موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: لا حُكمَ مَعَ قيامِ المانِعِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "لا إباحةَ مَعَ قيامِ المانِعِ" [732] يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (1/237). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
المانِعُ هو الوصفُ الوُجوديُّ الظَّاهرُ المُنضَبِطُ المُعَرِّفُ لنَقيضِ الحُكمِ، وحينَئِذٍ يَلزَمُ مِن وُجودِه عَدَمُ الحُكمِ، فإذا تَوافرَت لحُكمٍ مِنَ الأحكامِ أسبابُه وشُروطُ صِحَّتِه وانعِقادِه، فإنَّه لا يَثبُتُ حتَّى تنتفيَ مَوانِعُ انعِقادِه، فإذا وُجِدَ مانِعٌ مِنَ المَوانِعِ التي تَمنَعُ انعِقادَه فلا يَنعَقِدُ الحُكمُ [733] يُنظر: ((الفروق)) (1/62)، ((شرح تنقيح الفصول)) (ص:82) كلاهما للقرافي، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/436)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/176). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ استِقراءُ نُصوصِ الوحيَينِ؛ فإنَّها تنفي الحُكمَ بوُجودِ المانِعِ، وتُثبتُ أنَّه لا يَثبُتُ الحُكمُ مَعَ وُجودِ المانِعِ، ومِن ذلك:
1- قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النو: 4].
2- وجَعَل المَحيضَ مانِعًا مِن قِربانِ النِّساءِ في قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] .
3- عن أسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَرِثُ المُسلِمُ الكافِرَ، ولا يَرِثُ الكافِرُ المُسلِمَ )) [734] أخرجه البخاري (6764)، ومسلم (1614) واللفظ له .
فهذه النُّصوصُ وغَيرُها دَلَّت على انتِفاءِ الحُكمِ عِندَ وُجودِ المانِعِ.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الأُبوَّةُ؛ فإنَّها مانِعةٌ مِنَ القِصاصِ، فلو قَتَل الأبُ ولدَه فلا يَثبُتُ الحُكمُ -وهو القِصاصُ- في هذه الحالةِ؛ لوُجودِ المانِعِ، وهو الأُبوَّةُ [735] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/172)، ((الهداية)) للمرغيناني (4/444)، ((الذخيرة)) للقرافي (12/335)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/269). .
2- القَتلُ العَمدُ العُدوانُ؛ فإنَّه مانِعٌ مِنَ القِصاصِ، فلو قَتَل الوارِثُ مُوَرِّثَه عَمدًا عُدوانًا، فلا يَثبُتُ الحُكمُ -وهو ميراثُه مِن قَريبِه المَيِّتِ- مَعَ تَوافُرِ الأسبابِ مِنَ القَرابةِ أوِ المُصاهَرةِ، وتَوافُرِ الشُّروطِ مِن حَياةِ الوارِثِ حَقيقةً ومَوتِ المورِّثِ حَقيقةً، لكِن وُجِد مانِعٌ يَمنَعُ الحُكمَ، وهو القَتلُ العَمدُ العُدوانُ [736] يُنظر: ((مختصر الخرقي)) (ص:93)، ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/84)، ((البناية)) للعيني (13/69)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/386). .

انظر أيضا: