجتهد)) لابن رُشْد (2/118، 119)، ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (11/12)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (5/394).  .
10- في قولِه تعالى: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ أنَّ البَدَلَ يُجْعَلُ له حُكْمُ المُبْدَلِ منه؛ فإنَّه لَمَّا كانتِ البيِّنَةُ على الزِّنا أربعةَ شُهودٍ؛ وكان الزَّوجُ إذا قذَفَ زوجتَه بالزِّنا يُعتَبَرُ شاهِدًا، والتَّعدُّدُ الشَّخصيُّ في حَقِّه مُمتنِعٌ؛ جُعِلَ التَّعدُّدُ في نَفْسِ الشَّهادةِ، ويَكونُ هذا تقْريرًا للقاعدةِ المشهورةِ المعروفةِ: أنَّ البَدَلَ له حُكْمُ المُبْدَلِ منه؛ فلمَّا كانت شَهادةُ الزَّوجِ على زَوجتِه بالزِّنا بمَنزلَةِ شَهادةِ رجُلٍ، صار تَكرارُها بمَنزلةِ تَكرارِ الرِّجالِ وتعدُّدِ الشُّهودِ [192] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 34). .
11- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ فسمَّاها شهادةً؛ لأنَّها نائبةٌ منابَ الشهودِ، بأن يقولَ: (أشهدُ باللهِ إنِّي لَمِنَ الصادقينَ فيما رميتُها به) [193] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 562). .
12- قال اللهُ تعالى: أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ أفادتِ الآيةُ الكريمةُ أنَّ هذه الشَّهادةَ مَقْرونةٌ بقَسَمٍ؛ لأنَّه يقولُ: (أشهَدُ باللهِ)، كأنَّما قال: (أشهَدُ مُقْسِمًا باللهِ)؛ ولهذا سمَّاها اللهُ تعالى شَهادةً [194] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/288). .
13- قال اللهُ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ إنَّما كانت شَهاداتُ الزَّوجِ على زَوجتِه دارِئةً عنه الحدَّ؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّ الزَّوجَ لا يُقدِمُ على رَمْيِ زَوجتِه الَّتي يُدنِّسُه ما يُدنِّسُها إلَّا إذا كان صادقًا، ولأنَّ له في ذلك حقًّا، وخوفًا مِن إلْحاقِ أولادٍ ليسوا منه به، ولغيرِ ذلك مِن الحِكَمِ المَفقودةِ في غَيرِه [195] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 562). .
14- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ احتُجَّ به على بُطلانِ قَولِ الخوارجِ في أنَّ الزِّنا والقذْفَ كُفْرٌ؛ مِن وَجهينِ:
الوَجْهُ الأوَّلُ: أنَّ الرَّامِيَ إنْ صدَقَ فهي زانيةٌ، وإنْ كذَبَ فهو قاذفٌ، فلا بُدَّ -على قَولِهم- مِن وُقوعِ الكُفرِ مِن أحَدِهما، وذلك يكونُ رِدَّةً، فيجِبُ على هذا: أنْ تقَعَ الفُرقةُ، ولا لِعانَ أصْلًا، وأنْ تكونَ فُرقةَ الرِّدَّةِ؛ حتَّى لا يتعلَّقَ بذلك توارُثٌ الْبتَّةَ.
الوَجْهُ الثَّاني: أنَّ الكُفْرَ إذا ثبَتَ عليها بلِعانِه، فالواجِبُ أنْ تُقتَلَ لا أنْ تُجلَدَ أو تُرجَمَ؛ لأنَّ عُقوبةَ المُرتَدِّ مُبايِنةٌ للحدِّ في الزِّنا [196] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/336). .
15- قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ الآيةُ دالَّةٌ على بُطلانِ قَولِ مَن يقولُ: إنَّ وُقوعَ الزِّنا يُفسِدُ النِّكاحَ؛ وذلك لأنَّه يجِبُ إذا رمَاها بالزِّنا أنْ يكونَ قولُه هذا كأنَّه مُعترِفٌ بفَسادِ النِّكاحِ، حتَّى يَكونَ سَبيلُه سَبيلَ مَن يُقِرُّ بأنَّها أُخْتُه مِن الرَّضاعِ أو بأنَّها كافرةٌ، ولو كان كذلك لَوجَبَ أنْ تقَعَ الفُرقةُ بنفْسِ الرَّميِ مِن قبْلِ اللِّعانِ، وقد ثبَتَ بالإجماعِ فسادُ ذلك [197] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/336). .
16- قال اللهُ تعالى: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ليس لها مُقابِلٌ في عدَدِ شُهودِ الزِّنا، فلعلَّ حِكْمةَ زِيادةِ هذه اليمينِ مع الأيمانِ الأربَعِ القائمةِ مَقامَ الشُّهودِ الأربعةِ: أنَّها لِتَقويةِ الأيمانِ الأربَعِ، باستِذكارِ ما يترتَّبُ على أَيْمانِه إنْ كانت غَموسًا مِن الحِرمانِ مِن رَحمةِ اللهِ تعالى. وهذا هو وَجْهُ كَونِها مُخالِفةً في صِيغَتِها لصِيَغِ الشَّهاداتِ الأربَعِ الَّتي تقدَّمَتْها. وفي ذلك إيماءٌ إلى أنَّ الأربَعَ هي المجعولةُ بدَلًا عن الشُّهودِ، وأنَّ هذه الخامسةَ تَذييلٌ للشَّهادةِ، وتَغليظٌ لها [198] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/165). .
17- في قولِه تعالى: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ دَلالةٌ على جَوازِ الاستِثناءِ في الدُّعاءِ [199] يُنظر: ((فتاوى أركان الإسلام)) لابن عثيمين (ص: 410). .
18- قَولُ اللهِ تعالى: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فيه أنَّ لِعانَ الزَّوجِ يُوجِبُ على المرأةِ حدَّ الزِّنا، وأنَّ لها دفْعَه بأنْ تقولَ أربعَ مرَّاتٍ: أشهَدُ باللهِ إنَّه لَمِنَ الكاذبينَ، والخامسةَ: أنَّ غضَبَ اللهِ عليها إنْ كان مِنَ الصَّادقينَ [200] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 190). .
19- قَولُ اللهِ تعالى: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ استُدِلَّ به على أنَّه لا يجوزُ تَقديمُ لِعانِ الزَّوجةِ على لِعانِ الزَّوجِ [201] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 190). .
20- قَولُ اللهِ تعالى: وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ لَمَّا كانت أَيْمانُ المرأةِ لِرَدِّ أيمانِ الرَّجلِ، وكانت أيمانُ الرَّجلِ بدَلًا مِنَ الشَّهادةِ وسُمِّيت شَهادةً؛ كانت أيمانُ المرأةِ -لِرَدِّها- يُناسِبُ أنْ تُسمَّى شَهادةً، ولأنَّها كالشَّهادةِ المُعارِضةِ، ولكَونِها بمَنزلةِ المُعارِضةِ؛ كانت أيمانُ المرأةِ كلُّها على إبطالِ دَعواهُ، لا على إثباتِ بَراءتِها أو صِدْقِها [202] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/167). .
21- قال تعالى: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ لا ريبَ أنَّ المرأةَ المزوَّجةَ الزانيةَ استحقَّتِ الغضبَ لشيئَينِ: لأجْلِ ما في الزِّنا من التحريمِ، ولأنَّها اعتَدَتْ فيه على الزوجِ فأفسَدَتْ فِراشَه؛ ولهذا كان للزَّوجِ إذا قذَف امرأتَه ولم يأتِ بأربعةِ شُهداءَ أن يلاعِنَها؛ لِما له في ذلك مِن الحَقِّ، ولأنَّه مظلومٌ إذا كان صادقًا، وعليه في زناها من الضَّررِ ما يحتاجُ إلى دفعِه بما شرَعَه اللهُ، كالمقذوفِ الذي له أن يستوفيَ حَدَّ القذفِ مِن القاذِفِ الذي ظلَمَه في عِرضِه، فكذلك الزوجُ له أن يستوفيَ حَدَّ الفاحشةِ مِن البَغِيِّ الظَّالمةِ له، المُعتَديةِ عليه، كما قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حقِّ الرجُلِ على امرأتِه: ((فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكم مَن تَكرَهونَ )) [203] أخرجه الترمذي (3087)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9169)، وابن ماجه (1851) من حديث عمرو ابن الأحوص رضي الله عنه. قال الترمذي، وابن العربي في ((أحكام القرآن)) (2/450): (حسَنٌ صحيحٌ)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1851). ؛ فلهذا كان له أن يَقذِفَها ابتِداءً، وقذفُها إمَّا مباحٌ له، وإمَّا واجِبٌ عليه إذا احتاج إليه لنفيِ النَّسَبِ، ويَضطرُّها بذلك إلى أحدِ أمرينِ: إمَّا أن تعتَرفَ فيُقامَ عليها الحَدُّ، فيَكونَ قد استوفى حَقَّه، وتطهَّرت هي أيضًا من الجزاءِ لها والنَّكالِ في الآخرةِ بما حصَل. وإمَّا أن تبوءَ بغضَبِ اللهِ عليها وعقابِه في الآخرةِ الذي هو أعظَمُ مِن عقابِ الدُّنيا؛ فإنَّ الزَّوجَ مظلومٌ معها، والمظلومُ له استيفاءُ حَقِّه؛ إمَّا في الدنيا، وإمَّا في الآخرةِ، قال الله تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [204] يُنظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (2/387-389). [النساء: 148] .
22- قال الله تعالى: أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ يؤخَذُ مِن هذه الآيةِ رَدٌّ على بعضِ العلماءِ -كالمالكيَّةِ- القائلينَ: «إنَّ التخصيصَ بالشَّرطِ المتأخِّرِ لا يُفيدُ، وإنَّما يكونُ ندَمًا»؛ فإنَّهم قالوا: لو قال للمرأةِ: «أنا المخالِعُ لكِ إنْ أمضى وليُّك» حصَلتِ المخالَعةُ وإنْ لم يُمْضِ الوليُّ، بخِلافِ ما لو قال: «إنْ أمضى وليُّك فأنا المخالِعُ لكِ» فإنَّ المخالَعةَ لا تحصُلُ إذا لم يُمْضِ الوليُّ. والقرآنُ يدُلُّ على خلافِ ما ذهَبوا إليه؛ فإنَّ الشَّرطَ تأخَّرَ، وصيغةُ الفعلِ «غضب» متقدِّمةٌ، وهي تفيدُه لو تأخَّرَتْ [205] يُنظر: ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 56). .
23- في قَولِه تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ إشارةٌ إلى أنَّه قد يُخَفَّفُ في التشريعِ تخفيفٌ يَلزَمُ معه قطعُ النظَرِ عن الواقعِ في نفْسِ الأمرِ؛ ففي الآيةِ تخفيفٌ اقتضَتْهُ رحمةُ اللهِ وحِكمتُه، فالأحكامُ قد تَكونُ مشروعةً تشريعًا قطعيًّا بِناءً على الظَّاهرِ، والباطنُ غيرُ صَحيحٍ [206] يُنظر: ((تفسير سورة النور)) للشنقيطي (ص: 57). !
24- في قولِه تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ حُجَّةٌ لِمَن يَحذِفُ مِن لفْظِ الكلامِ ما لا يَتِمُّ على الحَقيقةِ إلَّا به؛ الْتِماسَ الإيجازِ والاختِصارِ، كقولِ الشَّاعرِ:
فإنَّ المَنيَّةَ مَن يَخْشَها               فسَوفَ تُصادِفُه أيْنَما [207] أيْنَما: المرادُ: أيْنَما ذهَب. وقائلُ البيت هو: النَّمِرُ بنُ تَوْلَبٍ. يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 138).
لأنَّه جلَّ وتَعالى ابتدَأَ بـ لوْلَا، ولم يَصِلْه بشَيءٍ يكونُ تمامُه ظاهرًا في اللَّفظِ؛ فكأنَّه -واللهُ أعلَمُ-: (ولولَا فضْلُ اللهِ عليكم ورَحمتُه، وأنَّ اللهَ توَّابٌ حكيمٌ؛ لَمَا بَيَّنَ لكم هذه الأحكامَ الَّتي قَبْلَ هذا الكلامِ، ولكنْ مِن فَضْلِه عليكم بَيَّنَ لكم، وأنصَفَ المَرْمِيَّ مِن الرَّامي، وطَهَّرَ الزَّانيَ والزَّانيةَ بالجَلْدِ)، أو شَيءٌ هذا معناهُ [208] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (2/430). .
25- قولُه تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فيه إثباتُ الأسبابِ والموانعِ؛ لأنَّ هذه الآيةَ فيها مانِعٌ وفيها سبَبٌ؛ فالسَّببُ ذُنوبُنا وما نحنُ عليه مِنَ الأخطاءِ، والمانعُ الَّذي يَمنَعُ مِن العُقوبةِ هو فَضْلُ اللهِ ورَحمتُه [209] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 53). .
26- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ فيه بَيانُ فضْلِ اللهِ ورَحمتِه على عِبادِه بالشَّرعِ والقدَرِ؛ لقولِه: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ؛ فإنَّ هذا يتعلَّقُ بالشَّرعِ وبالقدَرِ؛ أمَّا بالشَّرعِ فلولا أنَّ اللهَ تفضَّلَ علينا ورَحِمَنا، وشرَعَ للأزواجِ ما شرَعَ مِن اللِّعانِ، لَكان الزَّوجُ يقَعُ في حرَجٍ عظيمٍ؛ لأنَّه إنْ تكلَّمَ يُقامُ عليه حَدُّ القذْفِ، وإنْ سكَتَ سكَتَ عن أمْرٍ عظيمٍ، لكنْ مِن رَحمةِ اللهِ وفضْلِه أنَّه شرَعَ اللِّعانَ.
كذلك في القدَرِ في قضيَّةِ المُتلاعنَينِ: أنَّه لولا أنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ السَّتْرَ، لَفضحَ المرأةَ، وأظهَرَ آيةً تدُلُّ على صِدْقِ الزَّوجِ، أو بالعكْسِ إذا كان الزَّوجُ كاذبًا، لكنْ مِن رَحمةِ اللهِ أنَّه سُبحانَه وتَعالى يَستُرُ على عِبادِه في الدُّنيا مِثْلَ هذه الأمورِ، ثمَّ يُجازيهم عليها في الآخرةِ [210] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 51). .
27- قال الله تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ إنَّ بادئَ الرأيِ يقتضي (توَّاب رحيم)؛ لأنَّ الرَّحمةَ مُناسِبةٌ للتوبةِ، لكنْ عبَّرَ به؛ إشارةً إلى فائدةِ مَشروعيَّةِ اللِّعانِ وحِكمتِه، وهي السَّترُ عن هذه الفاحِشةِ العَظيمةِ [211] يُنظر: ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (3/352). ، وأيضًا ففي ذِكْرِ وَصْفِ (الحكيم) هنا مع وَصْفِ (تَوَّاب): إشارةٌ إلى أنَّ في هذه التَّوبةِ حِكْمةً، وهي استِصلاحُ النَّاسِ [212] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/169). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
- بدأَ اللهُ سُبحانَه في اللِّعَان بذِكْرِ الزَّوجِ، فقال: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور: 6 - 9] ، وبدأَ في حَدِّ الزنا بذِكْرِ المرأةِ، فقال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ، وهذا في غايةِ المناسَبةِ؛ لأنَّ في اللِّعَانِ الزوجُ هو الذي قذَفَها، وعرَّضَها لِلِّعَانِ، وهَتَكَ عِرْضَها، ورَماها بالعَظيمةِ، وفَضحَها عندَ قَومِها وأهلِها؛ ولهذا يجبُ عليه الحَدُّ إذا لم يُلَاعِنْ؛ فكانتِ البُداءةُ به في اللِّعَان أَوْلى مِن البُداءةِ بها، وأمَّا في الزِّنا فهو مِن المرأةِ أقبَحُ منه بالرَّجُلِ؛ لأنَّها تَزيدُ على هَتْكِ حقِّ الله: إفسادَ فِراشِ بَعلِها، وتَعليقَ نَسَبٍ مِن غيرِه عليه، وفَضيحةَ أهلِها وأقاربِها، والجِنايةَ على مَحْضِ حقِّ الزَّوجِ، وخِيانتَه فيه، وإسقاطَ حُرْمتِه عندَ الناسِ، وتَعييرَه بإمساكِ البَغِيِّ، وغيرَ ذلك مِن مَفاسِدِ زِنَاها؛ فكانتِ البُداءةُ بها في الحَدِّ أهَمَّ [213] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/339). .
- قَولُه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ لم يُقَيَّدْ بعَددٍ؛ اكتِفاءً بالتَّقييدِ في قَذْفِ غيرِ الزَّوجاتِ [214] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (8/15). .
- وأَنْفُسُهُمْ بَدَلٌ مِن شُهَدَاءُ، أو صِفَةٌ لها، على أنَّ (إلَّا) بمعنَى (غَير)؛ جُعِلوا مِن جُملةِ الشُّهداءِ؛ إيذانًا مِن أوَّلِ الأمرِ بعَدَمِ إلغاءِ قَولِهم بالمرَّةِ، ونَظْمِه في سِلْكِ الشَّهادةِ في الجُملةِ؛ وبذلك ازدادَ حُسْنُ إضافةِ الشَّهادةِ إليهم في قولِه تعالى: فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ [215] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/158). .
- وحُذِفَ مُتعلَّقُ شُهَدَاءُ؛ لظُهورِه مِنَ السِّياقِ، أي: شُهداءُ على ما ادَّعَوْهُ ممَّا رَمَوْا به أزواجَهُم [216] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/163). .
- قَولُه: إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أصْلُه: (على أنَّه)، فحُذِفَ الجارُّ، وكُسِرَتْ (إنَّ)، وعُلِّقَ العاملُ عنها باللَّامِ؛ للتَّأكيدِ [217] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/99)، ((تفسير أبي السعود)) (6/158). .
2- قَولُه تعالى: وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
- قَولُه: وَالْخَامِسَةُ فيه إفرادُ الشَّهادةِ الخامسةِ عنهُنَّ، مع كَونِها شَهادةً أيضًا؛ لاستِقلالِها بالفَحوى، ووِكادَتِها في إفادةِ ما يُقصَدُ بالشَّهادةِ مِن تَحقيقِ الخَبرِ وإظهارِ الصِّدقِ [218] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/159). .
- قَولُه: أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فيه تَعيينُ خُصوصِ اللَّعنةِ له في الدُّعاءِ؛ لأنَّه إنْ كان كاذبًا فقد عَرَّضَ بامرأتِه لِلَعْنةِ النَّاسِ ونَبْذِ الأزواجِ إيَّاها؛ فناسَبَ أنْ يكونَ جَزاؤُه اللَّعنةَ [219] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/166). .
3- قَولُه تعالى: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ
- قَولُه: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا عُيِّنَ لها في الخامسةِ الدُّعاءُ بغضَبِ اللهِ عليها إنْ صَدَقَ زَوْجُها؛ لأنَّها أغضبَتْ زَوْجَها بفِعلِها؛ فناسَبَ أنْ يكونَ جَزاؤُها على ذلك غَضَبَ ربِّها عليها كما أغضبَتْ بَعْلَها [220] يُنظر:((تفسير ابن عاشور)) (18/168). . أو لأنَّ النِّساءَ كثيرًا ما يَستَعمِلْنَ اللَّعنَ، فربَّما يَجتَرِئْنَ على التَّفوُّهِ به؛ لسُقوطِ وَقْعِه عن قُلوبِهنَّ، بخِلافِ غضَبِه تعالى [221] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/159)، ((تفسير أبي السعود)) (6/159) .
وقيل: خُصَّتِ المرأةُ بالغضَبِ؛ لأنَّه أبلَغُ مِنَ اللَّعنِ الَّذي هو الطَّردُ؛ لأنَّه قد يَكونُ بسبَبٍ غيرِ الغضَبِ، وسبَبُ التَّغليظِ عليها: الحَثُّ على اعتِرافِها بالحقِّ؛ لِمَا يُصدِّقُ الزَّوجَ مِنَ القَرينةِ؛ مِن أنَّه لا يَتجشَّمُ فَضيحةَ أهْلِه -المُستلزِم لفَضيحَتِه- إلَّا وهو صادِقٌ [222] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/218)، ((تفسير الشربيني)) (2/601). ، وهي تَعلمُ صِدقَه فيما رماها به؛ ولهذا كانت الخامسةُ في حقِّها أنَّ غضبَ الله عليها، والمغضوبُ عليه هو الذي يَعلَمُ الحقَّ ثم يَحيدُ عنه [223] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/15). ، ولأنَّها مادَّةُ الفسادِ، وخالِطةُ الأنسابِ [224] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (2/601). .
وقيل: خُصَّتِ المرأةُ بلفْظِ الغضبِ؛ لِعِظَمِ الذَّنْبِ بالنِّسبةِ إليها؛ لأنَّ الرجُلَ إذا كان كاذبًا لم يَصِلْ ذنْبُه إلى أكثرَ مِن القذْفِ، وإنْ كانت هي كاذبةً فذنْبُها أعظَمُ؛ لِمَا فيه مِن تلويثِ الفِراشِ، والتَّعرُّضِ لإلحاقِ مَن ليس مِن الزَّوجِ به؛ فتَنتشِرُ المَحْرميَّةُ، وتثبُتُ الوَلايةُ والمِيراثُ لِمَن لا يَستحِقُّهما [225] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/440). .
4- قَولُه تعالى: فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ تَذييلٌ لِما مَرَّ مِن الأحكامِ العظيمةِ المُشتمِلةِ على التَّفضُّلِ مِن اللهِ والرَّحمةِ منه، والمُؤْذِنةِ بأنَّه توَّابٌ على مَن تابَ مِن عِبادِه، والمُنْبِئةِ بكَمالِ حِكْمَتِه تعالى، فلمَّا دخَلَتْ تلك الأحكامُ تحتَ كُلِّيِّ هذه الصِّفاتِ، كان ذِكْرُ الصِّفاتِ تَذييلًا [226] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (11/31)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/168). .
- وجَوابُ (لَوْلَا) في قولِه: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَحذوفٌ؛ لقَصْدِ تَهويلِ مَضمونِه وتَعظيمِه؛ فيَدُلُّ تَهويلُه على تَفخيمِ مَضمونِ الشَّرطِ الَّذي كان سببًا في امتِناعِ حُصولِه [227] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/217)، ((تفسير البيضاوي)) (4/100)، ((تفسير أبي السعود)) (6/159)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/168، 169). ، وأيضًا لِتَذهَبَ النَّفْسُ كلَّ مَذهبٍ مُمكِنٍ في تَقديرِه بحسَبِ المَقامِ [228] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/185). . وأيضًا ثَمَّ حذْفٌ مع جَوابِ (لولا)، أي: كأنْ يُقالَ في بَيانِه: فلانٌ صادِقٌ في قذفِه فلانةَ بالزِّنا؛ لكونِ المقذوفةِ قد زَنتْ في نفْسِ الواقعِ. أو يُقال: فلانٌ كاذبٌ في قَذْفِه؛ لكونِ المقذوفةِ لم تَزْنِ في نفْسِ الواقِعِ؛ وسُدِلَ السِّتارُ على ذلك كلِّه؛ لأنَّ الغَرَضَ الأسْمى هو الصَّونُ، والصَّونُ يتطلَّبُ التحوُّطَ، والتَّحوُّطُ يَستدعي السُّكوتَ عمَّا لا يَحسُنُ التَّصريحُ به [229] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/567). .
- وأيضًا في قولِه: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ الْتِفاتٌ؛ فقد الْتُفِتَ مِنَ الغَيبةِ إلى خِطابِ الرَّامينَ والمَرميَّاتِ؛ لتَسجيلِ المِنَّةِ على المُخاطَبِينَ، بحيثُ لا تَبقَى لدَيْهم أعذارٌ واهيةٌ يَتشبَّثون بها إذا هُم تَجاوَزوا حُدودَ ما بَيَّنه لهم [230] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/159)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/567). .
- قَولُه: عَلَيْكُمْ فيه ما يُعرَفُ بالتَّغليبِ؛ فقد غَلَّبَ صِيغةَ الذُّكورِ على صِيغةِ الإناثِ، حيثُ لمْ يَقُلْ: عليكُم وعليكُنَّ؛ لأنَّه بِصَددِ مُخاطَبةِ الفريقَينِ، أي: القاذِفينَ والمَقذوفاتِ [231] يُنظر: ((إعراب القرآن وبيانه)) لدرويش (6/567). .
- وقد تَكرَّرَ قولُه: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أربعَ مَرَّاتٍ [النور: 10، 14، 20، 21]؛ كرَّرَه لاختِلافِ الأجوبةِ فيه؛ إذْ جَوابُ الأوَّلِ مَحذوفٌ تَقديرُه: لَفَضَحَكُم، وجوابُ الثَّاني قولُه: لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور: 14]، وجوابُ الثَّالثِ مَحذوفٌ تَقديرُه: لعَجَّلَ لكمُ العَذابَ، وجوابُ الرَّابعِ: مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا [232] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 394). [النور: 21] .
- وفيه مُناسبةٌ حَسَنةٌ؛ حيثُ جاءَ قولُه هنا في آخِرِ العَشْرِ الأُولى مِنَ السُّورةِ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ، وقال في آخِرِ العِشرينَ مِن أوَّلِ السُّورةِ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [النور: 20] ؛ فاختَلَفَتْ خاتِمَتَا الآيتَينِ، وحُذِفَ جَوابُ (لَوْلَا) منهُما؛ ووَجْهُه: أنه ذُكِرَ هنا وَصْفُ اللهِ بأنَّه تَوَّابٌ حَكِيمٌ؛ لِمَا مرَّ مِن الأحكامِ العظيمةِ المشتملةِ على التفضُّلِ مِن الله والرحمةِ منه، والمُؤْذِنةِ بأنَّه توَّابٌ على مَن تاب مِن عبادِه، والمُنبِئةِ بكمالِ حكمتِه تعالى؛ إذ وضَعَ الشِّدَّةَ مَوضعَها، والرفقَ مَوضعَه، وكفَّ بعضَ الناسِ عن بعضٍ، وذُكِرَ بعد ذلك وصْفُه بأنَّه رَءُوفٌ رَحِيمٌ؛ لأنَّ هذا التَّنبيهَ الَّذي تَضمَّنَه التَّذييلُ فيه انتِشالٌ للأُمَّةِ مِن اضْطِرابٍ عظيمٍ في أخلاقِها وآدابِها، وانفِصامِ عُرَى وَحْدَتِها، فأنقَذَها مِن ذلك رَأفةً ورَحمةً لآحادِها وجَماعتِها، وحِفْظًا لأواصِرِها. وذَكَر وَصْفَ الرَّأفةِ والرَّحمةِ هنا؛ لأنَّه قد تَقدَّمَه إنقاذُه إيَّاهُم مِن سُوءِ مَحبَّةِ أنْ تَشيعَ الفاحشةُ في الَّذين آمَنوا، تلك المَحبَّةُ الَّتي انطَوَتْ عليها ضَمائرُ المُنافِقينَ، كان إنقاذُ المُؤمِنينَ مِن التَّخلُّقِ بها رأفةً بهم مِن العذابِ، ورَحمةً لهم بثَوابِ المَتابِ [233] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/185، 186). . وقيل غيرُ ذلك [234] يُنظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للإسكافي (ص: 950). .