الفَرعُ الأوَّلُ: إذا زال المانِعُ عادَ المَمنوعُ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا زال المانِعُ عادَ المَمنوعُ"
[737] يُنظر: ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص:19). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ"إذا زال المانِعُ عَمِل المُقتَضي عَمَلَه"
[738] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/251، 285)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/34)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/484). ، و"إذا زال المانِعُ عادَ الحُكمُ الأصليُّ"
[739] يُنظر: ((العناية)) للبابرتي (9/215). ، و"إذا زال المانِعُ عادَ الحَقُّ بالسَّبَبِ السَّابقِ المُلازِمِ"
[740] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/499). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.سَبَقَ بَيانُ أنَّ المانِعَ يَلزَمُ مِن وُجودِه عَدَمُ الحُكمِ، فإذا وُجِدَ المانِعُ تَخَلَّف الحُكمُ، فإذا زال المانِعُ وارتَفعَ فإنَّ المَمنوعَ -وهو الحُكمُ- يَعودُ مَرَّةً ثانيةً؛ لأنَّ تَخَلُّفَ الحُكمِ كان لأجلِ المانِعِ، فإذا زال المانِعُ لم يَكُنْ لتَخَلُّفِه مَعنًى، والمانِعُ هنا في هذه القاعِدةِ أعَمُّ، فهو يَشمَلُ ما سَبَقَ، ويَشمَلُ كُلَّ أمرٍ طارِئٍ يَمنَعُ نَفاذَ الحُكمِ، فإذا ارتَفعَ هذا الطَّارِئُ عادَ الحُكمُ كَما كان، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (لا إباحةَ مَعَ قيامِ المانِعِ)، فالأُولى تَتَحَدَّثُ عن وُجودِ المانِعِ وتَأثيرِه في مَنعِ الحُكمِ، وهذه تَتَحَدَّثُ عن زَوالِ المانِعِ وأثَرِه في عَودِ الحُكمِ
[741] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/248)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/251، 285)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/249)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (9/44)، ((العناية)) للبابرتي (9/215)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/484). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ القُرآنُ والسُّنَّةُ:
1- مِنَ القُرآنِ: - قَولُ اللهِ تعالى:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ حَرَّمَ على الرَّجُلِ قِربانَ المَرأةِ حالَ الحَيضِ، فإذا زال المانِعُ -وهو الحَيضُ- وتَطَهَّرَتِ المَرأةُ، ارتَفعَ الحُكمُ -وهو المَنعُ- وجازَ له قِربانُها
[742] يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (3/441) و (10/14)، ((بحر العلوم)) للسمرقندي (1/147،146)، ((النكت والعيون)) للماوردي (1/283). .
- وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنْعَامِ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إلى قَولِه تعالى:
وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا [المائدة: 1 - 2] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ اللَّهَ تعالى حَرَّم الصَّيدَ على المُحرِمِ لأجلِ الإحرامِ، فإذا زال المانِعُ -وهو الإحرامُ- عادَ الشَّيءُ إلى أصلِه، فأُبيحَ له الصَّيدُ، أي: لمَّا كان المانِعُ مِن حِلِّ الاصطيادِ هو الإحرامَ، فإذا زال الإحرامُ وجَبَ أن يَزولَ المَنعُ
[743] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/150)، ((تفسير الرازي)) (11/281). .
2- مِنَ السُّنَّةِ:عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَن أكَل مِن هذه البَقلةِ فلا يَقرَبَنَّ مَساجِدَنا حتَّى يَذهَبَ ريحُها )) يَعني الثُّومَ
[744] أخرجه البخاري (853)، ومسلم (561) واللفظ له .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى آكِلَ الثُّومِ مِن حُضورِ المَسجِدِ لسَبَبٍ، وهو الأذى الخارِجُ مِنه الذي يُؤذي المُصَلِّينِ والمَلائِكةَ، فإذا زال هذا المانِعُ -وهو الرِّيحُ الخَبيثُ المُتَولِّدُ مِن أكلِها- عادَ الحُكمُ، وهو جَوازُ الحُضورِ في المَسجِدِ؛ فدَلَّ على أنَّ ما زال لمانِعٍ يَعودُ بزَوالِه
[745] يُنظر: ((نخب الأفكار)) للعيني (13/227)، ((فتح المنعم)) لموسى لاشين (3/205:199)، ((البحر المحيط)) للولوي (12/448). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- كُلُّ قَرابةٍ تُستَحَقُّ بها الحَضانةُ، مَنع مِنها مانِعٌ -كَرِقٍّ، أو كُفرٍ، أو فُسوقٍ، أو جُنونٍ، أو صِغَرٍ- إذا زال المانِعُ -مِثلُ: إن عَتَقَ الرَّقيقُ، وأسلمَ الكافِرُ، وعُدِّل الفاسِقُ، وعَقَل المَجنونُ، وبَلَغَ الصَّغيرُ- عادَ حَقُّهم مِنَ الحَضانةِ؛ لأنَّ سَبَبَها قائِمٌ، وإنَّما امتَنَعَت لمانِعٍ، فإذا زال المانِعُ عادَ الحَقُّ بالسَّبَبِ السَّابقِ المُلازِمِ
[746] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (11/278)، ((المغني)) لابن قدامة (8/248)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/42)، ((الشرح الكبير)) للدردير مع ((حاشية الدسوقي)) (2/533)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/313). .
2- مَن تُرَدُّ شَهادَتُه لمانِعٍ، كالصَّبيِّ والكافِرِ والمَجنونِ، إذا زالت هذه المَوانِعُ، بأن بَلَغَ الصَّبيُّ وأسلمَ الكافِرُ وعَقل المَجنونُ، قُبِلَت شَهادَتُهم بمُجَرَّدِ ذلك؛ لأنَّ المُقتَضيَ لقَبولِ الشَّهادةِ مَوجودٌ، وإنَّما رُدَّت لوُجودِ المانِعِ، فإذا زال المانِعُ عَمِلَ المُقتَضي عَمَلَه، كَما لو لم يوجَدِ المانِعُ
[747] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (7/49)، ((التلقين)) للقاضي عبدالوهاب (2/210)، ((الجوهرة النيرة)) للزبيدي (2/236)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (29/383). .