الفرعُ الرَّابعُ: قد يَثبُتُ بالشَّرطِ ما لا يَثبُتُ بإطلاقِ العَقدِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "قد يَثبُتُ بالشَّرطِ ما لا يَثبُتُ بإطلاقِ العَقدِ"
[664] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3583)، ((المغني)) لابن قدامة (7/62)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (13/105)، ((تكملة المطيعي للمجموع)) (13/435). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُعَدُّ هذه القاعِدةُ تَقييدًا للعَقدِ المُطلَقِ، والعَقدُ المُطلَقُ: هو الخالي عنِ الاشتِراطِ بأن لا يُنَصَّ فيه على أيِّ قَيدٍ أو شَرطٍ. فقد يَحتاجُ المُتَعاقِدانِ إلى إثباتِ بَعضِ الصِّفاتِ في المَبيعِ أو في الثَّمَنِ مِمَّا يَكونُ في مَصلحةِ العَقدِ للطَّرَفينِ، أو لأحَدِهما بما لا يَضُرُّ الآخَرَ؛ قَطعًا للنِّزاعِ بَينَهما، فحينَئِذٍ توجَدُ بَعضُ الشُّروطِ مِنهما لتُفيدَ فائِدةً لا يُفيدُها العَقدُ المُطلَقُ عنها؛ ولذا يُشتَرَطُ في هذه الشُّروطِ أن تَكونَ موافِقةً للشَّرعِ بألَّا تُعارِضَ مَقصودَ العَقدِ، وأمَّا الشُّروطُ المُخالفةُ فهيَ لغوٌ باطِلٌ، فلا يُعتَدُّ بها ولا يَثبُتُ بها شَيءٌ
[665] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/62)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (13/105)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/151). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نَصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ ما يَثبُتُ بالشَّرطِ الجائِزِ مِنَ المُتَعاقِدَينِ يُلحَقُ بالشَّرطِ، كَما لو كان مَنصوصًا عليه في العَقدِ؛ لأنَّه يَكونُ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((مَنِ ابتاعَ نَخلًا بَعدَ أن تُؤَبَّرَ، فثَمَرَتُها للبائِعِ، إلَّا أن يَشتَرِطَ المُبتاعُ )) [666] أخرجه البخاري (2379) واللفظ له، ومسلم (1543). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فثَمَرَتُها للبائِعِ)) يُريدُ أنَّها له بمُطلقِ العَقدِ، وقَولُه:
((إلَّا أن يَشتَرِطَ المُبتاعُ)) جُوِّز فيه للمُشتَري اشتِراطُ زيادةٍ على موجِبِ العَقدِ المُطلَقِ، فإنِ اشتَرَطَها المُشتَري فهيَ له بشَرطِه، فيَدُلُّ الحَديثُ على اعتِبارِ الشُّروطِ في البَيعِ التي يَشتَرِطُها البائِعُ أوِ المُشتَري، ونُفوذِها
[667] يُنظر: ((المسالك)) لابن العربي (6/71)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/171)، ((توضيح الأحكام)) لعبد الله البسام (4/440). .
2- مِنَ الإجماعِ:ومِمَّن نَقَله: ابنُ تَيميَّةَ
[668] قال: (المَبيعُ الذي يَدخُلُ في مُطلقِ العَقدِ بأجزائِه ومَنافِعِه يُملكانِ اشتِراطَ الزِّيادةِ عليه، كَما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((مَن باعَ نَخلًا قد أُبِّرَت فثَمَرَتُها للبائِعِ إلَّا أن يَشتَرِطَ المُبتاعُ))؛ فجَوَّز للمُشتَري اشتِراطَ زيادةٍ على موجِبِ العَقدِ المُطلَقِ، وهو جائِزٌ بالإجماعِ). ((مجموع الفتاوى)) (29/170). .
3- مِنَ القَواعِدِ:1- القاعِدةُ الأُمُّ (الأصلُ أنَّ ما ثَبَتَ بالشَّرطِ نَصًّا لا يُلحَقُ به ما ليسَ في مَعناه مِن كُلِّ وَجهٍ).
2- قاعِدةُ: (المُسلِمونَ عِندَ شُروطِهم).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا شَرط في المَبيعِ صِفةً، كَأن يُسَلِّمَه إليه صحيحًا سَليمًا، أوِ اشتَرَطَ في الثَّمَنِ أن يوفِّيَه حالًا
[669] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/151). وينظر أيضًا: ((المغني)) لابن قدامة (7/62). .
2- خيارُ الشَّرطِ لا يَثبُتُ بإطلاقِ العَقدِ، وإنَّما يَثبُتُ بالشَّرطِ، والخيارُ يَكونُ في ثَلاثةِ أُمورٍ: إمَّا في التَّرَوِّي في الثَّمَنِ، وإمَّا في العَزمِ على الأخذِ أوِ التَّركِ، وإمَّا في اختيارِ المَبيعِ، وكُلُّ ذلك لا يَثبُتُ إلَّا بشَرطٍ، فيَجوزُ شَرطُ الخيارِ لمَن شَرطُه مِنَ المُتَعاقِدَينِ أو لهما، ثُمَّ لمَن ثَبَتَ له أن يَمضيَ أو يَفسَخَ
[670] يُنظر: ((التلقين)) للقاضي عبد الوهاب (2/143)، ((البيان)) للعمراني (5/39)، ((روضة المستبين)) لابن بزيزة (2/921). .
3- إذا أُطلِقَ عَقدُ الإجارةِ عن ذِكرِ الأُجرةِ، فعِندَ الحَنَفيَّةِ لا تَجِبُ الأُجرةُ في الإجارةِ بنَفسِ العَقدِ، وإنَّما تَجِبُ بإيفاءِ المَنفعةِ، فإن كانتِ المَنفَعةُ مِمَّا يَنفرِدُ بَعضُها عن بَعضٍ بالمَنافِعِ، وجَبَ أجرُ كُلِّ جُزءٍ عِندَ استيفائِه، كَأُجرةِ الدَّارِ، وإن كان لا يَنفرِدُ لم تَجِبِ الأُجرةُ بإيفاءِ جَميعِها، كالصَّبَّاغِ. فإذا اشتَرَطَ تَعجيلَ الأُجرةِ وجَبَ تَعجيلُها؛ لأنَّها لا تُملَكُ بنَفسِ العَقدِ، وإنَّما تُملَكُ بشَرطِ التَّعجيلِ، فقد ثَبَتَ بالشَّرطِ ما لا يَثبُتُ بإطلاقِ العُقودِ
[671] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (7/3580). .