موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الخامِسُ: المَوجودُ المُقتَرِنُ بالمانِعِ الحِسِّيِّ أوِ الشَّرعيِّ كالعَدَمِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المَوجودُ المُقتَرِنُ بالمانِعِ الحِسِّيِّ أوِ الشَّرعيِّ كالعَدَمِ" [722] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/131). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بــ "المَوجودُ الذي لا يُنتَفَعُ به والعَدَمُ الأصليُّ سَواءٌ" [723] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/286). ، وبصيغةِ: "المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حَقيقةً" [724] يُنظر: ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/ 114). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إذا كان الشَّيءُ مَوجودًا في الواقِعِ ووُجِدَ مانِعٌ حِسِّيٌّ -كَمُتَوضِّئٍ وجَدَ ذِئبًا بَينَه وبَينَ الماءِ مَثَلًا- أو وُجِدَ مانِعٌ شَرعيٌّ، كَنَجاسةِ الماءِ، فإنَّ الشَّيءَ وإن كان مَوجودًا لكِنَّ وُجودَه كالعَدَمِ؛ لكَونِه لا فائِدةَ لوُجودِه، ولا يُمكِنُ الانتِفاعُ به، فيُعتَبَرُ كالعَدَمِ، ويَنتَقِلُ المُكَلَّفُ إلى البَدَلِ، وأشارَت قاعِدةُ (المَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا) إلى أحَدِ شِقَّي هذه القاعِدةِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (الأصلُ عَدَمُ المانِعِ حتَّى يَثبُتَ) [725] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/286)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/131 -134)، ((التاج والإكليل)) للمواق (6/70)، ((شرح زروق على متن الرسالة)) (1/172)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/113). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ.
1- مِنَ القُرآنِ:
- قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ [يس: 11] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ خَصَّ المُؤمِنينَ بالإنذارِ مَعَ أنَّ الإنذارَ عامٌّ لجَميعِ المُكَلَّفينَ، لكِن لمَّا كان المُؤمِنونَ همُ المُنتَفِعونَ به دونَ غَيرِهم، فكَأنَّ غَيرَهم في حُكمِ العَدَمِ [726] يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (8/471)، ((العذب النمير)) لمحمد الأمين الشنقيطي (1/304). .
- وقال اللهُ تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة: 18] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى أنزَل حَواسَّهمُ التي لا يَنتَفِعونَ بها في الاهتِداءِ إلى الحَقِّ مَنزِلةَ العَدَمِ، فوصَفهم بأنَّهم صُمٌّ بُكمٌ عُميٌ، مَعَ أنَّ الكُفَّارَ يَسمَعونَ ويَتَكَلَّمونَ ويُبصِرونَ، لكِنَّهم لشِدَّةِ تَمَسُّكِهم بالعِنادِ وإعراضِهم عَمَّا يَطرُقُ سَمعَهم مِنَ القُرآنِ وما يُظهِرُه الرَّسولُ مِنَ الأدِلَّةِ والآياتِ، أنزَلَهم مَنزِلةَ مَن هو أصَمُّ في الحَقيقةِ فلا يَسمَعُ، وإذا لم يَسمَعْ لم يَتَمَكَّنْ مِنَ الجَوابِ؛ فلذلك جَعَله بمَنزِلةِ الأبكَمِ، وإذا لم يَنتَفِعْ بالأدِلَّةِ ولم يُبصِرْ طَريقَ الرُّشدِ فهو بمَنزِلةِ الأعمى [727] يُنظر: ((مفاتيح الغيب)) للرازي (2/315)، ((دفع إيهام الاضطراب)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص:15). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للمُسيءِ صَلاتَه: ((ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ )) [728] أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لمَّا لم يُصَلِّ صَلاةً صحيحةً تُسقِطُ الفريضةَ، كان وُجودُ هذه الصَّلاةِ مِنه كالعَدَمِ [729] يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (2/105)، ((شرح المصابيح)) لابن الملك (1/467)، ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (9/145). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا وجَدَ الماءَ وحال دونَه حائِلٌ يَعجِزُ عن دَفعِه، أوِ احتيجَ إليه لحَيَوانٍ مُحتَرَمٍ، أو كان به مَرَضٌ يَمنَعُه مِنِ استِعمالِه، فإنَّه يَتَيَمَّمُ في ذلك كُلِّه [730] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/112)، ((التلقين)) للقاضي عبدالوهاب (1/29)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/131)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/253)، ((الروض المربع)) للبهوتي (ص:45)، ((أسهل المدارك)) للكشناوي (1/124). .
2- يُعطى ابنُ السَّبيلِ مِنَ الزَّكاةِ وإن كان غَنيًّا في بَلدِه؛ لأنَّه لمَّا لم يَتَوصَّلْ إلى الانتِفاعِ بمالِه كان كالفقيرِ، فجَعَل المانِعُ الحِسِّيُّ غِناه في بَلدِه كالعَدَمِ [731] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (1/346)، ((المهذب)) للشيرازي (1/317)، ((الهداية)) للكلوذاني (1/148)، ((الاختيار)) للموصلي (1/119). .

انظر أيضا: