موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّالثُ: الغَلبةُ تُنزَّلُ مَنزِلةَ الضَّرورةِ في إفادةِ الإباحةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الغَلَبةُ تُنَزَّلُ مَنزِلةَ الضَّرورةِ في إفادةِ الإباحةِ" [850] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/550)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/219)، ((البناية)) للعيني (13/543)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/545)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (10/528)، ((فتح باب العناية)) للقاري (3/448)، ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/734). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
استُعمِلت هذه القاعِدةُ عِندَ الحَنَفيَّةِ، ومَعناها أنَّ الغَلبةَ تَأخُذُ حُكمَ الضَّرورةِ في إفادةِ الإباحةِ؛ لأنَّ للغالِبِ حُكمَ الكُلِّ؛ فإنَّ القَليلَ لا يُمكِنُ الاحتِرازُ عنه، ولا يُستَطاعُ الامتِناعُ مِنه، وكُلُّ قَليلٍ لا يُمكِنُ الاحتِرازُ عنه فهو عَفوٌ، وكَما أنَّه في حالةِ الضَّرورةِ تُباحُ المَيتةُ، فكذلك يُباحُ التَّناوُلُ عِندَ غَلبةِ الحَلالِ على الحَرامِ.
وقدِ اختَلف الفُقَهاءُ في مَعنى الغَلَبةِ، فذَهَبَ الجُمهورُ إلى أنَّ المَغلوبَ هو الذي لا يُحَسُّ له وَصفٌ. والغَلبةُ في كُلِّ بابٍ تُعتَبرُ على حَسَبِ ما يَليقُ به.
ولمَّا كانتِ الغَلَبةُ تُنَزَّلُ مَنزِلةَ الضَّرورةِ فإنَّها لا يُعمَلُ بها فيما لا يُباحُ عِندَ الضَّرورةِ، كالفُروجِ، والأصلُ فيه أنَّ كُلَّ ما لا يُباحُ عِندَ الضَّرورةِ لا يَجوزُ فيه التَّحَرِّي، والفَرجُ لا يُباحُ عِندَ الضَّرورةِ، فلا يَجوزُ فيه التَّحَرِّي، بخِلافِ الشَّاةِ المُذَكَّاةِ إذا اختَلطَت بالمَيتةِ فإنَّه يَجوزُ التَّحَرِّي في الجُملةِ، وهيَ ما إذا كانتِ الغَلَبةُ للمُذَكَّاةِ؛ لأنَّ المَيتةَ مِمَّا تُباحُ عِندَ الضَّرورةِ [851] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (15/359)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/228)، ((البناية)) للعيني (13/543)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/545). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ عنِ القاعِدةِ الأُمِّ (الغالِبُ كالمُحَقَّقِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الغَلبةَ التي تُنزَّلُ مَنزِلةَ الضَّرورةِ في إفادةِ الإباحةِ تَكونُ بمَنزِلةِ اليَقينِ، فكانت كالمُحَقَّقِ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الغالِبُ كالمُحَقَّقِ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- يَسقُطُ اعتِبارُ قَليلِ النَّجاسةِ في البَدَنِ أوِ الثَّوبِ، ويُعفى عنه؛ لأنَّه لا يُمكِنُ الاحتِرازُ عنه، وللغالِبِ حُكمُ الكُلِّ [852] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/550)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/219)، ((البناية)) للعيني (13/543). .
2- يَسقُطُ اعتِبارُ قَليلِ انكِشافِ العَورةِ عِندَ الضَّرورةِ [853] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/550). .
3- جَوازُ التَّعامُلِ في الأسواقِ بالبَيعِ والشِّراءِ مَعَ أنَّ أسواقَ المُسلمينَ لا تَخلو عنِ المُحرَّمِ مِنَ المَسروقِ والمَغصوبِ، ومَعَ ذلك يُباحُ التَّناوُلُ؛ اعتِمادًا على الظَّاهرِ الغالِبِ؛ وهذا لأنَّ القَليلَ لا يُمكِنُ الاحتِرازُ عنه، ولا يُستَطاعُ الامتِناعُ مِنه، فسَقَطَ اعتِبارُه؛ دَفعًا للحَرَجِ، لأنَّ الغَلَبةَ تُنَزَّلُ مَنزِلةَ الضَّرورةِ في إفادةِ الإباحةِ [854] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (4/550)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/219). .

انظر أيضا: