موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الرَّابعُ: مَتى اقتَرَنَ بالعَقدِ ما يَمنَعُ موجِبَه لم يَصِحَّ العَقدُ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَتى اقتَرَنَ بالعَقدِ ما يَمنَعُ موجِبَه لم يَصِحَّ العَقدُ" [759] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (21/69). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
شَرع اللهُ عَزَّ وجَلَّ العُقودَ والمُعامَلاتِ لتَحقيقِ مَصالحِ العِبادِ، وجَعل لكُلِّ عَقدٍ مَقاصِدَ وآثارًا تَتَرَتَّبُ عليه تُعرَفُ بمُقتَضى العَقدِ وموجِبِه، وهيَ الالتِزاماتُ والآثارُ النَّاتِجةُ عنِ العَقدِ، والتي تُحَقِّقُ مَصالِحَ العِبادِ في العاجِلِ والآجِلِ، فالبَيعُ يَقتَضي مِلكَ المُشتَري للسِّلعةِ والبائِعِ للثَّمَنِ، والنِّكاحُ يَقتَضي حِلَّ الاستِمتاعِ، فإذا اشتَرَطَ أحَدُ المُتَعاقِدَينِ في العَقدِ ما يَمنَعُ العَقدَ مِن تَحقيقِ مَقصودِه فإنَّ العَقدَ يَفسُدُ؛ لأنَّ هذا الشَّرطَ يَحولُ بَينَ العَقدِ وما شُرِعَ مِن أجلِه، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكملةً لقاعِدةِ (لا إباحةَ مَعَ قيامِ المانِعِ) [760] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (5/66)، ((المبسوط)) للسرخسي (21/69)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (8/451)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/56). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ العَقدَ إنَّما شُرِعَ لإثباتِ مُوجِبِه، فما يَمنَعُ موجِبَه فإنَّه يفسدُ؛ لمَنعِه ما شُرِعَ لأجلِه العَقدُ [761] يُنظر: ((فتح القدير)) للكمال بن الهمام (8/451). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لوِ استَأجَرَ دارًا فشَرَط المُؤَجِّرُ عليه أن لا يَسكُنَها كانتِ الإجارةُ فاسِدةً؛ لأنَّه شَرَط شَرطًا يَمنَعُ موجِبَ العَقدِ، فيَفسُدُ العَقدُ، فإن سَكَنَها فعليه أجرُ مِثلِها [762] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (15/149)، ((الإشراف)) لابن المنذر (6/309)، ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/121). .
2- لو تَزَوَّجَت وشَرَطَت على زَوجِها أن لا يَطَأَها فالنِّكاحُ باطِلٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ؛ لأنَّها قد مَنَعَته ما استَحَقَّه عليها مِن مَقصودِ العَقدِ [763] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/507)، ((التجريد)) للقدوري (9/4571). ، والحَنَفيَّةُ والحَنابلةُ يُبطِلونَ الشَّرطَ لمُخالفتِه مُقتَضى العَقدِ، ويُصَحِّحونَ العَقدَ [764] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/486)، ((البناية)) للعيني (5/166). .
3- إذا اشتُرِطَ في المُضارَبةِ عَمَلُ رَبِّ المالِ فإنَّه يَفسُدُ العَقدُ، وإن لم يوجِبْ جَهالةً في الرِّبحِ؛ لأنَّه شَرطٌ يَمنَعُ موجِبَ العَقدِ؛ إذ موجِبُه تَسليمُ المالِ إلى المُضارِبِ، وهذا يَمنَعُه [765] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/56). .

انظر أيضا: