الفرعُ الثَّاني: المَعطوفُ على الشَّرطِ شَرطٌ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المَعطوفُ على الشَّرطِ شَرطٌ"
[650] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/182)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/227)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/191)، ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/21). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ المَعطوفَ على الشَّرطِ يَكونُ شَرطًا مِثلَه، فيَجِبُ فيه ما يَجِبُ في الشَّرطِ؛ لأنَّ المَعطوفَ يَأخُذُ حُكمَ المَعطوفِ عليه في إعرابِه وفي حُكمِه الشَّرعيِّ، وإن كان مُغايِرًا له في حَقيقَتِه؛ لأنَّ العَطفَ يَقتَضي المُغايَرةَ
[651] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/227)، ((البحر المحيط)) لأبي حيان (2/261)، ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (6/54)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (10/754). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ المَعطوفَ على الشَّرطِ المَنصوصِ عليه يُعتَبَرُ شَرطًا مِثلَه، فيُعمَلُ به؛ لأنَّه في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ؛ فإنَّ المَعطوفَ يَأخُذُ حُكمَ المَعطوفِ عليه.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نَصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ)، ويُضافُ إليها مِنَ السُّنَّةِ:
عن رافِعِ بنِ خَديجٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((ما أنهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسمُ اللهِ عليه فكُلوه، ليسَ السِّنَّ والظُّفرَ، وسَأُحَدِّثُكُم عن ذلك، أمَّا السِّنُّ فعَظمٌ، وأمَّا الظُّفرُ فمُدى الحَبَشةِ )) [652] أخرجه البخاري (2488) واللفظ له، ومسلم (1968). وَجهُ الدَّلالةِ:في الحَديثِ أنَّه لا تَحِلُّ الذَّبيحةُ إلَّا إذا ذُكِرَ اسمُ اللهِ تعالى عليها؛ لقَولِه:
((ذُكِرَ اسمُ اللهِ عليهـ))؛ لأنَّ (ذُكِرَ اسمُ اللهِ عليهـ) مَعطوفٌ على الشَّرطِ
((أنهَرَ الدَّمَ))، والمَعطوفُ على الشَّرطِ يَكونُ شَرطًا مِثلَه، وجَوابُ الشَّرطِ: قَولُه:
((فكُلُوهـ)) [653] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (6/54). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- تَجِبُ التَّسميةُ عِندَ إرسالِ الكَلبِ المُعَلَّمِ للصَّيدِ؛ فقد قال اللهُ تعالى:
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [المائدة: 4] ، والمُرادُ التَّسميةُ عِندَ الإرسالِ، فثَبَتَ بهذا النَّصِّ أنَّ التَّسميةَ مَأمورٌ بها، ومُطلَقُ الأمرِ الوُجوبُ، وهيَ مِن شَرائِطِ الحِلِّ، ثَبَتَ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعَدِيِّ بنِ حاتِمٍ رَضيَ اللهُ تعالى عنه: «إذا أرسَلتَ كَلبَك المُعَلَّمَ، وذَكَرتَ اسمَ اللهِ تعالى، فكُلْ»
[654] أخرجه مسلم (1929). ، والمَعطوفُ على الشَّرطِ شَرطٌ، وأكَّدَ ذلك بقَولِه: «وإن شارَكَ كَلبَك كَلبٌ آخَرُ، فلا تَأكُلْ، فأنتَ إنَّما سَمَّيتَ على كَلبِك، ولم تُسَمِّ على كَلبِ غَيرِك»
[655] لفظه: عن عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ: ((سَألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ المِعراضِ، فقال: إذا أصابَ بحَدِّه فكُلْ، وإذا أصابَ بعَرضِه فقَتَل فإنَّه وَقيذٌ فلا تَأكُلْ، وسَألتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الكَلبِ، فقال: إذا أرسَلتَ كَلبَكَ، وذَكَرتَ اسمَ اللهِ فكُلْ، فإن أكَل مِنه فلا تَأكُلْ؛ فإنَّه إنَّما أمسَكَ على نَفسِه، قُلتُ: فإن وجَدتُ مَعَ كَلبي كَلبًا آخَرَ، فلا أدري أيُّهما أخَذَه؟ قال: فلا تَأكُلْ؛ فإنَّما سَمَّيتَ على كَلبِكَ، ولم تُسَمِّ على غَيرِهـ)). أخرجه البخاري (5486)، ومسلم (1929) واللَّفظُ له. ، فعَلَّل للحُرمةِ بأنَّه لم يُسَمِّ على كَلبِ غَيرِه، فهو دَليلُ الحُرمةِ إذا لم يُسَمِّ على كَلبِ نَفسِه
[656] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/237). .
2- إذا أقامَ أربَعةً مِنَ الفُسَّاقِ يَشهَدونَ على صِدقِ قَولِ القاذِفِ، لا يُقامُ عليه حَدُّ القَذفِ، والقاتِلُ إذا أقامَ فاسِقَينِ على العَفوِ أو على أنَّ قَتلَه كان بحَقٍّ لا يَسقُطُ القَوَدُ عنه. والفَرقُ: أنَّ السَّبَبَ الموجِبَ للحَدِّ في القَذفِ لم يَتَقَرَّرْ؛ فإنَّ نَفسَ القَذفِ ليسَ بموجِبٍ للحَدِّ؛ لأنَّه خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَينَ الصِّدقِ والكَذِبِ، وإنَّما يَصيرُ موجِبًا بعَجزِه عن إقامةِ أربَعةٍ مِنَ الشُّهَداءِ، ولم يَظهَرْ ذلك العَجزُ؛ لأنَّ للفُسَّاقِ شَهادةً وإن لم تَكُنْ مَقبولةً، وبَيانُ هذا أنَّ اللَّهَ تعالى قال:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ [النور: 4] ، فكان العَجزُ شَرطًا للوُجوبِ؛ لأنَّ المَعطوفَ على الشَّرطِ شَرطٌ، وقَولُه تعالى:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ مُتَضَمِّنٌ مَعنى الشَّرطِ. أمَّا الموجِبُ للقِصاصِ فهو القَتلُ، وقد تقَرَّر ذلك، فالعَفوُ بَعدَه مُسقطٌ، وهذا المُسقطُ لا يَظهَرُ إلَّا بقَبولِ شَهادَتِه، وليسَ للفاسِقِ شَهادةٌ مَقبولةٌ
[657] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (10/182)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/263)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/191). .
3- إذا قال الرَّجُلُ لنِسائِه: التي تَدخُلُ مِنكُنَّ الدَّارَ ثُمَّ تُكَلِّمُ زَيدًا فهيَ طالِقٌ، كان كَلامُ زَيدٍ شَرطًا لوُقوعِ الطَّلاقِ مِثلَ الدُّخولِ
[658] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/227). .