الفرعُ الخامِسُ: العُذرُ العامُّ يُسقِطُ القَضاءَ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العُذرُ العامُّ يُسقِطُ القَضاءَ"
[862] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (1/396)، ((المنثور)) للزركشي (2/375). ، وبصيغةِ: "لا قَضاءَ مَعَ العُذرِ العامِّ"
[863] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/92). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تَنقَسِمُ الأعذارُ إلى ما يَعُمُّ، وإلى ما يَندُرُ فيَدومُ، وإلى ما يَندُرُ ولا يَدومُ، وتُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المُعتَبَرَ في الأعذارِ المُسقِطةِ للقَضاءِ هو الأعَمُّ الأغلبُ، ويَلحَقُ به النَّادِرُ الذي يَدومُ؛ فيَسقُطُ القَضاءُ بالعُذرِ العامِّ، وكذلك بالعُذرِ النَّادِرِ الدَّائِمِ، كالاستِحاضةِ وسَلَسِ البَولِ، ولا يَسقُطُ القَضاءُ بالعُذرِ النَّادِرِ غَيرِ الدَّائِمِ. وإنَّما فُصِل بَينَ النَّادِرَينِ؛ لأنَّه لو كُلِّفتِ المُستَحاضةُ -عِندَ زَوالِ العِلَّةِ- قَضاءَ صَلَواتِ الاستِحاضةِ، لعَظُمَ عليها قَضاءُ صَلواتِ دَهرٍ طَويلٍ، فصارَ النَّادِرُ الدَّائِمُ كالعُذرِ العامِّ، وأمَّا النَّادِرُ الذي لا يَطولُ زَمانُه فلا تَشتَدُّ المَشَقَّةُ فيه على صاحِبِه في قَضاءِ الصَّلَواتِ القَليلةِ العَدَدِ.
فالأعذارُ العامَّةُ التي تَعُمُّ أغلَبَ المُكَلَّفينَ أدخَلُ في سُقوطِ القَضاءِ مِنَ الأعذارِ الخاصَّةِ؛ لِما يَلحَقُ بها مِنَ المَشَقَّةِ في إيجابِ القَضاءِ على الكافَّةِ؛ لأنَّ ما عَمَّ وُقوعُه مِنَ الأعذارِ مُؤَثِّرٌ
[864] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (1/194)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/348)، ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (2/591)، ((المنثور)) للزركشي (2/375). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ (الغالِبُ كالمُحَقَّقِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ العُذرَ العامَّ الذي يُسقِطُ القَضاءَ إنَّما يَكونُ غالبًا، فكان كالمُحَقَّقِ.
وهذه القاعِدةُ مُتَناوِلةٌ لفردٍ مِن أفرادِ القاعِدةِ الأُمِّ، ومِن أفرادِ قاعِدةِ العُذرِ، وهو سُقوطُ القَضاءِ بالعُذرِ العامِّ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ، ومِن ذلك:
1- القاعِدةُ الأُمُّ (الغالِبُ كالمُحَقَّقِ).
2- القاعِدةُ الكُلِّيَّةُ (المَشَقَّةُ تَجلِبُ التَّيسيرَ)؛ حَيثُ إنَّ العُذرَ العامَّ يُسقِطُ القَضاءَ لِما فيه مِنَ المَشَقَّةِ اللَّاحِقةِ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- المَريضُ إذا حَصَلت له حالةٌ مَنَعَته مِنَ الصَّلاةِ قاعِدًا، فإنَّه يُصَلِّي على جَنبٍ، ولا يَجِبُ عليه القَضاءُ -وإن كان ذلك مَعدودًا عِندَهم مِنَ الأعذارِ النَّادِرةِ- لأنَّه إذا وقَعَ دامَ؛ فأُلحِقَ بالصَّلاةِ قاعِدًا؛ لأنَّه مِنَ الأعذارِ العامَّةِ
[865] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (1/249). .
2- المَريضُ الجَريحُ إذا تَيَمَّمَ لخَوفِ ضَرَرِ الماءِ فصَلَّى، ليسَ عليه قَضاءُ تلك الصَّلاةِ إذا اندَمَل الجُرحُ؛ لأنَّ عُذرَ المَريضِ مِنَ الأعذارِ العامَّةِ في الوُقوعِ، والقَضاءُ يَسقُطُ بالعُذرِ العامِّ
[866] يُنظر: ((الجمع والفرق)) لأبي محمد الجويني (1/194). .
3- أنَّ الحُجَّاجَ لو أخطؤوا جَميعُهمُ الوُقوفَ بعَرَفةَ فوقَفوا في اليَومِ العاشِرِ أجزَأَهم ولم يَجِبْ عليهمُ القَضاءُ لِما فيه مِن عِظَمِ المَشَقَّةِ، ولو أخطَأ واحِدٌ فوقَف في اليَومِ العاشِرِ لم يُجْزِه؛ لأنَّ العُذرَ العامَّ أدخَلُ في سُقوطِ القَضاءِ مِنَ الخاصِّ؛ لِما يَلحَقُ مِنَ المَشَقَّةِ في إيجابِ القَضاءِ على الكافَّةِ
[867] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/348)، ((المنثور)) للزركشي (2/376). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:ذَكَرَ بَعضُ فُقَهاءِ الشَّافِعيَّةِ صورًا مُستَثناةً مِنَ القاعِدةِ؛ مِنها:
1- المَجروحُ إذا وضَعَ اللَّصوقَ على جُرحِه وهو مُحدِثٌ، وتَعَذَّرَ نَزعُه، وصَلَّى، فإنَّه يَجِبُ القَضاءُ في الأظهَرِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ؛ لفَواتِ شَرطِ الوضعِ على الطَّهارةِ، ولا بَدَلَ له، مَعَ أنَّ العُذرَ مِمَّا يَدومُ
[868] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/376). .
2- يُشتَرَطُ لصِحَّةِ المَسحِ على الجَبيرةِ وَضعُها على طُهرٍ، فإن وُضِعَت على غَيرِ طُهرٍ وجَبَ نَزعُها إن أمكَنَ، وإلَّا فتُترَكُ، ويَجِبُ القَضاءُ عِندَ البُرءِ
[869] يُنظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 63)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 399). .