موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ العاشِرُ: الشُّيوعُ الطَّارِئُ ليسَ نَظيرَ المُقارِنِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الشُّيوعُ الطَّارِئُ ليسَ نَظيرَ المُقارِنِ" [975] يُنظر: ((تكملة فتح القدير)) لقاضي زاده (9/101). ، وبصيغةِ: "الشُّيوعُ الطَّارِئُ لا يَمنَعُ بَقاءَ العَقدِ على الصِّحَّةِ" [976] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/163). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَرَت هذه القاعِدةُ عِندَ الحَنَفيَّةِ، والمُرادُ بها أنَّ الشُّيوعَ الطَّارِئَ لا يُؤَثِّرُ في العُقودِ كَتَأثيرِ الشُّيوعِ المُقارِنِ، فلا يُفسِدُها؛ لأنَّه ليسَ مِن ضَرورةِ كَونِ الشَّيءِ مانِعًا صِحَّةَ العَقدِ إذا قارَنَ أن يَكونَ مُفسِدًا إذا طَرَأ، كالجَهالةِ الطَّارِئةِ وغَيرِها؛ ولذلك ورَدَتِ القاعِدةُ لتُبَيِّنَ أنَّ المُفسِدَ هو الشُّيوعُ المُقارِنُ لا الشُّيوعُ الطَّارِئُ؛ ولذلك ورَدَت في بَعضِ العُقودِ بصيغةٍ صَريحةٍ، مِثلُ: "الشُّيوعُ الطَّارِئُ لا يُفسِدُ الإجارةَ". ودَليلُ التَّفريقِ بَينَ الشُّيوعِ الطَّارِئِ والشُّيوعِ المُقارِنِ: القاعِدةُ التي تَقولُ: البَقاءُ أقوى مِنَ الابتِداءِ؛ لأنَّ الاستِدامةَ سَهلةٌ، بخِلافِ الابتِداءِ، ومِن ثَمَّ فإنَّ الشَّارِعَ فرَّقَ بَينَ الطَّارِئِ والمُقارِنِ في كَثيرٍ مِنَ الأحكامِ، كالعادةِ الطَّارِئةِ. لكِنَّ هذا ليسَ في جَميعِ العُقودِ، فبَعضُ العُقودِ يُعتَبَرُ فيها الشُّيوعُ الطَّارِئُ كالمُقارِنِ، فيُؤَثِّرُ فيها ويُبطِلُها؛ ولذلك ورَدَتِ القاعِدةُ في هذه العُقودِ الأُخرى بصيغةِ "الشُّيوعُ الطَّارِئُ كالشُّيوعِ المُقارِنِ" وأيضًا "الشُّيوعُ الطَّارِئُ كالمُقارِنِ في أنَّه مُبطِلٌ للرَّهنِ" [977] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/154) و(21/72)، ((طريقة الخلاف)) للأسمندي (ص: 367)، ((تكملة فتح القدير)) لقاضي زاده (9/101)، ((الفتاوى الهندية)) (4/378)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/104)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (13/464). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (الحُكمُ للغالبِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الشُّيوعَ الطَّارِئَ لمَّا لم يَكُنْ غالبًا كالشُّيوعِ المُقارِنِ لم يَكُنْ له حُكمٌ، فلا يُؤَثِّرُ؛ لأنَّ الحُكمَ إنَّما يَكونُ للغالبِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الحُكمُ للغالبِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الشُّيوعُ الطَّارِئُ لا يُفسِدُ عَقدَ الإجارةِ، أي: الذي يَعرِضُ بَعدَ عَقدِ الإجارةِ لا يُفسِدُها، فمَثلًا: لو أجَّرَ أحَدٌ دارَه، ثُمَّ ظَهَرَ لنِصفِها مُستَحِقٌّ، تَبقى الإجارةُ في نِصفِها الآخَرِ الشَّائِعِ [978] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/146)، ((العناية)) للبابرتي (9/100)، ((تكملة فتح القدير)) لقاضي زاده (9/100)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 83)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/466). .
2- إذا وهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ في البَعضِ الشَّائِعِ، أوِ استُحِقَّ البَعضُ الشَّائِعُ، جازَتِ الهِبةُ؛ لأنَّ الشُّيوعَ الطَّارِئَ في الهبةِ لا يَمنَعُ صِحَّتَها بَقاءً، ويَمنَعُ صِحَّتَها ابتِداءً؛ لأنَّ حُكمَ البَقاءِ أسهَلُ مِن حُكمِ الابتِداءِ [979] يُنظر: ((شرح الوقاية)) لصدر الشريعة (4/266)، ((الجوهرة النيرة)) للحداد (1/229)، ((البناية)) للعيني (12/496). .

انظر أيضا: